"طمى مياه إثيوبيا" يفيد التربة الزراعية المصرية عقب سحبها بـ"الأنابيب المصرية".. ومشروع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ينقذ البلاد من "شبح" العطش
واهم من يظن أن الدولة المصريه تترك شيئا للصدفة. ففى عالم السياسة ومصالح الدول ومصائر الشعوب تغلب لغة المصالح المتبادلة، تلك التي برعت فيها مصر عبر التاريخ، فبقاؤها قوية صامدة، حتى الآن رغم ما مرت به من حروب وأطماع لهو أكبر دليل على ريادتها وتفردها فى استخدام أدواتها المختلفة سلماً وحرباً.
فقد حبى الله مصر بموقع هو بمثابة القلب من القارة الافريقية ومَيَّزَها بموارد مائية هائلة فيحدها شرقًا البحر الأحمر وشمالاً البحر المتوسط وفى القلب منها يجرى نهر النيل، ذلك النهر الذى هو سر الحياة والعظمة للمصريين على مر التاريخ.
فكان لزاماً على الدولة المصرية أن تحافظ عليه وتحمي حقوقها التاريخية والجغرافية منه، من حقبة لأخرى ومن عصر لآخر وعبر كل أنظمتها الحاكمة.
فكان أن تعرضت مصر لاضطرابات داخلية شديدة إبان أحداث ٢٥يناير، انشغلت فيها مصر بنفسها فاستغلت اثيوبيا ذلك الظرف الراهن الذي كانت تعاني فيه الدولة وهناً نتيجة مؤامرات خارجية ومحاولات لإثارة الفوضى والفتنة بين أفراد الشعب الواحد، الذي ظل متماسكاً عبر العصور.
عادت إثيوبيا لإحياء الفكرة عام 2009، بمسح موقع السد مرة أخرى، وأنهت تصميمه فى نوفمبر 2010، وأعلنت فى نهاية مارس عام 2011 عن بناء السد بعد تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك مباشرة، وساعدها في استكماله لـ60 % من مراحل البناء فترة حكم المعزول محمد مرسي.
احتيال إثيوبي
زعمت اثيوبيا أن بناء "سد النهضة" جاء لأغراض علقت عليها أنها تنموية، ولأن مصر دولة تحترم عهودها ومواثيقها وتحترم حقوق الجار المشروعة فى التنمية سعت لأن تحافظ على حقوقها التاريخية فى نهر النيل لا تمسها طموحات دول واطماع دول اخرى تسعى دائما لإثارة الأزمات فتعاملت القاهرة مع الملف سياسيًا وعسكرياً فخاضت جولات من المفاوضات لتأمين حصتها حيث طالب الجانب المصري إثيوبيا بأن يكون ملء الخزان من 7 إلى 10 سنوات، في حين أن الأخيرة أصرت على ملئه في فترة زمنية أقصاها ثلاث سنوات.
ولأن مياه النيل مسألة "حياة أو موت" فكان لزاماً على القيادة السياسية أن تُؤمن حصتها بطريقة أو بأخرى ولا تتركها مرهونة بنجاح أو فشل المفاوضات.
فتحركت الدولة المصرية في عدة اتجاهات سياسية وعسكرية، كان من أبرزها الجولة الأخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسي للقارة الافريقية خاصة دولة تشاد الشقيقة التي تجمعها بمصر مصالح متبادلة فعقدت اتفاقيات تضمن حقوق الدولتين في مياه النيل من خلال صفقة سرية تم الاتفاق عليها ولم يعلن عنها حتى الآن، تتحكم مصر بمقتضاها بالمياه التي تستفيد منها تشاد بما لا يؤثر على حصة مصر من المياه.
كما تدخلت مصر في فرض اتفاقية المصالحة التاريخية في جنوب السودان "إقليم دارفور" و"جوبا"، تلك المصالحة التي تجعل المصالح المصرية في مأمن من عبث الحكومة السودانية غير المتعاونة مع ملف المياه المصري، حيث خرج وزير خارجيتها ليؤكد أن بلاده تقف مع مصالحها في بناء سد النهضة.
وصدق حدس الدولة المصرية حتى خرج علينا وزير الخارجية الاثيوبي "ورقنى جيبيهو" معلناً فشل المفاوضات حول سد النهضة.
الأمن القومى خط أحمر
ولأن قضية المياه هى قضية أمن قومى فقد استشعر السيسى قلق المصريين، على ما آلت له المفاوضات فخرج مطمئنا شعبه بأنه لن يستطيع أحد أن يمس مياه المصريين، ذلك التصريح الذي لا يحتمل قولاً ولا تأويلاً، فطمأنهم أن قضية المياه في أيد أمينة لطالما حمت الشعب.
