حصدت الحرب الدائرة في ليبيا الأخضر واليابس وحولت بلد المختار إلى مرتع للمليشيات والعصابات المسلحة، في ظل أفق غائم لا يبشر بانتهاء الوضع في القريب المتاح.
لم يكتف المتواجدون في ليبيا بالصراع العسكري والسياسي، بل دفعهم هذا لاتخاذ قرار بالحصول على قوت يومهم بتجارة العبيد، عبر تحويل البلاد إلى ممر لعبور الآف الراغبين في الهجرة من بلدانهم نحو أوروبا لتصبح مسرحًا لتجارة الرقيق.
عمليات التهريب لا تتوقف على طول الحدود الليبية جنوبًا، وصولًا إلى الساحل شمالًا، وتتركز في 3 طرق تعرف بخطوط الهجرة غير الشرعية؛ الأول هو المسلك الشرقي الممتد من الصومال والسودان إلى ليبيا، حيث يبدأ من الكفرة المتاخمة للحدود السودانية.أما خط الهجرة الثاني فهو خط الوسط الممتد من النيجر وتشاد، ويحتوى على طرق متعرجة ووعرة تتخللها سلسلة الجبال الفاصلة بين تشاد وليبيا، ويشكل الخط الثالث الممتد من دول وسط إفريقيا عبر الجزائر، وصولاً إلى غات، ثم إلى تراغن والقطرون، تحركات أقل نشاطًا؛ بسبب التشديد الأمني الجزائري على الحدود الليبية.ويوجد في ليبيا 700 ألف مهاجر، بينهم 12 ألفا كانوا ينوون العبور إلى أوروبا، لكنهم ظلوا عالقين، بحسب إحصاء كشف عنه المدير العام لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة وليام لاسي سوينج، في 4 أغسطس الماضي، فيما وصل إلى أوروبا 171 ألف مهاجر ولاجئ من يناير وحتى 19 نوفمبر الجاري.
مزاد علنيفي بداية عام 2014، بدأت ظاهرة استرقاق العمال مع كثرة تهريب البشر إلى أوروبا، غير أن مهربي البشر وعصابات التهريب استهدفوا العمالة البنغالية وقتها، إذ وثقت صحيفة النيوزيوك الأمريكية حالات بيع وشراء جرت بشكل علني في سوق جنيهين بمدينة بنغازي شرقي ليبيا نتيجة للانفلات الأمني الذي تشهده ليبيا.
جولة في سوق العبيدوصفت الصحيفة الأمريكية من خلال لقطات مصورة سوق العبيد في ليبيا، فعند دخولك ترى رجلًا يضع يده على كتف شاب إفريقي، قوي البنية، يقول الرجل بلهجة ليبية هذا حفار، رجل قوي كبير، سيقوم بالحفر، وما إن يعلن كلمته: لنبدأ المزاد؟ حتى تسمع أسعارًا فقط.بعد دقائق قليلة وقع البيع وتم شراء شابين، ثمنهما 1200 دينار ليبي، فقد تسابق الحضور على رفع السعر من أدنى لأعلى حتى انتهت الصفقة بالذهاب مع "المالك الجديد".. ما سبق ليس مشهدا من فيلم درامي مأساوي بل هو واقع على أرض ليبيا التي خرج شعبها من سنوات معدودة ليرسخ الحرية، ليتحول نفس أهلها لشعب يرسخ مبدأ العبودية في نفس البلد سوق لبيع المهاجرين عبر مزاد علني، حيث يُباع المهاجرون الذين هربوا من "جحيم" بلادهم نحو أوروبا ببضعة دولارات، ليصبح مصيرهم العمل بالسخرة، بحسب الصحيفة.وفي سياق متصل، كشفت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن مهاجرين من غرب إفريقيا كانوا يباعون في أسواق الرقيق الحديثة في ليبيا، فالخاطفون يبحثون عن تجار ماهرين بينهم، فكانوا يبيعون أصحاب الحرف "كهربائيين، وسباكين" إلى مشترين بعينهم، والبقية كان يجري عرضهم في مزاد باعتبارهم عمالًا.وقالت الصحيفة إن بعض المهاجرين يُحتجزون مقابل فدية أو يتم استغلالهم جنسيًا، وتتراوح أسعارهم ما بين 200 و500 دولار.
ماذا يحدث بعد الوصول لليبيا؟وفقا للجارديان يتم احتجاز الأفارقة في مراكز ضيقة ومزدحمة وتفتقر للمرافق الصحية، مدة هذا الاحتجاز تتراوح في المتوسط لمدة شهرين الى 3 أشهر.بعد ذلك تختار المليشيات المسلحة وشبكات التهريب مصير هؤلاء، ما بين السخرة، أو الاستغلال الجنسي، أو طلب الفدية.وتنقل الصحيفة كلمات فتى من السنغال، في السادسة عشرة من عمره، أنه تم احتجازه عندما كان يبحث عن عمل في سبها جنوب ليبيا من قبل رجال مسلحين، بعضهم في زي رسمي، وبعضهم في ملابس مدنية، أخذوه بالقوة لمستودع في سبها لمدة شهر، وكان معه 80 مهاجرًا آخرين، من بينهم 42 امرأة وطفلًا من مالي ونيجيريا والسنغال، وكانت كميات الغذاء ومياه الشرب قليلة جدا، والحراس يضربون المهاجرين، خاصة أولئك الذين رفضوا العمل، أو كانوا ضعفاء جدًا، وغير قادرين على العمل.وتابع الفتي قائلاً: "كان بعض الرجال المسلحين يأتون ويأخذون النساء والفتيات البالغة أعمارهن 13 عامًا، وكانوا يعيدونهن، إما بعد بضع ساعات أو في اليوم التالي، وكان يتم اغتصاب النساء والفتيات الصغيرات جدًا، وفي حال قاومن يضربن ويهددن بالأسلحة".
ظهر المليشياتمنذ اندلاع الثورة الليبية عام 2011، لم تتمكن الجهات الليبية من إيجاد سلطة مشروعة قادرة على توحيد الليبيين تحت حكومة واحدة، ولطبيعة البلاد السياسية والقبلية والجغرافية، وضعف الإجراءات الأمنية؛ طغى نفوذ مليشيات مسلحة تقاتل من أجل السيطرة على الأراضي والموارد النفطية.هذه المليشيات غير النظامية انتهزت عمليات تدفق اللاجئين والمهاجرين وعدم وجود قوة رادعة، فتمرست في عمليات تهريب البشر، ومع مرور الوقت أصبحت هي من تسيطر على مراكز احتجاز وإيواء المهاجرين واللاجئين، ثم الاتجار بهم، لكن المفاجأة التي كشفت في الشهور الأخيرة هي حصولها على دعم من قبل وزارتي الدفاع والداخلية بحكومة الوفاق الوطني، وفقاً للصحيفة البريطانية.
أخطر المليشياتمليشيا الشهيد أنس الدباشي، التي يقودها الليبي "أحمد الدباشي"، إحدى أشهر الجماعات التي تدير شئون العبيد، إلا أنه مؤخرًا قبلت باتفاق حول قبول وقف عمليات تهريب البشر، مقابل حصولها على مناصب في الحكومة الليبية، وتسيطر تلك العائلة على 3 معسكرات اعتقال رئيسة للمهاجرين في المنطقة.نقلا عن العدد الورقي.ليبيا.. أرض العبيد.. الأفارقة والعالقون يباعون بأسواق الرقيق فى مزادات علنية