على سلالم منزلهم بإحدى أحياء القاهرة الراقية، كان قديمًا يتسابق عمر ذو الـ20 عامًا، مع أخيه الأصغر، لكنه لا يتمكن من الركض، للفوز بالسباق، بفعل التدخين.
تلك السلالم، كانت شاهدة على صدر عمر المتهالك، وفقًا لروايته لـ"أهل مصر": "عمر" بعد أن سكنه دخان السجائر منذ قرابة الـ6 سنوات: "أول ما تمُيت 20 سنة أصحابي في الكلية عزموا عليا بسجارة ومن وقتها بدخن".
وسط زخم الأخبار اليومية التي يقرأها عمر عبر هاتفه، منذ أن عمل محاسبًا في إحدى الشركات التجارية في ربيع 2012، تقع عينيه على خبر كان يمكن أن يثير غضبه منذ 7 أشهر"، قررت الحكومة زيادة جديدة بأسعار السجائر بعد موافقة الرئيس السيسي، حيث تم رفع السجائر بقيمة 3.50 جنيهات لما لا يزيد سعرها عن 18 جنيه و5.50 جنيهات لما يزيد سعرها عن 18 جنيه، و6.50 جنيهات لما يزيد سعرها عن 30 جنيه".
أكثر من 200 يومًا مرت على قرار "عمر": "من وقت ما شوفت أبويا بيموت من سرطان الرئة، نتيجة السجائر وأنا حرمتها على نفسي مش خوف عليا، لكن أمي عاشت وجع بعد موته محدش يتخيله".
المحاسب الذي بدأ صحته في التعافي بعد أن فقد الكثير من الوزن، كان يدخن 3 علب يوميًا، يخصص نصف مرتبه لشرائهم فقط، لكن كل مرة يعلم أن هناك زيادة في الأسعار، يصاب بالأحباط من ثقل النفقات: "أنا مقللتش من السجائر لكن قطعتها مرة واحدة، مريت أسبوعين تعب وصداع رهيب، لكن الحلم تحقق وكسبت فلوس وصحة".
من الحي الراقي المليء بالأشجار والحيوانات الأليفة إلى الجمالية، حيث رائحة التاريخ المختلطة بالتبغ الذي صدق مجلس الوزراء على زيادة ضريبته المضافة، في الـ21 من نوفمبر الجاري.
على بعد أمتار من مقهى "أم كثلوم" الذي يحتضن كل محبيها، يقف مصطفى، صاحب الـ50 عامًا، ترصد عينيه كل من ينفث دخان السجائر، يتذكر ما حدث منذ عامين، ذلك الموقف الذي كان من المرجح أن يحوله لقاتل.
في مارس من عام 2015، كان منزل ثروت علي، صاحب محل عطارة، مفعم بالحيوية، بعد أن قررت ابنته اصطحاب أطفالها والعيش في منزل والديها لعدة أشهر، بمجرد سفر زوجها للعمل في إحدى الدول الخليجية.
قبل 15 عامًا، بدأ ثروت استنشاق النيكوتين مع أول سيجارة له، يتذكر كيف دفعته مشاجرة مع زوجته إلى ترك المنزل لعدة ساعات، اشتري خلالهم السجائر وبدأ في التدخين للتخلص من غضبه يعتمد على مقولة صديقه المقرب "السجائر دي الحاجة الوحيدة اللي تهدئ أعصابك".
مع مرور السنوات ترتفع رغبة ثروت الذي تزوج منذ 25 عامًا، انجب خلالهم 4 أطفال، في تدخين المزيد من السجائر، ليصل به المطاف إلى أكثر علبة يوميًا، ليصب غضب انتهاء مرتبه على زوجته وأطفاله، لكن مع كل زيادة في أسعار السجائر، تقابلها مشاجرة قوية بين ثروت وزوجته التي كادت أن تتركه مرات عديدة.
ما بين المشاجرات والتعامل بحنيه من قبل زوجة ثروت، كمحاولة منها لتدفعه نحو الاقلاع عن التدخين "العادة المميتة"- كما تطلق عليها حسبما روئ ثروت لـ"أهل مصر"... مرت الأيام، إلى أن دقت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل في إحدى ليالي مارس الدافئة منذ عامين، كل من بالمنزل مستيقظ "ثروت يدخن بالمنزل كعادته، زوجته تلعب مع أحفادهم بينما تحضر ابنتها العشاء بعد مغادرة أشقائها لمنازلهم".
اقترب أحد أحفاد ثروت منه، لكن الجد تغافل عن حساسية الصدر التي يعاني منها حفيده، واستمر في التدخين إلى أن بدأ الطفل في السعال الذي أعقبه عدم القدرة على التنفس، خلال دقائق كان "مصطفى" يرقد على أحد آسرة مستشفى قريبة من المنزل، بينما يعطي الطبيب ملاحظاته للجد بعدم التعرض للتدخين إلا سيكون الموت هو مصير الحفيد.
جلس "الجد"، في إحدى أركان غرفة حفيدة لساعات، ليخرج منها معلنًا عن قراره بوقف التدخين الذي تبعه زيارات لأطباء في عدة تخصصات وعدد من الأدوية لمساعدته على المرور بمرحلة الأعراض الجانبيه التي استمرت شهرًا واحدًا، لتمر عليه زيادة أسعار السجائر تلك المرة، مرور الكرام دون مشاجرات.