ليتني كنت لقيطًا.. كان هذا عنوان مقال كتبة وديع فلسطين وهو في سن الثلاثين من عمره هاجم خلاله وزارة الداخلية؛ مازال يتذكره الآن بعد مرور 60 سنة قضاها في بلاط صاحبة الجلالة. قال "الصحفي والأديب والمترجم"، إنه لم يسع للشهرة في يوم ما، وماحدث له بعد رحلته في الصحافة كان يتوقعه.
ضعف سمعة، وخفت صوته، وضاق بصره.. لم يعد يسمع ويري إلا النزر القليل، جنت عليه الصحافة وسرقت عمره دون أن يشعر، كان يعتقد أنه سيسعد في نهاية رحلته، إلا أن الأمور لم تكن كما أراد سفير الأدباء البالغ من العمر 95 عاما.
بالأمس نشرت "أهل مصر" الحلقة الأولي من حواره مع الكاتب الكبير وديع فلسطين، تضمن مجريات ماحدث له مع موظف صرف المعاشات، وسبب اتصال غادة والي به واعتذارها له، أما اليوم تستكمل الحوار بالحلقة الثانية.
يلخص الكاتب في هذه الحلقة رحلته الصحفية التي بدأها عام 1942. أوضح لنا كيف كانت بدايته في مجال الصحافة، ثم محطات من حياته مع الملوك والرؤساء وعلاقته بمحمد حسنين هيكل رفيق الدرب.
بعد تخرجه عام 1942 من كلية الصحافة والنشر جامعة القاهرة، هكذا كان يطلق عليها وقتها، ثم التحق بقسم التوزيع بصحيفة الأهرام، قائلا: "كنت أرفض هذا العمل، لكنى قبلته فى النهاية وخرجت بفائدة التعرف على سر توزيع الصحف".ويواصل "وديع فلسطين" حديثة: "التحقت بصحيفة "المقطم" بعد أن تركت الأهرام، وكانت صحيفة يومية مسائية، وعملت فيها بقسم الترجمة، وكنت أذهب لنقابة الصحفيين فأرى أناسًا يجلسون بـ«جلاليب» ويدخنون «الشيشة»، فقلت « لن ألتحق بها أبدًا». ويضيف: "في أيامنا لم تكن هناك لجنة قيد، وإنما كنا نرسل أوراقنا لمحكمة الاستئناف وهى تقضى فى الأمر، والأوراق كانت نماذج من أعمالنا الصحفية فقط، وفى عام 1951 طلبوا منّا الالتحاق بالنقابة منعًا لعدم الاعتراف بنا كـ«صحفيين» فتقدمت وقبلت من أول جلسة".مكث الكاتب فى جريدة المقطم قرابة العشر سنوات، التي بدأ حياته فيها كان محرر بالقسم الخارجي خاصة الأحداث السياسية والاقتصادية، وبعد أن رأى فيه "فارس النمر" مالك جريدة المقطم موهبته الإبداعية في الكتابة أسند إليه كتابة المقال الإفتتاحي للجريدة. "ضعف الإعلانات والتضيق على حرية الصحافة كانا سبب فى إغلاق الجريدة".ولم تستمر الرحلة التي خاضها الأديب فى جريدة المقطم إلا عشرة سنوات فقط، حتي تم إغلاقها في 1952 بسبب الأزمات السابقة.أخذنا "سفير الأدباء" بذاكرته التي تخونه أحيانا "لا مش متذكر التاريخ بالضبط"، إلا أنه يؤكد أن الصحافة قبل 1952 كانت أفضل بكثير "الصحفيون قبل ثورة 52 كانوا يشعرون بقيمتهم، حيث إن السلطة كانت تسعى إليهم وليس العكس، وكانت الصحف جميعها تنطلق من شعار وطني "وحدة وادي النيل"، وفيما عدا المساس بالذات الملكية كل شيء مباح".تعود ذاكرة الكاتب مرة أخري لتتذكر موقفين يثبتان على أن الصحافة كما أطلق عليه فى ذلك الحين سلطة رابعة "كنت أقيم فى شارع الأهرام، وانقطعت المياه لمدة يومين متتاليين، فكتبت مقالًا بعنوان "لهؤلاء تعلق المشانق" اتصل بى مدير إدارة مياه الجيزة بعدها على الفور، وقال"إلا انت كتبته كلام فارغ، فقلت له متى تعود المياه فأجابني حالا، الصحافة كان لها رونقها"."أعرف قلمي".. كانت هذه هي إجابة الكاتب عندما ذهب أخوه إليه يطلب منه مساعدته في استخراج باسبور سفر قائلا له تعرف حد يطلعلي باسبور سفري لأن الرحلة باقي عليها ثلاثة أيام وستنتهي قبل أن أكمل أوراقي ولن أسافر؟ فأجابه الكاتب: أعرف قلمي، وكتبت في اليوم التالي مقالًا بعنوان ليتني كنت لقيتا"، سرد فيه المعاناة التي مر بها أخواه في أستخراج جواز سفرة، مؤكدا على أن وزارة الداخلية اتصل به واعتذر له، وأرسل له جواز سفر أخاه برسالة اعتذار له".وعن علاقته بالكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، قال هيكل صديقي منذ النشأة، حصلت على مؤهل جامعي، وحصل هو على مؤهل متوسط، وكان ثالثنا «رمسيس نصيف». وعمل بالأمم المتحدة، ولما جاءت فترة عبد الناصر التحم به، وبقيت صداقتنا الشخصية، رغم تباين التوجهات السياسي".فارق "وديع فلسطين" صديقة عندما اختلفت وجهات النظر، إلا أن المناسبات واللقاءات الصحفية جمعتهم كثيرا، لكنه عاود واتواصل معه "لم يتحدث إليّ، ولما علمت بتوليه رئاسة تحرير الأهرام أرسلت له رسالة تسلمتها سكرتيرته «نوال المحلاوى»، وقلت فيها، أريد العودة للعمل فىيالصحافة تحت إشرافك، وتوجيهك؛ لكنه لم يرد على رسالتي حتى وفاته، وكنت وقتها فى حاجة إليه".
لقرآءة الجزء الأول من الحوار شاهد اللينك التالي...