فكشف موقع "ميدل إيست أوبزرفر" البريطاني أن مصر تعمل في سرية تامة عبر شركات الجيش على إنشاء ستة أنفاق سرية أسفل قناة السويس وأنابيب خاصة لسحب المياه من السد في حال بدأت اثيوبيا ملء سدها في "فترة زمنية غير المحددة من قبل الحكومة المصرية"، لاستخدامها في الأغراض الزراعية خاصة أن تلك المياه ستكون مزودة بطمي النيل القادم من اثيوبيا والذي سيساعد في تغذية التربة الزراعية.
وقال «ميدل إيست أوبزرفر» إن الحكومة المصرية قد أعلنت فقط أنها ستبني 3 أنفاق للسيارات ونفقا واحدا للقطارات، إلا أنها لم تعلن أي شىء عن 6 أنفاق أخرى جارِ العمل عليها ولم تعلن للآن الغرض من بنائها.
وعلم الموقع أن العمل أسند إلى بعض الشركات المملوكة للجيش بالإضافة إلى شركات ألمانية تم الاتفاق عليها خلال زيارة الرئيس المصري لألمانيا.
كما أن تلك الأنفاق أيضاً لها أهداف عسكرية سرية، إذ تخطط مصر لاستخدامها لتحريك القوات العسكرية لسيناء خلال 6 ساعات في حال اندلعت حرب مع إسرائيل.
الصفقة الممنوعة
أشار الموقع البريطاني إلى صفقة بمقتضاها يتدخل الاحتلال الإسرائيلي لدى إثيوبيا لتقليل ضغوط الأخيرة على مصر، مقابل استفادتها من مشروع ترعة السلام إلا أن الرئيس السيسي رفض وأنشأ تلك الانفاق وأرجع الموقع ذلك، بأنه ضرب عصفورين "بحجر واحد"، حسب وصفه، وهما سحب المياه من السد في حالة الفيضان حتى لا يشكل خطرا على مصر وتأمين الحدود مع إسرائيل إذا ما وقفت في حرب مع أديس أبابا ضد مصر.
وسلط الموقع الضوء على اطماع تل أبيب في مياه النيل، مشيرا الى أن مطامع الكيان الصهيوني في مياه النيل قديمة، إذ بدأت قبل قيام دولة الاحتلال، حين زار الصحفي "تيودور هيرتزل"، مؤسس الحركة الصهيونية، مصر عام 1903م، وقدم دراسة فنية إلى اللورد كرومر، المندوب السامى البريطاني فى مصر، لنقل مياه النيل عبر قناة السويس إلى سيناء ومنها إلى فلسطين، بحجة تنمية شمال سيناء، لكن كرومر أهمل عرضه.
وفى عام 1974م صمم مهندس صهيوني هو "اليشع كالى"، وهو رئيس أسبق لهيئة تخطيط موارد المياه فى إسرائيل، مشروعًا لجلب المياه للكيان من النيل، عن طريق قنوات تحت السودان، وهو ما تلاه اقتراح في محادثات كامب بأن يكون هناك تعاون مشترك بين مصر والاحتلال فى مشاريع مشتركة لتطوير موارد مياه النيل.
وتبلغ تكلفة المشروع 4.2 مليار دولار، وتتيح تلك الأنفاق للجيش المصري تحريك القوات غرب القناة في غضون 6 ساعات وفقاً للموقع.
كما يشير الموقع إلى أن هناك حلا مكملا ستلجأ له مصر عقب سحب المياه المندفعة من سد النهضة التي ستتم بمضخات في سد مساعد جار بناؤه خلف السد العالي لحمايته من الانهيار بفعل تدفق المياه الرهيب من سد النهضة المنهار، إذ سيتم تخزين تلك المياه فيه لمدة قصيرة لا تتجاوز الأسبوعين لاستغلالها في ضخ المياه للأراضي الزراعية.
ويشير الى أنه قد بدأت بالفعل عملية حفر الأنفاق في 2014، عقب تولي السيسي مباشرة مقاليد الحكم في مصر كجزء من مشروع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، الذي يتضمن بناء مسار جزئي جديد للقناة حتى لا تترك مصالح مصر القومية رهن الظروف والاتفاقيات.
ومن كل ما سبق يتضح أن جميع الخيارات مطروحة وأن مصر تملك الوقت والظرف والآلة التي تمكنها من حسم القضية لصالحها إذا ما أصرت اثيوبيا على سنوات ملء السد التي رفضتها مصر، وهذا يظهر جلياً من حجم التسليح العسكري الذي تعاقدت عليه مصر خاصة من فرنسا للحصول على طائرات الرافال وحاملات ميسترال والأقمار الصناعية وفرقاطة الفاتح "جوويند 2500" لمنع العبث في منطقة نفوذها وحدودها الإقليمية.
كما أن مصر دولة لا تعتدي على جيرانها فهي لا تسمح مطلقاً بالاعتداء على سيادتها وحقوقها في مياه النيل.