مهنة غير محببة، يشعر بانقباضة فى قلبه
كل من يسمع أو يرى العاملين بها، وهى مهنة المغسل أو كما يسميها العامة بـ
"الحانوتية"، وصاحبها أو من يعمل بها يسمى "الحانوتى" وهى
مهنة كادت أن تنقرض بالنسبة للعاملين بها ويحملون تراخيص، عم حسن أو شيخ الحانوتية
كما يلقبونه في صدره أسرار المهنة، وحقيقة ما يجري بين عالم الحياة والموت، يكشف
في حواره لـ"أهل مصر"، مزيدا من ذلك الغموض.. وإلى نص الحوار
.
ـــ منذ متى وأنت تعمل بهذه المهنة ؟
ورثت هذه المهنة أبا عن جد، فلقد كان أجدادى يعملون بها، نحن
نملك دفاتر لمتوفين من عهد الملك فؤاد وأنا فخور بمهنتى هذه؛ لأنها الوحيدة التى
لم يتم القبض على أحد من العاملين بها على مر العصور بتهمة أو فساد.
ـــ كيف وصلت لمنصب شيخ الحانوتية؟
منذ ثلاثين عاما اجتمع كل الذين يعملون بهذه المهنة وقاموا
بتنصيبى شيخا للحانوتية بالقاهرة الكبرى، وقد شرعت فى عمل رابطة ومقر للمهنة حتى
نستطيع توصيل صوتنا إلى المسؤولين ومناقشة مشاكلنا وحلها، إلا أن هذه الفكرة لم
نستطيع انهاءها، وذلك بسبب عدم الوعى من المواطنين الذين رفضوا تأجير مقر لنا،
فالناس عندما نطلب سكنا و يعرف صاحبه أن المستأجر حانوتى يرفض تماما، وذلك لتشاؤمه
من المهنة فكيف اذن لعشرات الحانوتية يجتمعون فى مبنى لن يسمح أحد لنا بهذا.
ـــ كل المهن تأثرت بارتفاع الأسعار هل مهنة الحانوتى تعاني
أيضا؟
نعم تأثرت وبشكل كبير فرغيف العيش نفسه تأثر فكيف بهذا العمل،
نجد الكثير من الناس يعانى من ذلك، خاصة أن الموقف (الموت) يأتى فجأة دون ترتيب
لهذا، لذلك نجد أن بعض الناس باتت تقلل من التكلفة، أيضا أسعار البنزين أثرت بشكل
كبير فالسيارة الخاصة بنقل الموتى تتكلف كثيرا؛ لذلك فان التكلفة زادت بارتفاع
الأسعار.
ـــ كم بلغت نسبة الزيادة؟
أسعار سيارة نقل الموتى كانت بـ 180 ألف جنيه، أما الآن، فثمن
السيارة تعدى 450 ألف جنيه .
ـــ كيف يقلل المواطن من تكلفة الكفن؟
كان فى الماضى يتم اختيار الأجود من قماش الكفن، أصبح الآن يكفى
فقط أن يكون القماش ساترا، كان فى الماضى يتم تكفين الرجل من طبقة إلى 25 طبقة
الآن أصبح الرجل يكفن بثلاث طبقات فقط، والمرأة بخمسة طبقات حتى يكون التكفين
شرعيا؛ لان ناس كتيرة أصبحت محتاجة ثمن القماش.
ـــ هل تشعر بالحزن بسبب مهنتك ؟
على العكس، أنا فخور بمهنتى وابنائى أيضا، فقط فى بعض المواقف
التى تضايقنى ولكن تنتهى بانتهاء الموقف.
ـــ ما أهم تلك المواقف؟
على سبيل المثال تعرضت للطرد قبل ذلك من حفل زفاف لأحد الأصدقاء
عندما حضر أحد المدعوين وقال لصاحب الفرح " حد يعزم حانوتى فى فرح" فال
سئ واضطررت إلى ترك الفرح، ولكنى تناسيت الموقف لأنه مكرر.
ـــ هل مهنة الحانوتية ما زالت كما كانت أم اختلفت وانقرضت ؟
بالفعل المهنة كادت تندثر وتنتهى وذلك بسبب الجمعيات وتجار
الموت، حيث إن الجمعيات الخيرية تقوم بمنافستنا فى العمل، بل انها وأسعارها أحيانا
أعلى منا وأحيانا أقل، ولكن نحن ارخص أيا كان لأن الجمعيات تحصل على مساعدات من
وزارة التضامن وأهل الخير، ونحن لا يوجد لدينا مساعدات تصلنا؛ لذلك فنحن أرخص.
ـــ لما لا يوجد إقبال من الشباب على مهنتكم؟
نظرة الناس للمغسل لا تسمح لعمل أشخاص جدد فى المهنة متخصصون
وولديهم ترخيص، فلدى احد الـشخاص عمل معى يوم واحد وتركنى لأن زوجته علمت بمهنته
فطردته خارج المنزل ثلاثة أيام .
ـــ ماذا عن التغسيل داخل المستشفيات؟
المستشفيات تدار ذاتيا، وهي أيضا تهدد المهنة، وذلك بعد أن أصبح
العاملون بالمستشفى يقومون بالتغسيل دون علم، ولا معرفة بالقراءة والكتابة والتى
هى من شروط العمل بالمهنة وهى اجادة القراءة والكتابة، بالإضافة أن هذه المستشفيات
تفتح بابا للفساد؛ لأن المغسل المختص يعلم جيدا طريقة الموت، فنحن نعرف هل هذا
الشخص توفى بطريقة طبيعية أو جنائية فبعض الأطباء الذين يستخرجون الترخيص ليس
لديهم هذه الخبرة، وخاصة بمستشفى التى تدار ذاتيا، لذلك فبعض المجرمين يستخدمون
هذه المستشفيات لاخفاء جرائمهم بمقابل أو غيره .
ـــ مهنتك مؤلمة نفسيا فكيف تتعامل فى منزلك بعد ذهابك كل يوم
ومعاملة ابنائك؟
أنا اتأثر نفسيا فى نفس اللحظة وأكثر هذه اللحظات هى بكاء أو
حزن الأطفال على المتوفي، فهى الأكثر إيلاما نفسيا ولكن بعد خروجى من المشرحة وغلق
الباب انسى كل شئ، وأعيش طبيعى كأنى لم أكن بها يوما.
ـــ هل يشعر أولادك بالحرج من المهنة ؟
بالعكس هم فخورون بمهنتى وكلهم خريجو جامعة ابنى دكتور بالخارج
ومتزوج هناك ويدرس للطلبة فى الجامعة وابنتى أيضا وابنى من خريجى الجامعة ولكن
بعيد عن المهنة.
ـــ اغرب المواقف التى حدثت بعد ارتفاع الأسعار؟
أكثر المواقف التى تعرضت لها بهذا الشأن انى بعد الاتفاق أجد
شخص يقول إنه لا يجد ماكينة للفيزا للدفع فأتركه وأنا أعلم أنه لا يستطيع الدفع،
شخص آخر عرض على رشوة اثناء استكمال الأوراق حتى أقلل الأسعار، متوقعا أن المشرحة
ملك.
ـــ ماذا تريد أن تقول لمن يرفض هذه المهنة فى مصر؟
أقول لهم هذه مهنة مهمة، فهى تستر موتاكم وأهلكم فانظروا إلى
المهنة فى الخارج ستجدون أن المغسل يجب أن يكون حاصلا على دبلومة فى علم النفس حتى
يستطيع التعامل مع الميت أو أهله.
نقلا عن العدد الورقي.