«إن حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الأفاعي».. أبلغ وأصدق عبارة قالها علي عبد الله صالح في حياته، وإحقاقاً للحق فإن الرجل كان الأصلح فعلاً للعب هذا الدور، والدليل أنها نفثت سمومها في كل اتجاه حينما غاب من كان قادراً على لجمها وترويضها واستنزافها واجتذابها. وبعيداً أن أي تقييم أخلاقي، فمن الواضح أن صالح، أحد أكثر الحكام في التاريخ العربي الحديث خبثاً وذكاءً وقدرة على المراوغة والمناورة والتسويف والمماطلة، كان بالفعل الأقدر على حكم اليمن بتضاريسه الصعبه وعقلياته الأصعب.. بلد تحركه حساسيات وأحقاد، وحساباته تُجرى ببنادق وخناجر على وقع مؤامرات وصفقات، لا وجود للقانون، ولا قبول لمن يطلقون على أنفسهم منظمات المجتمع المدني.
التصق القصر بضلوعه وكان حب السلطة يجري في شرايينه، ولم تشبع أذناه من سماع كلمة «سيادة الرئيس»، ولطالما تلذذ بممارسة الكذب وتخدير الحلفاء قبل الخصوم، فهو القائل يوماً إنه يعشق لقب الرئيس السابق، ويشتاق ليوم التقاعد حتى يلاعب أحفاده. كان يعرف جيداً ماذا يقول وعلى أي الأوتار يعزف، وأي الألحان تُطرب الصحفيين.
حينما أتته رياح الربيع العربي عاتية، رفض الانحناء أوالاستسلام، وأبى أن تكسره تغريدات المراهقين على تويتر، أولئك الذي لا يعرفون الفارق بين اليمن والنرويج، ولا يدركون أن توكل كرمان لن تكون أنجيلا ميركل يوماً ما.
وحينما تكاثر عليه الجميع، وضغطت عليه السعودية بما لها من تأثير، ظل يحاور ويناور ثم تظاهر بالخنوع والخضوع وتجرع بعض من السم، وتنازل لعبد ربه منصور هادي عن الحكم.. غادر فأصبح صاحب القصر خارجه، واحتله من كان نائبه.. فعلها ولسان حاله يقول: سأذهب ولكن إلى حين.
ثم حانت لحظة العقاب وتصفية الحساب، وبحرفية عالية انتقم صالح من كل من تحالف ضده لإخراجه من القصر.. انتقم من الإخوان وتوكل كرمان وآل الأحمر وعبد ربه منصور هادي، ومن السعودية، التي ضغطت عليه كي يقبل التنحي، بل ومن اليمن نفسه، حينما ترك، عمداً ومع سبق الإصرار، العاصمة صنعاء تسقط في يد الحوثيين المدعومين من إيران في سبتمبر 2014، وإمعاناً في الانتقام أعلن التحالف معهم، وهو الذي خاض ضدهم ستة حروب.
بعد ثلاث سنوات قرر صالح القفز من سفينة الحوثيين، ولكن يبدو أن المقاتل البارع والسياسي المخادع فقد قدرته على تقييم الأمور، ووضعها في سياقها الصحيح، فسفينة الحوثي تحركها إيران، ولا تسير إلا بشراع صُنع في طهران، وربما نسي صالح أن صدام حسين أيضاً قضى على مشنقة تحمل ختم الملالي في قُم.
في كتب التاريخ، وعلى هامش الفصول المخصصة لما يُعرف بالربيع العربي، سيُذكر أنه بإشارة من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، أصيب الراقص مع الأفاعي بلدغة جعلته يسبح في دمائه على طريقة معمر القذافي، وخلف وراءه سؤالاً: من التالي؟