حكاية الطفل المحروق في حضانة الوراق| الرضيع جاء إلى الحياة بعد انتظار ورحل سريعا بسبب الإهمال.. الحادثة ليست الأولى.. والرعاية الحرجة: مسئولية "الصحة"

كتب : عبده عطا

بعد انتظار، رُزق جرجس بمولوده أبانوب.. الطفل متعب قليلا لكن لا بأس، هو لا يحتاج سوى أن يوضع فى الحضانة لبضع دقائق فقط، بحسب نصيحة الطبيب.

بدأ الأب يُرتب فى ذهنه لكل شيء بعد أن يخرج الطفل من المستشفى، ملابس ابنه الصغير، ترتيبات السبوع ودعوة الأهل والأحباب، كل الأحباب.

يقف الأب "جرجس" خارج غرفة الحضانة بمستشفى حكومى فى منطقة الوراق.. يحمد الله أن الدولة وفرت لعلاج ابنه كل شيء بأسعار لا تقصم الظهر، وفرت له المستشفى والأجهزة الحديثة والحضانة التى سيدخل فيها ابنه بعد قليل ولمدة دقائق، ووفرت الأطباء والممرضات لراحة الطفل وطمأنة الأب.

وعد نفسه أن يصلى كثيرا للرب، شكرا، أن رزقه بـ"أبانوب" طفله وفلذة الكبد.. بدأ يفكر فى مستقبل طفله، سيوفر له كل مايستطيع حتى يجعله سعيدا ويؤمن له مستقبل مريح، ربما يصبح طبيبا، ربما.

يستند بظهره على حائط المستشفى، يغمض عينيه قليلا من التعب، ينتظر خروج ابنه من الحضانة ليذهب به إلى البيت وليطمأن على زوجته ووالدة ابنه الرضيع.

رائحة كريهة تفوح داخل ممر المستشفى.. ممرضات عابسات، أطباء متكبرون ودائما يتذمرون من كل شيء، يراهم يتجولون أيديهم فى جيوبهم وأنوفهم بعلو ناطحة السحاب، لكن لا بأس سيأخذ رضيعه بعد دقائق وسيذهب لزوجته وبيته الصغير.

توجهت إليه ممرضة لتخبره: " البقاء لله، ابنك مات، شد حيلك".. ثم يكتشف ان طفله مات محروقا، لأن الممرضة تركته أكثر من الوقت اللازم فارتفعت درجة حرارته بشكل بالغ فمات.. والأطباء اخبروه أن السبب هو "إن الكبسولة بايظة".. وانتهى كل شيء داخل المستفى الحكومى الذى وفرته له الدولة.

الطفل أبنوب جرجس، مات حرقًا مساء الأسبوع الماضي، بإحدى المستشفيات الحكومية بحي الوراق بمحافظة القاهرة، وذلك عندما وضعته الممرضة على جهاز الكبسولة لضبط درجة حرارة الجسم داخل الحضانة، لكن نتيجة زيادة درجة الحرارة احترق جسم الطفل لتذهب روحه هو الآخر إلى الذين سبقوه بهذه الطريقة.

و يوضح جرجس والد الطفل، عبر صفحته الشخصية فيسبوك، علمت بعد ما تم وضعه فى "الكبسولة" وهى التى يتم وضع الأطفال فيها لضبط درجة حرارة الجسم قبل وضعه فى الحضَّانة، والتي من المفترض أن أقصى مدة يقضيها الطفل فيها تتراوح من 3 إلى 4 دقائق فقط، لكن تم وضعه لمدة أكثر بكثير.

ومن خلال تحقيقات النيابة اكتشف جرجس أن الكبسولة "بايظة" وكانت فى مرحلة الصيانة وكان أبانوب هو أول طفل يوضع بها، مؤكدا على أن الإهمال يضرب المستشفى، خاصة ممرضات الحضَّانة.

وكالعادة بعد كل واقعه كهذه، يتم التحقيق مع طاقم الممرضات والأطباء المباشرين لقسم الحضانات بالمستشفى، والتحقيقات تكشف أن الجهاز به عيبًا، كما يقول الدكتور محمد عزمى مدير مديرية الصحة بالجيزة، وأنه تم تحويل الطاقم الطبى الذى تواجد بمستشفى الوراق المركزى أثناء وفاة الطفل أبانوب جرجس.

وأضاف عزمى فى تصريح له، أنه شكل لجنة مكونة من ٥ مستشارين متخصصين، وقدمت تقرير مفصل عن المشكلة والذى أكد على وجود عيب فنى فى الجهاز الذى وضع عليه الطفل عقب استقباله بالمستشفى.

وأوضح عزمى أن النيابة شكلت لجنة هندسية لفحص الجهاز الطبى الذى وضع عليه الطفل وأدى إلى وفاته، وكشفت اللجنة أن الجهاز به عيب فنى فى صناعته وهو ما أدى لحدوث الخطأ، مشيرا إلى أن الواقعة تعد الأولى بالمستشفى.

وفى السياق ذاته أصدر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2016 بيانًاعن حالات الوفيات داخل الحضانات، حيث رصدت، وفاة طفل رضيع يدعى ياسين مروان بمحافظة الشرقية، بعدما تعرض لإهمال طبي جسيم إثر دخوله الحضانة، ما أدى إلى بتر ذراعه ثم وفاته في الحال، لكن الطفل محمد حسن توفى بسبب تعرضه إلى حرق بإصبعه داخل الحضانة بمستشفى بركة السبع، بعدما تركت الممرضة وعاء مياه ساخنة بجواره، ومات أيضا 18 طفلا بمستشفى المبرة التابعة لهيئة التأمين الصحي بطنطا؛ نتيجة الإهمال، بالإضافة إلى وفاة 6 أطفال بمستشفى الدمرداش بسبب الإهمال في الإشراف على الحضانات أيضًا.

و أرجع الدكتور خالد الخطيب، رئيس الإدارة المركزية للرعاية الحرجة والعاجلة مشكلة الحضانات، إلى عدم وجود إدارة معنية بقسم الحضانات في وزارة الصحة، وذلك لرصد عدد الحضانات على مستوى الجمهورية.

ويشير الخطيب إلى أن الحضانات تشبه العناية المركزة، وهي جزء خطير لابد من الاعتناء به، معللا على قانون كادر الأطباء الذي وضع حافزا للتخصصات الحرجة كالطوارئ والرعاية والحروق والسموم والحضانات وبنوك الدم والتخدير مابين 250 الي 1000 جنيه بنسبة 100 إلي 300% من أساسي المرتب، مشيرا إلى أنها غير مجزية، مبينا أن من طلبة الطب الآن يبتعدون عن الالتحاق بتلك التخصصات نظرا لـلمقابل المادي الضعيف فى مقابل هذا العمل الشاق.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً