خلال العاميين الماضيين ومنذ اتفاق باريس الشهير بشأن المناخ والذي أرسى الأساس للجهد الدولي في مكافحة آثار الاحتباس الحراري، أخذ الحوار يتجه بصورة متزايدة نحو تحديد الخطوات العملية التي يجب أن تتخذها من قبل الدول المختلفة إذا كانت ترغب فعلياً في تحقيق الأهداف البيئية المتمثلة في التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون. لا شك في أننا في حاجة ماسة إلى الابتعاد عن الهيدروكربونات؛ ولكن يبقى السؤال الأهم عن المصدر أو مصادر الطاقة التي يجب أن تحل محل الهيدروكربونات في مزيج الطاقة في المستقبل والنسبة التي تشكل أساس التغير المناخي اليوم وفقاً لما تمت مناقشته في مؤتمر المناخCOP 23 الذي عقد مؤخرا في بون والمؤتمر الوزاري الدولي للطاقة النووية في أبو ظبي.
فقد أوضح كلا الحدثين أن أي حل قابل للتطبيق متعلق بمزيج الطاقة الخالي من الكربون لابد وأن يكون مستدام لكي يلبي احتياجات البشرية المتنامية للكهرباء بطريقة نظيفة وفعالة وتكلفتها معقولة. فمن خلال مزيج الطاقة ستعمل كافة مصادر الطاقة غير الهيدروكربونية مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية والطاقة النووية معا من أجل تأمين مستقبل الطاقة في العالم. ومع ذلك، ففي الخطاب العام على نطاق أوسع، هناك ميل للتغاضي عن الطاقة النووية كجزء من مزيج الطاقة المتجددة - وهو موقف يحذر منه الخبراء حيث أن لا أساس له من الصحة على أرض الواقع ويضر بالقضية البيئية.
ويشير الدكتور ياسين إبراهيم، الرئيس السابق لهيئة محطات الطاقة النووية، إلى أنه خلال رحلة بحث البشرية عن مصادر للطاقة منخفضة الكربون، جاء التوسع في استخدام الطاقة النووية في مقدمة هذا البحث، حيث أن الطاقة النووية لا تعتمد على حرق المصادر الأحفورية، وحتى إذا نظرنا إلى كمية الانبعاثات طوال دورة حياة المحطة النووية (بما في ذلك الانبعاثات الناتجة عن تصنيع المعدات وقطع الغيار وما إلى ذلك)، فقد تبين خلال العديد من دراسات المقارنة العالمية أن كمية الانبعاثات من وحدة واحدة لإنتاج الطاقة طوال دورة حياة المحطة النووية أقل من الكمية التي تنبعث من كافة مصادر إنتاج الطاقة، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وإذا نظرنا إلى طول الفترة الزمنية التي تحتاج فيها محطة توليد الكهرباء إلى العمل من أجل إنتاج الطاقة اللازمة لتعويض الطاقة التي أنفقت على بنائها – سنجد أنها تبلغ 181 يوما بالنسبة لطاقة الرياح، و360 يوما للطاقة الشمسية - مقابل تسعة أيام فقط للطاقة النووية.
من ناحية أخرى، هناك أيضاُ عامل مهم للغاية تتمتع به الطاقة النووية، فمن بين جميع مصادر الطاقة غير المعتمدة على الكربون، فإن الطاقة النووية وحدها قادرة على إنتاج الكهرباء بشكل مستقر على مدار اليوم، بغض النظر عن الطقس والوقت من اليوم سواء نهاراً أو ليلاً أو أي عوامل خارجية أخرى. وهذا ما يجعل محطات الطاقة النووية مناسبة بشكل فريد لتوفير ما يسمى بالحمل الأساسي من الكهرباء، والذي هو العمود الفقري لاقتصاد أي دولة، والمطلوب لتشغيل شركاتها وتوفير الكهرباء لمستشفياتها والمدارس وغيرها، وكذلك المستخدم النهائي.
كما يسلط الدكتور إبراهيم الضوء على الكفاءة التشغيلية لمحطات الطاقة النووية، ونعني بها كمية الطاقة الفعلية المنتجة منسوبة إلى كمية الطاقة التي يمكن انتاجها من الوحدة عند تشغيلها بالقدرة القصوى لكامل الوقت دون توقف سواءً للصيانة أو لأسباب أخرى. ويبلغ متوسط معظم المحطات النووية في جميع أنحاء العالم حوالي 85%، وهو ما لا يحدث في أي تقنيات أخرى." ومن جانبه قال الدكتور محمد منير مجاهد، المستشار الفني المستقل لتطبيقات الطاقة النووية: "على الرغم من الإمكانات الكبيرة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإن موارد الطاقة المتجددة هذه ليست فعالة من حيث التكلفة لتوليد الكهرباء بالقدرات الهائلة التي توفرها محطات الطاقة التقليدية الأخرى أو محطات الطاقة النووية بسبب انخفاض الكفاءة والاعتمادية. وبالإضافة إلى ذلك، يتطلب استخدام الطاقة الشمسية أنظمة مكلفة ومعقدة للغاية لتعقب أشعة الشمس اللازمة للألواح الشمسية، وأنظمة تخزين للطاقة الشمسية." ويضيف الدكتور مجاهد: "تتزايد الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والفنية، والعلمية لمشروع محطة الضبعة النووية، حيث أنها ستسهم في الحفاظ على موارد النفط والغاز الطبيعي. فهذه الموارد ناضبة وغير متجددة ويجب التعامل معها بعناية حتى لا تُحرم الأجيال القادمة من الموارد الهامة اللازمة للتنمية المستدامة، ولا سيما مع محدودية الموارد النفطية في مصر، وعدم وجود مصادر للفحم يمكن الاعتماد عليها، واستخدام موارد الطاقة الكهرومائية المتاحة."
ومن ناحية أخرى يشير الدكتور إبراهيم: "ومن المهم أيضا، من الناحية المالية، أنه على عكس الوقود الأحفوري فإن الوقود النووي لا يخضع لتقلبات الأسعار، مما يساهم في استقراره. ليس ذلك فحسب، بل إن تقنيات دورة الوقود النووي المغلقة مثل المفاعلات النيوترونية السريعة (أو مفاعلات الاستنسال) التي تعيد استخدام الوقود النووي تخلق مصدرا لا ينضب بطبيعته. ومن المتوقع خلال العقدين القادمين أن تكون هذه التطبيقات متاحة على المستوى التجاري وبأسعار تنافسية وأمان تام. ويمكن لهذه التطبيقات توفير الطاقة بشكل متواصل لأكثر من ألف عام."
وعلاوة على ذلك، فإن الحجم الصغير لمحطات الطاقة النووية يجعل بناءها ممكنا في أي مكان تقريبا. على سبيل المثال، فإن محطة توليد الطاقة النووية التي يبلغ إنتاجها 1 ميجاواط من الطاقة تستهلك في المتوسط أقل من كيلومتر مربع (0.68 كيلومتر مربع)، في حين أن محطة الطاقة الشمسية ذات السعة المتساوية يتم بنائها على 150 كيلومترا مربعا تقريباً، أما مزرعة الرياح فتحتاج إلى 571 كيلومترا مربعا، فإن محطة الطاقة الكهرومائية ستشغل مساحة ضخمة تبلغ 1549 كيلومتر مربع (بينما تغمر مساحة كبيرة بالمياه).