اعلان

أهالي حلوان يروون لـ"أهل مصر" ذكرياتهم عن حادث كنيسة"مارمينا".. طفل: أنا مش هسامح الإرهابي.. وسيدة مسنة: حط المسدس في وشي وبعدها سابني ومشي

الأطفال يلهون في الشوارع، الطلاب يخوضون يومًا دراسيًا اعتادوا عليه، السيدات، اخدت كل واحدة منهن تقوم بواجبها اليومي من تنظيف وتسوق واعداد طعام، فيما ذهبت أخريات للعمل، أما عن الرجال فشرع كل منهم في عمله، كهذا عاد الهدوء بمحيط كنيسة "مارمينا"، بعد ساعات من الهجوم الإرهابي عليها، صباح الجمعة الماضية، من قبل عناصر إرهابية تحمل أسلحة نارية وقنبلة.

السكينة التي عادت بشوارع حلوان بعد استشهاد ٦ من أبناء كنيسة "مارمينا"، وأفراد آخرين من قوات الأمن وأصحاب المحلات، لتصبح حصيلة الضحايا ١٠ شهداء و٥ مصابين، طبقًا لما أعلنه الدكتور خالد مجاهد، المتحدث باسم وزير الصحة، لم تكن قادرة على إخماد ضجيج عقول من شاهدوا لحظات الهجوم، وكانوا على حافة الموت، فذكريات الحادث لازالت عرض مستمر أمام أعينهم "مش قادرين ننسى اللي حصل قدامنا عمرنا ما شوفنا رعب بالمنظر ده"- حسبما وصف "محمد" أحد المقيمين أمام كنيسة"مارمينا".

في الشارع الغربي، الذي يعد إحدى الشوارع الخلفية لكنيسة "مارمينا"، يستقر محل تقع أعلاه لافتة مخطوط عليها "مكتبة"، لكن بالنظر إلى المحل فإنه لا يخلو من العصائر والأطعمة الأخرى التي يتردد الأطفال لشرائها، تتمتع تلك المكتبة برصيف عريض يقع على أعتابهم، أما عن صاحبة المكتبة، فامرأة وصلت لعامها الـ٦٥، تجلس يوميًا بجانب شقيقتها التي تماثلها العمر على كراسي بلاستيكية، في مقدمة الرصيف مما يجعلها قريبة من طريق سير السيارات.

في الخامسة من فجر التاسع والعشرين من أغسطس الجاري، كانت "فاطمة" (اسم مستعار بعد أن رفضت ذكر اسمها)، تدفع باب المكتبة الحديدي نحو الأعلى، لبدء يوم عمل اعتادت عليه منذ سنوات، فتقول لـ"أهل مصر": "٥ الفجر بكون قدام المكتبة عشان طلاب المدارس وكمان جبت مقرمشات وأنواع كتير من البسكوت وعصائر عشان الزبائن تزيد".

اليوم كان هادئًا، انها الجمعة التي يصاحبها عطلة العديد من سكان منطقة حلوان، لكن صاحبة المكتبة لم تتخاذل عن بدء عملها فجرًا، لتأتي العاشرة صباحًا وتنضم شقيقتها إليها في الجلوس، الجدل حول استبدال المكتبة بمشروع آخر لم يخلو من حديثهم، ليظهر فجأة رجل يقود "موتيسكيل"، خلف ظهورهم كاد أن يقع، فانتبهت فاطمة وشقيقتها له بعد الصوت المزعج الذي صدر من احتكاك العجلات بالأرض الإسفلتية "، اتخضينا ووقتها كنا قاعدين وشنا للمحل فلفينا نشوف فيه إيه".

في اللحظة التي وقعت أعين فاطمة وشقيقتها على الرجل الذي يقود الموتوسيكل كان هو فتح وابل من الرصاص في جسد سيدة صادف تواجدها في تلك اللحظة، فتروي فاطمة لـ"أهل مصر" ويدها ترتعش "الساعة كانت ١٠ ونصف أول لما شوفت مين كان هيقع، فجأة لقينا الراجل طلع سلاح من الچاكت ونزل ضرب في الست المسيحية وهي يا عيني كان معاها بنتين خبتهم بسرعة ورا ظهرها".

