استطاع الطب النفسي في الدول الأوروبية الوصول لأعماق المريض، بعيدًا عن العقاقير الطبية، في الوقت الذي يحاول فيه الأطباء النفسيين في مصر مواكبة ذلك التطور، لكن عادات المجتمع المصري ونظرته للمريض حالت دون تحقيق ذلك، حسبما قال الدكتور عبد الحميد موافي، الطبيب النفسي المصري الذي يعمل بالسويد.
وأجرت "أهل مصر" حوارًا مع الدكتور عبد الحميد، الملقب بـ"طبيب نفسي مهاجر" الذي تخرج من كلية الطب جامعة القاهرة عام 2001، حول تطور الطب النفسي خارج مصر والطرق الحديثة في التعامل مع المريض، وسبب التطرف الفكري والإرهاب، وإلى نص الحوار..
- كيف تقدم الطب النفسي في الدول الغربية عن نظيره المصري؟
مجال الطب النفسي في تقدم مستمر، وأصبح يعتمد على معرفة البيئة المحيطة بالمريض ونوع العلاقات التي تربطه بعائلته وأصدقائه، لمعرفة سبب المرض، بعيدًا عن معالجة المريض طبقًا للنصوص الأكاديمية المتراصة في كتب الطب النفسي.
والعلاج النفسي في مصر يعمل بصورة عكسية عن الخارج، ويظهر ذلك من خلال اهتمام الطبيب بالمريض دون النظر إلى دراسة تفاصيل حياته.
2- ما الطريق الصحيح لكسب ثقة المريض النفسي؟
هناك خيط رفيع بين ثقة المريض في الطبيب النفسي والخوف، ولهذا يتم البدء في استقبال المريض للمرة الأولى في العيادة، ومن ثم يمكن الاتفاق على المقابلة في الأماكن التي يفضلها المريض، في حالة رغبته بالابتعاد عن المقابلات الرسمية.
3-هل تختلف الأمراض النفسية في الدول الغربية عن مصر؟
بالطبع يوجد فرق، دائرة الأمراض النفسية في الخارج واسعة مقارنة بالأمراض في مصر، حيث تتركز الأمراض داخل مصر على التفكك الأسري والأدمان.
أما في دول الغرب باختلاف مسمياتها، فالأمراض النفسية شرسة؛ لعدم وجود جدار عازل (الالتزام الديني والدفئ الأسري) ولذلك رحلة العلاج شاقة (في مصر احتضان الأهل والأصدقاء بيساعد المريض على التعافي، لكن في الخارج المؤسسات العلاجية وحدها المساعدة للمريض)، ولهذا عندما يصاب الشخص في الخارج بالاكتئاب فهذا يقوده لمرض نفسي خطير، مقارنة بمصر التي يعالج بها المريض من الاكتئاب بأبسط الطرق ووقت قياسي.
- هل تطورت الأدوية النفسية في الخارج مقارنة بما يتداوله الأطباء داخل مصر؟
الاختلاف في مجال الأدوية بسيط نسبيًا في حالة مقارنة ذلك بالطرق المستحدثة من خلال استخدام أنواع الطاقات (طاقة الهرم – الطاقة المكانية).
لكن بالنظر في الأدوية التي يتناولها المرضى في مصر والدول الغربية، فإن المادة الفعالة واحدة، والاختلاف يمكن في المسميات.
- ما الطريقة المناسبة لوصول الطب النفسي في مصر إلى نفس مستوى الخارج؟
المعتقدات الخاطئة التي ترتبط بالمرض النفسي، تعد إعاقة في طريق التقدم، فالفكرة السائدة في مصر أن المريض يشكل خطورة على نفسه والمجتمع.
التعامل مع المرض النفسي كغيره من الأمراض، يحتاج إلى قرار جرئ من المجتمع المصري المتناقد (محافظ بالرغم من انه منفتح بدرجة كبيرة على العالم)، ولذلك 99% من أمراضنا النفسية قائمة على الفهم الخاطئ للحياة المنفتحة.
قرابة الـ60 عام على الانفتاح، لكن النتيجة هناك تذبذب في الشخصية المصرية، بين محافظتها على العادات والتقاليد ورغبتها في التحرر، وهذا ما دفع البعض إلى شذوذ فكري وأخلاقي، وأجيال مهشمة نفسيًا.
- هل الطب النفسي في مصر يعتمد جزء منه على استغلال المريض؟
هناك عدة أطباء نفسيين يحاولون الاستفادة من المرضى، من خلال كتابة العديد من الأدوية التابعة لشركات معينة مقابل الحصول على عمولة، والمريض في النهاية هو الضحية.
- هل الشواذ جنسيًا يعانون من مرض نفسي كما يطلقون على أنفسهم؟
الأفراد الذين يمارسون الشذوذ الجنسي، دليل قوي على تعرضهم للإهمال "التربوي والديني والأخلاقي" من جانب الأهل.
من وجهة نظري أن الشاذ جنسيًا شخص فقد المتعة الحقيقة في حنين أبويه، وبدأ في البحث عنها بشكل آخر، مع أخذ مساحة واسعة من الحرية.
- كيف يتم خلق الفكر الإرهابي بعقول المتطرفين؟
مر الفكر الإرهابي بعدة تغيرات، بعد أن كان يأخذ شكل ديني ظاهري فترة التسعينيات، من خلال تعيين أمير للجماعة يجب اتباعه وتنفيذ أوامره، بجانب الخطب الصماء التي كانت تنادي بها تلك الجماعات.
في الوقت الحالي تغير جوهر الفكري الإرهابي، وتحول أمير الجماعة إلى مجرد فرد بها، والمحرك الوحيد لهم هو "التمويل"، وبذلك أصبح من السهل استقطاب العقول الراغبة في المال، لكن في الوقت ذاته يوجد من يمارسون الإرهاب تحت عباءة نصر الدين.
- من وجهة نظرك المرض النفسي أصبح مرض العصر؟
ليس من الصحيح أن نسجن المرض النفسي في عصر واحد، الأصح أن يكون مرض كل العصور، لإن الصحة عبارة عن سلسلة متشابكة، إذا فقدت جزء منها أصبح الإنسان معرض للأمراض النفسية.
التعامل الجيد وتقدير الآخر يدفع المجتمع إلى النقاء النفسي، لكن عكس ذلك هو ما يخلق المرض، وأكمل مثال على ذلك هو قصة السفاح الذي قتل 77 شخص أغلبهم أطباء (السفاح كان مواطن عادي، بيعاني من وجع في الأسنان ذهب للكشف في المجمع الطبي البريطاني، لكن أطباء المجمع ضحكوا على شكل أسنانه، خلقت تلك المعاملة عقدة داخل المريض، دفعته مع الوقت لقتل عدد من الأطباء).
- هل صفحات الطب النفسي المنتشرة على "فيس بوك" تؤدي دور الطبيب؟
بالطبع غير قادرة، لعدم وجود رابط بين الطبيب والمريض، الاتصال المباشر يساعد المريض على التعافي بصورة أسرع من التعامل من خلف "السوشيال ميديا".