انتهت مدة الإعفاء في قانون "سفارة القدس" ذي الستة أشهر الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب وفقًا للبند 7 من قانون السفارة،وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن في وقت سابق عن توسيع المدة من أجل "تقديم فرصة للسلام"، كان هذا خلال فترة ترشحه للرئاسة.
ولكن خلال الـ24 ساعة الماضية أعلن "ترامب"نقل السفارة الأمريكية إلي القدس، حيث تلقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأمريكي أطلعه فيه علي نيته بنقل السفارة من تل أبيب إلي القدس، وفي هذا إعلان واضح بالقدس عاصمة لإسرائيل رغم أن "وثيقة حماس" الأخيرة أكدت علي أن القدس عاصمة فلسطين.
-السفارة الأميركية ووضعية القدس
عندما تضع دولة ما موقع سفارتها في دولة أخرى بمنطقة محددة، فإن هذا يجعل الدولة الاولي تعترف بهذه المنطقة بأعتبارها جزءًا من سيادة الدولة الثانية.
ولهذا السبب، راود الإدارات الرئاسية السابقة في الولايات المتحدة القلق من الإقدام على هذه الخطوة ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، لما قد يسببه ذلك من تشتيت فيما يتعلق بسياسات الولايات المتحدة، والتي لا تعترف بسيادة إسرائيل أو أي دولة أخرى على القدس.
يعود هذا الموقف الأميركي لبدايات القرن العشرين، فبعد الحرب العالمية الأولى، وضعت مدينة القدس تحت سيطرة الاستعمار البريطاني كجزء من انتدابها لفلسطين.
وبعد تلميحات بريطانيا بنواياها الانسحاب في عام 1947، تبنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة خطة لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى دولتين عربية ويهودية مع إعلان القدس "جهة مستقلة تحت إدارة الأمم المتحدة".
لم يتم تنفيذ هذه الخطة، وبدلًا من ذلك، وفي نهاية الانتداب البريطاني في مايو 1948، أشار الزعماء الصهاينة إلى خطة الأمم المتحدة التقسيمية في إعلانهم قيام دولة إسرائيل.
وأدت حرب عام 1948 إلى هدنة قسمت القدس إلى نصفين، مع احتلال القوات الإسرائيلية القسم الغربي وسيطرة القوات الأردنية على القسم الشرقي، تضمنت الأخيرة المدينة القديمة الأثرية في القدس، والتي تحتوي على مواقع ذات أهمية دينية كبيرة بالنسبة للديانات التوحيدية الثلاث "المسيحية، الإسلام واليهودية".
وفي عام 1967، احتلت إسرائيل كامل مدينة القدس، وضمن إجراءات الأمم المتحدة التي ثلث ذلك، أشارت الأمم المتحدة إلى أن ‘السياسة القائمة لحكومة الولايات المتحدة: هي أن وضعية القدس،لا ينبغي تحديدها من جانب واحد بل بالتشاور مع كافة الجهات المعنية.
وفي عام 1993، وافق ممثلون عن إسرائيل والشعب الفلسطيني على وضعية القدس كقضية محورية ينبغي تحديدها بشكل ثنائي ضمن مفاوضات ثابتة،وسعى كل من الرئيس جورج بوش والرئيس باراك أوباما لمساعدة الأطراف في صياغة مفاوضات في كافة القضايا البارزة، بما فيها وضعية القدس.
وفي حين تتنوع المواقف ضمن المجتمع الدولي، إلا أنه رفضت العديد من الدول الأجنبية أخذ موقف لتحديد الجهة صاحبة السيادة على القدس، وفضلت في المقابل إما المفاوضات لحل هذه القضية أو فكرة الإدارة الدولية.
وبالتأكيد، عندما أعلنت إسرائيل عن "عاصمتها الموحدة والكاملة" في عام 1980، تعرضت لرد فعل قوي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو ما شجع تلك البلاد أن تنقل سفاراتها من القدس الغربية إلى المدن الأخرى.
-قانون "سفارة القدس" في عام 1995
يعد قانون "سفارة القدس" لعام 1995 أقوى تعبيرٍ عن رغبة الكونجرس بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة.
فقد أعلن القانون أنه "ينبغي الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل" وأنه ينبغي تأسيس سفارة الولايات المتحدة في القدس في موعد أقصاه مايو 1999.
ولضمان تنفيذ القانون، فرض الكونجرس عقوبات على الجهات التنفيذية في حال فشلت في اتخاذ مثل هذه القرارات ضمن الموعد المذكور، وبشكل محدد، يشير البند 3 من القانون:
سيتم تعليق 50%، على الأكثر، من التمويل المخصص لوزارة الخارجية للسنة المالية 1999 من أجل "صيانة المباني في الخارج" إلى حين قيام وزارة الخارجية بإعلام الكونغرس أنه تم افتتاح السفارة الأميركية في القدس بشكل رسمي.
وإذا تم خرق ذلك، سوف يتم قطع تمويلات السنة المالية 1999 المخصصة لصيانة وبناء السفارات والقنصليات والمكاتب الخارجية الأخرى الأميركية إلى النصف، "إلا إذا تم" أو "حتى" افتتاح السفارة الأميركية في القدس.
ولكن إدارة كلينتون رفعت اعتراضات قوية خلال المناقشات التي حدثت على هذا القانون،ومن منظور إجرائي، كان يحدث الجدل بعد فترة وجيزة من الاحتفال بـ"اتفاقية طابا"، حيث كان الإسرائيليون والفلسطينيون قد اتفقوا للتو على ترتيبات حكومة مؤقتة للضفة الغربية وغزة.
كانت آمال الإدارة الأميركية مرتفعة لأن تؤدي هذه الخطوة إلى سلام دائم، وحاولت إدارة كلينتون أن التركيز على القدس السابق لأوانهو قد يقوض المفاوضات ويعقد فرص السلام.
كما أشارت إدارة كلينتون إلى أن البند 3 (ب) من القانون يناقض الدستور، مستشهدةً بمذكرة من مكتب الاستشارة التشريعي التابع لوزارة العدل أن "الدستور يضمن للرئيس وأجهزته التنفيذية أن يطبقوا العلاقات الدبلوماسية للدولة مع الدول الأخرى"، بما فيها قضايا الاعتراف، وأن "الكونجرس لا يمكن أن يعيق السلطة الدستورية الخاصة بالرئيس لصياغة العلاقات الأجنبية للدولة والاعتراف بالحكومات الأجنبية عبر الأمر بنقل موقع سفارة ما" من خلال اقتطاع التمويل. وفي كل الأحوال، هددت إدارة كلينتون باستخدام حق الفيتو.
وكاستجابة لهذه المخاوف – ولتجنب الفيتو الرئاسي – عدل الكونجرس هذا القانون ليتضمن تقديم تنازل، حيث نصَّ البند 7، القسم 7 (ب):
شرعية الإعفاء:
(1) ابتداءً من نوفمبر 1998، يحق للرئيس تعليق المدة المحددة في البند 3 (ب) لمدة ستة أشهر، إذا قرر وأخبر الكونجرس مسبقًا بضرورة هذا التعليق لحماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.
(2) يحق للرئيس مثل هذا التعليق لفترة لستة أشهر إضافية في نهاية أي فترة عندما يكون التعليق جاريًا في هذا البند، في حال حدد الرئيس وأعلم الكونغرس مسبقًا بالتعليق الإضافي وضرورته لحماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.
(3) ينبغي أن يتضمن التقرير تحت بندي (1) أو (2)
يشير البند 7 (ب) في المقابل، إلى أنه في حين تم الإعفاء عن القيود المفروضة في البند 3 (ب)، ينبغي تطبيقها في السنة المالية التالية، إلا إذا كان هناك عام تنازلي آخر.
-ما الذي تعنيه نهاية مدة الإعفاء؟
إن قرار تجديد الإعفاء سيحافظ على الوضع الراهن لستة أشهر إضافية على الأقل، ما من شيء سيوقف إدارة ترامب من التطوع للسعي بنقل السفارة الأميركية للقدس، ولكنها لن تُواجه بأي عقوبات قانونية إذا اختار فعل ذلك.
وفي المقابل، في حال سمح ترامب بإنهاء الإعفاء، فإن هذا سيعيد قرار الحد من التمويلات المقترحة في البند 3 (ب)، مما سيقلل من التمويل الذي يمكن أن تستخدمه وزارة الخارجية من أجل "الاستحواذ وصيانة المنشآت في الخارج" إلى النصف، إلا وحتى إصدار وزير الخارجية قرارًا وإعلامه للكونجرس بأنه تم افتتاح السفارة الأميركية في القدس.
وبما أننا في السنة المالية 2018 حاليًا، فإن هذا التحديد سينطبق على التمويل المخصص للسنة المالية 2019 بناء على القسم 7 (ب) من القانون، والذي يبدأ في 1 أكتوبر 2019.
-غالبية الأميركيين تعارض نقل السفارة إلى القدس
أظهر استطلاع للرأي أن غالبية الأميركيين (63%) تعارض نقل سفارة بلادهم من تل أبيب إلى القدس، فيما أعرب 81% من المستطلعة آراؤهم عن عدم ثقتهم بدور جاريد كوشنر، صهر وكبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب، كمبعوث خاص للسلام في الشرق الأوسط
-توقعات قادمة
من الصعب توقع الخطوة القادمة لإدارة ترامب، فقد أشارت تصريحات ترامب إلى وجود توتر بين التزامه بنقل السفارة وعزمه على المضي في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.
وفوق ذلك، لقد أثبتت طبيعة توجهاته في السياسية الخارجية قدرًا من المفاجئة والصعوبة في التنبؤ والاضطراب والحساسية اتجاه الدوائر الانتخابية المحلية، وكل هذه عبارة عن عوامل قد تؤثر في قراره.
في هذا السيناريو، تتخوف الجهة الأميركية من ردود حادة عبر العالم العربي، قد تولد الردود الشعبية إلى مظاهرات واسعة وقد تصل إلى مواجهات، ومن المرجح أن تفرض الشعوب "ضغوطات على حلفاء أميركا العرب".
-الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل
المتحدثة باسم البيت الأبيض وصفت، أمس الأربعاء، المعلومات المتداولة عن استعداد الولايات المتحدة لنقل سفارتها لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس في القريب العاجل بانها معلومات "سابقة لأوانها"، وقالت "لا شيء لدينا كي نُعلنه" في هذا
بالطبع، يمكن لإدارة ترامب أيضًا أن تسعى إلى نقل السفارة ضمن إستراتيجية أوسع، وقد تكون على الأرجح مرتبطة بخطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي يعمل عليها المستشارون المقربون من ترامب صفقة القرن.