"أسرار الحرب" كانت السبب الرئيسي لنجاح هذا التنظيم الإرهابي في امتلاك السلاح وفرض سيطرته، وبالتالي سلطة دولته، على المنطقة التي عُرّف عنها بأنها "أرض الخلافة".
وفي الحقيقة كان "بنك الاهداف" قليلاً في تحديد أهداف حقيقية، ما سمح لـ"داعش" بتصدير النفط عبر تركيا ومن خلال قوافل الصهاريج التي كانت مكشوفة.
ولكن كل هذا أصبح من الماضي لتصبح دولة "داعش" من التاريخ، لكن زوال دولة الخلافة شيء، وزوال إرهاب التنظيم مسألة أخرى، لا بل على العكس، فإن "داعش" الذي خسر دولته عاد ليفعل تركيبته السرية وعمله تحت الأرض، وهو باشر الثأر لخسارة دولته من خلال إرهاب أكثر وحشية، وجاءت عملية مسجد الروضة في العريش شمال سيناء لتؤكد ذلك.
وأهمية العملية لا تكمن فقط في أنها الأكثر دموية، ولكن لأنها استهدفت مصلين مسلمين سنة على رغم أنهم من أتباع الطريقة الصوفية، ما يعطي دليلاً واضحاً على وجود قرار داخل التنظيم الإرهابي بتنفيذ عمليات أكثر دموية تهدف لقتل أكبر عدد ممكن من الاشخاص أياً تكن انتماءاتهم الدينية، بعدما كان "داعش" يهدف سابقاً الى كسب ود المجتمعات السنية وانتزاع تعاطفها وتأييدها.
وقد يكون تنظيم "داعش" أراد أيضاً استهداف القبائل التي تسكن سيناء وكانت على تواصل معه خلال المرحلة الماضية، حيث إن المصلّين ينتمون إليها، بعدما فتحت هذه القبائل قنوات تواصل وربما بداية تعاون مع السلطات المصرية، ما يجعل العملية الإرهابية رسالة تهديد للقبائل لردعها عن أي تعاون محتمل.
المهم أن الأجهزة الأمنية الأمريكية تعتقد أن العمليات المنفردة لـ"داعش" ستسود المرحلة المقبلة، لا بل ستزيد، مشيرةً إلى انه سيكون من الصعب وضع حدٍ لها، وفقاص لصحيفة التليجراف البريطانية.
وفي السياق نفسه، هدّد التنظيم الارهابي باستهداف الأسواق الأوروبية في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة، وكذلك إحباط عملية إرهابية في ملبورن في استراليا كان من المقرر أن تحصل في رأس السنة من خلال إطلاق النار.
المصادر الأمنية الأميركية والأوروبية على حدٍّ سواء تقول إنّها رصدت استعداداتٍ لتحريك الخلايا النائمة والذئاب المنفردة في كل مكان في العالم، ولبنان إحدى هذه النقاط المستهدفة.
وعملية مسجد الروضة التي فاجأت العالم بوحشيتها، لم تفاجِئ المسؤولين الأمنيين اللبنانيين، فمن خبايا المرحلة الماضية عملية "كازينو لبنان" التي كانت مشابهة لناحية أسلوب التنفيذ لو قدر لها أن تحصل.
فمنذ نحو سنتين، كانت العناصر الإرهابية تتسلل إلى الداخل اللبناني من خلال منفذَين: الأول جرود عرسال، والثاني بعض الثغرات الحدودية الشمالية.
كانت هذه العناصر تحمل أوامر مهمة لتنفيذ عمليات إرهابية مصدرها الرقة، وكانت تنجح في التسلّل الى الداخل اللبناني من خلال استغلال التنقل بين مخيمات النازحين السوريين المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية.
يومها اعترف أحد الذين كانوا يحضّرون لعملية "كازينو لبنان" بالخطة المرعبة دخول فتاتين الى داخل صالات اللعب في الكازينو، وهما تلبسان ثياباً متحررة تجنباً لإثارة الشكوك على أن تفجّرا نفسَيهما من خلال سترتين مفخختين ترتديانهما.
وإثر التفجيرات الانتحارية سيسقط ضحايا بطبيعة الحال، لكن الأخطر ما كان سيحصل إثر هروب كل مَن في الداخل الى الخارج عبر المدخل الرئيسي، ذلك أن أربعة عناصر من "داعش" كان من المفترض أن يتمركزوا في الحرش المواجه لمدخل الكازينو، ويفرغون رصاص أسلحتهم في الجموع الهاربة خارجاً.
ففي عملية شمال سيناء، فإن عناصر من حركة "حماس" إنتقلوا منها إلى "داعش" بعد خيبة أملهم من بنود المصالحة مع حركة "فتح" والتسليم بعودة غزة إلى حضن السلطة الفلسطينية.