بعد أن انتهى الإرهابي من تصفية السيدة، اخذت الفتيات تركض نحو إحدى محلات الأطعمة للاختباء من رصاصات الإرهابي الطائشة "البنات جريت وهو بعد ما ضرب الست ٦ رصاصات وأتاكد أنها خلاص مش بتنطق جه ناحيتنا بالسلاح وفضل باصص ليا أنا واخوتي دقيقة وبعدها جري وكان لابس چاكت وبنطلون چينس وعنده ذقن".

الخوف كان حاضرًا لحظة نظر الإرهابي لفاطمة، فأخذت تروي ما شعرت به تلك اللحظة:" منكرش اني خوفت لكن مسكت ايد اختي ولقيت نفسي مش قادرة أقول كلمة، الحمد لله لو كنا صوتنا أو زعقنا أو اتكلمنا معاه كان قتلنا، والحمد لله اتمسك واهوا الحياة رجعت لطبيعتها وربنا يرحم كل الشهداء".

من الشوارع الخلفية لكنيسة "مارمينا" إلى الشارع الرئيسي الذي تطل عليه، حيث يسكن "مصطفى" مع والديه وأشقائه الثلاثة، الذي دفعه القدر لرؤية الإرهابي والحديث معه.

دقات متتالية على الباب الخشبي لغرفة مصطفى من والدته، دفعته للاستيقاظ؛ لشراء الافطار قبل صلاة الجمعة، فيقول لـ"أهل مصر": "أمي صحتني على ١٠ الصبح عشان اجيب فطار.. مكنتش عايزة انزل لكن خوفت تزعل مني فلبست وكنت على ١٠ وثلث في الشارع اللي قدام كنيسة مارمينا بالظبط".

خطوات اخذ مصطفى الشاب العشريني يخطوها نحو محل "الفول والطعمية" لكن قبل وصوله للمحل بدقائق، صادف شخصًا يسير في الشارع الذي تطل عليه الكنيسة، يحمل سلاح ناري، فيروي لـ"أهل مصر":" أنا شوفت واحد شكله مش مظبوط وماسك سلاح في ايده رايح جاي بيه ومش خايف من حاجة.. أول لما شافني بقرب منه رفع السلاح قدامي وقالي أمشي من هنا احسنلك".

تلك الكلمات دفعت مصطفى للركض إلى منزله وإبلاغ عائلته عن ما يحدث بالأسفل، لتتصاعد في تلك اللحظة أصوات الرصاص والصراخ "أول لما حكيت وسمعنا صوت الرصاص أمي قعدت تبوس فيا وتقولي الحمد لله ربنا نجاك ليا ياريتني مكنت قولتلك أنزل"- حسبما وصف.

"بصينا من بلكونة الجيران، لقينا إرهابيين ماسكين أسلحة وعمالة تضرب في كل مكان وناس أصيبت وناس استشهدت لحد لما جت قوة من قسم حلوان وقدرت تقضي على الإرهاب وتقبض على واحد منهم وفيه واحد هرب فورًا وقعدوا يدوروا عليه"، كانت تلك هي اللحظات اللي لازالت ذاكرة مصطفى محتفظة بها عن الحادث، رغم مرور ٤٨ ساعة على حدوثه.

من مصطفى الذي يقطن بالقرب من كنيسة مارمينا إلى حارس إحدى العقارات القريبة من الكنيسة، الذي كان ينظف السيارات لحظة ظهور أصوات طلقات الرصاص، فيقول لـ"أهل مصر":" أنا كنت بنظف عربيات سكان العمارة زي كل يوم، فجأة سمعت صوت رصاص وناس بتجري، فجربت أشوف حصل إيه".

تسابقت قدمي حارس العقار للوصل إلى النقطة التي صدرت منها أصوات الطلقات، بينما اخد "عم صلاح" أحد قاطني الشارع الغربي يخطو سريعًا لينقض على الإرهابي من الخلف، فيروي حارس العقار ما رآه لحظة وصوله "لقيت الناس كلها خايفة والإرهابي كان معاه قنبلة وسلاح وكان عمال يتمشى بيهم بعد ما قتل واحدة، وفجأة رصاصة اضربت في رجله خلته يختل وفي اللحظة دي (عم صلاح) وابنه هجموا على الإرهابي والحمد لله قدروا ياخدوا منه المسدس ويضربوه في دماغه لحد لما داخ والشرطة فتشته وقدرت تفكك القنبلة وقبضت عليه".

