سلّطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في أحدث تقرير لها، الضوء على كيفية حصول تنظيم "داعش" على أسلحته، كاشفةً عن تفاصيل تظهر اعتماده على أساليب بارعة تؤكد مدى وحشية التنظيم.
وأشار التقرير إلى أن القوات العراقية، عثرت على 3 قذائف صاروخية "آر بي جيه"، تحتوي رؤوسها على مادة كيماوية تشبه خردل الكبريت، وهو سلاح كيماوي محظور، يتسبب في حرق جلود الضحايا ومهاجمة أجهزتهم التنفسية.
وقال سليمان بلاك، وهو مسؤول عن تحليل الأسلحة في وزارة الخارجية الأمريكية، إن مستوى إنتاج أسلحة تنظيم داعش "لم نر مثيلًا له مطلقًا" لدى أية قوات غير رسمية.
وأشارت الصحيفة إلى أن التنظيم ابتكر طرق خادعة، منها أن مقاتليه قبل طردهم من مدينة الرمادي العراقية، دفنوا شحنة متفجرات ضخمة أسفل مجموعة من المنازل وأوصلوها بشبكة الكهرباء في أحد المباني، وحين عادت إحدى العائلات وشغَّلَت المولد الكهربائي، انفجر المنزل ولقوا حتفهم جميعا، وفقًا لسنور توفيق، مدير عمليات مؤسسة المساعدات الشعبية النرويجية في العراق، المسؤولة عن إزالة الأسلحة البدائية من المناطق التي رحل تنظيم داعش عنها.
وأضاف كريغ ماكينلاي، وهو مدير عمليات لدى منظمة نرويجية لإزالة الألغام، إلى العثور على 4 سخانات مهملة، ومولد كهربائي، بالقرب من مدينة الموصل، وهي أجهزة مفيدة للمدنيين النازحين والمقاتلين على حد سواء، لكنها كانت معبأة بمتفجرات مخفية، تسمح بانفجارها بمجرد أن يقترب منها أي شخص أو يحاول تحريكها.
وحذر إرنست باراجاس، وهو خبيرٌ سابق في تركيب وتفكيك الذخائر البحرية المُتفجِّرة، الذي عمل مع منظمات لإزالة الذخيرة في المناطق التي احتلها تنظيم داعش من أن "عناصر داعش ينشرون معرفتهم في مختلف أنحاء العالم. تصل هذه المعرفة إلى الفلبين وإفريقيا. وستستمر في الانتشار".
وأشارت الصحيفة إلى أن التنظيم يستخدم الصواريخ الكيماوية المُتهالكة والقذائف المتبقية من برنامج الأسلحة الكيماوية العراقي المنتهي، وعندما سيطر تنظيم داعش على مساحات واسعة من المناطق والمدن الكبيرة في عام 2014، استولى أيضًا على متاجر ومصانع، تحتوي على مكابس هيدروليكية، ومُعدات لطرق الحديد، وآلات تُدار بواسطة الحاسب الآلي، وآلات صب البلاستيك عن طريق الحقن. وعلاوة على ذلك تحرَّك التنظيم ليسيطر على كلية جامعية للتقنية ومعمل جامعة على الأقل. وأسهمت هذه البنية التحتية في إحداث طفرة في إنتاج أسلحة تنظيم داعش.
وقال داميان سبليترز، مدير عمليات مؤسسة "كونفليكت أرمامنت ريسيرش" في العراق وسوريا، وهي شركة خاصة تراقب وتُحقِّق في تصنيع وانتشار الأسلحة وأجرت عملا ميدانيا في كلتا الدولتين أثناء الحرب، إن هناك جهازا إداريا يقف وراء قدرات التسلُّح لدى التنظيم ويتولَّى مهمة الإشراف على تطوير وتصنيع الأسلحة.
وحسب الصحيفة، تتسم إدارة شؤون التسليح في تنظيم داعش بالانضباط، إذ يقول "سبليترز"، إن طول فتيل أجهزة التفجير المُرتجلة كان يُقاس بالسنتيمتر. وعندما ينفد مخزون الأسلحة، تكتب الإدارة استمارةً لطلب المزيد، ويُعاد تزويدها بما تحتاجه من مواد.
وبينما كان عمال إزالة الألغام يعثرون على الأسلحة، يقول ماكينلاي إنهم كانوا يصادفون، بوتيرةٍ منتظمة، أجهزة مُرتجلة ذات تصميمٍ يسمح لمقاتلي التنظيم بالاختيار من بين أجزاء موحدة المعايير وتركيبها بسرعة، وتابع: "كانت الأجهزة عبارة عن مجموعة من ألواح الضغط، والشحنات المتفجرة، ومفاتيح التشغيل: إنها مكونات يمكن تركيبها عند الضرورة. إنها قدرات ماهرة ومثيرة للإعجاب".
وقال ماكينلي إن الجماعة وحدت أيضًا أشياء أخرى، بما في ذلك، رسوم تكميلية لمدافع الهاون لتوسيع نطاقها، وفتيل مُشترك وقنبلة مرتجلة، وقال إنَّ عمال إزالة الألغام يشيرون إليها على أنَّها لغم أرضي.
وتشبه الألغام لغم إيطالي مضاد للأفراد يطلق عليه اسم "في إس-50"، على الرغم من أن نسخة داعش أكبر بكثير، وهو الأمر الذي دفع عمال إزالة الألغام إلى الإشارة إليه مجازا باسم "في إس-500".
ومع مرور الوقت، أصبحت الألغام المُنتجة حديثا من طراز "في إس-500" مقاومة للماء بشكل متزايد، وهو الأمر الذي يطيل من عمرها في الأرض. وعلى نحو مماثل، فإن فتيلة السلاح المُهاجم التي أطلقتها داعش تظهر علامات على أنها صُنعت لتكون مقاومة للرطوبة والصدأ.
وقال ماكينلي، إن الألغام الأرضية من الجيل الأول لم تكن جيدة. وأضاف أنها "لم تصمد جيدا". ولكن في الوقت الذي هُزم فيه داعش في مدينة الموصل بالعراق، طوَّرَت الجماعة من التصميم وزوَّدَت أرض المعركة والقرى بأسلحة "تدوم لمدة طويلة للغاية".
وشارك تنظيم داعش، في عمليات كسح مُنظمة، بما في ذلك جمع القنابل أمريكية الصنع التي أسقطتها الطائرات الحربية للتحالف وتغيير استخدام قوتها المتفجرة.
وأظهرت مجموعةٌ من الصور التي قدَّمها أحد عمال إزالة الألغام كيف أنشأت الجماعة متجرًا مفتوحًا للقطع، لفتح قنابل الطائرات الأمريكية التي لم تنفجر بعد وإزالة المتفجرات التي بداخلها.
وقال باراجاس: "في كل مرةٍ كنت أجري فيها اختبار متفجرات على المعدات الحربية المدفونة في الأرض، إذا وجدت أنَّها متصلة بمفاتيح الضغط، كانت تكشف نتائج الاختبارات أنها "متفجرات محلية الصنع".