بعد إلقاء القبض على الإرهابي، والسيطرة على محيط كنيسة"مارمينا"، أخذ الأهالي يبحثون عن ذويهم بين الشهداء والمصابين "أول لما الجو هدي الصراخ بدأ على الشهداء اللي دمهم مالي الأرض والمصابين اللي بيموتوا من الوجع"- طبقًا لرواية حارس العقار.

كانت تلك الحادثة سببًا في إعطاء عدد من الأطفال لقب أيتام، فيقول حارس العقار: "يا عيني العيال بقت أيتام، فيه بنت هنا في بداية الجامعة أمها وأبوها كانوا جوه الكنيسة واستشهدوا وهي كانت في البيت ولما سمعت الرصاص جريت على الكنيسة وقتها واحدة مسلمة مسكتها عشان تمنعها من الخروج للشارع وتحميها في بيتها لكنها جريت منها وبمجرد ما وصلت عند باب الكنيسة اضربت رصاصة في أيديها ويا حرام مقطوعة من شجرة، هتصرف إزاي على أخواتها الأطفال بعد ما أبوهم وأمهم استشهدوا".

لم تكن الطالبة الجامعية هي الوحيدة التي دخلت مرحلة أخرى من الحياة، تذوق من خلالها الشقاء بكافة أنواعه، فأخذ حارس العقار يروي قصص باقى الأطفال: "في كمان الطفلة اللي في إعدادي واختها اللي في أولى ابتدائي أمهم كانت في الشارع ومعاها بنتها الكبيرة لما الإرهابي ظهر ضحت بنفسها عشان تنقذ بنتها فأخذت ٦ رصاصات والرصاص دلوقتي مع قوات الأمن وفيه الست صفاء اللي ماتت وتركت ٣ أطفال لاحول ليهم ولا قوة وأخوها اللي استشهد معاها في يوم ذكرى ابنه اللي كان عنده إعاقة".

كل تلك الروايات كانت ذاكرة الكبار تحتفظ بها عن الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة"مارمينا" بحلوان، لكن ذاكرة الأطفال لم تغفل هي الأخرى عن حمل لحظات الخوف والقلق التي عاشها عشرات الأطفال لحظة وقوع الحادث الإرهابي، فيقول "محمد" صاحب الـ١٠ أعوام لـ"أهل مصر" وعينيه تبحث عن بقايا دماء الشهداء: "أنا كنت نايم وصحيت مخضوض على ضرب الرصاص وجريت على البلكونة اللي الجنب اليمين منها بيطل على جزء من الكنيسة".

اختبأ "محمد" خلف ستار "البلكونة"، وأخذ يراقب عن كثب أجزاء مما يحدث بمحيط كنيسة "مارمينا"، فيروي: "الإرهابي كان شكله مش طبيعي ماسك سلاح وعمال يضرب بيه ومش خايف يتمسك، كل اللي همه يموت الناس وخلاص، ده اللي كان واقف بره وضرب حد من الأمن".

بطريقة لا إرادية ارتفعت يد "محمد" لتمنع عينه عن رؤية الدماء التي تناثرت على الأرض، والشهداء الذين اخذت روحهم تصعد لخالقها "أنا كنت مرعوب لما الإرهابي دخل الكنيسة وسمعت ضرب الرصاص وناس بتصرخ ومقدرتش اتفرج دخلت استخبيت تحت السرير خوفت الإرهابي يشوفني ويقتلني، لكن بعد كل حاجة خلصت والبوليس والإسعاف وصلوا نزلت مع ماما أشوف إيه حصل".

كان "محمد" على علاقة طيبة بالرجل المسن الذي كان يعمل بمحل التوابيت المستقر أمام باب كنيسة مارمينا مباشرةً، فأخذت خطواته تسابق بعضها البعض للاطمئنان عليه فور خروجه من باب منزله مع والدته، فيروي لحظة وصوله باب محل المسن وعينه مصوبة نحو الرجال المصطفين أمامه: " جربت على المحل لقيت ناس كتير واقفة تشيل الكراسي الواقعة، دورت على عم وديع لكن ملقتش غير دم كتير على الأرض وفوطة غرقانة دم والعكاز بتاعه، فعرفت أنه استشهد.. حرام اتحرم منه كان طيب مع الأطفال وبيلعب معانا، أنا مش هسامح الإرهابي وهدعي ربنا ينتقم ليا منه".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
اتحاد الكرة يكشف موقف عبد الله السعيد من الانضمام للمنتخب في معسكر يونيو (خاص)