ما أطلق عليه إصلاحات إقتصادية بعد خطة العمل في إيران لم يصل بعد إلى حياة المواطن الإيراني المتوسط، ويبدو أن ارتفاع معدل البطالة وزيادة بعض أسعار المواد الغذائية، قد حفزا " ثورة الجياع في إيران التي إشتعلت يوم 28 ديسمبر 2017 في عدد من المدن الإيرانية احتجاجاً على البطالة والفقر وعلى ارتفاع الأسعار والتي بدأت من مدينة مشهد.
وعلى الرغم من الدعوة للمشاركة في التظاهرة التي سُميت بداية "لا للغلاء" على شبكات التواصل الإجتماعي، إلا انها تجاوزت نطاقها العام إلى بعض الشعارات السياسية التي رددها بعض المحتجين.
وتري صحيفة التايمز البريطانية أن الأمر مختلف تماماً هذه المرة عن انتفاضة العام 2009، حين وعدت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بتحسين العلاقات مع نظام إيران كجزء من التقارب الأوسع مع العالم الإسلامي، ولم تحرك ساكنًا تجاه انتفاضة الشعب الإيراني وتركت المنتفضين لمصيرهم في مواجهة آلة القتل والاعتقالات والتعذيب والقمع على يد الحرس الثوري والأجهزة الأمنية الإيرانية.
أما اليوم، فالقرار الأميركي واضح وما أعلنه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 يوليو الماضي كان واضحاً، حيث أكد دعمه لفكرة تغيير النظام في إيران، وضرورة أن يتخلّص الإيرانيون من نظام ولاية الفقيه، واصفاً النظام بالـ"الدكتاتوري الفاسد".
-إمبراطورية من ورق
لا تسطيع إيران أو أي دولة كم أفواه الشعوب الجائعة حتى وإن تأخر ربيع إيران، ففي نهاية المطاف لا بد أن تنتصر الشعوب، وفقاً للصحيفة.
وقالت الصحيفة أن إيران التي صدقت نفسها بأنها أصبحت إمبراطورية تحلم بالتوسع في الشرق الاوسط ، لا تستطيع أن تتجاهل الحراك الشعبي داخل أراضيها الذي جاء نتيجة ممارسات السلطة فيها تجاه الشعوب الآمنة عبر تأسيسها ميليشيات تؤمن بفكر وعقيدة ولاية الفقية، وزرعت الشر في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحرين.
كما تجاهلت إيران العقوبات الأميركية التي أنهكت شعبها وإقتصادها، وتوجهت نحو مد الميليشات الشيعية بالأموال والسلاح، وهذا ما إعترف به أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله حين قال بالفم الملآن أن "كل المصاريف من أكل وشرب وألبسة وأسلحة وصواريخ واموال تأتي من إيران" في حين أن الشعب الإيراني يموت جوعاً ويعاني من البطالة.
-الشعب جائع وثروة المرشد تخطت الـ 95 مليار
بينما يعيش الشعب في ظروف إقتصادية قاسية، يتربع المرشد الأعلى علي خامنئي على عرش إمبراطورية مالية تقدر بـ 95 مليار دولار، وهي ثروة تفوق 30 مرة عن تلك التي كان يملكها الشاه محمد رضا بهلوي، الذي أسقطه المرشد تحت عنوان "محاربة الفقر".
وتأتي هذه المليارات عبر إحتكار رجال الدين في إيران المؤسسات الخيرية وإدارة المزارات الدينية والمرافق الحكومية، والاقتصاد الإيراني بالكامل، انطلاقاً من البنوك، مروراُ بالفنادق والشركات، وصولاً إلى الإستثمارات الكبرى.
ورصدت الصحيفة العوامل التي دفعت الإيرانيين للخروج إلى الشوارع وما تواجهه السلطات من تحديات:
-خطورة الاحتجاجات
تعد المظاهرات، التي بدأت الأسبوع الماضي، أخطر ما شهدته البلاد من احتجاجات منذ اضطرابات العام 2009، التي نجمت عن خلافات أعقبت إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد.
والاحتجاجات السياسية نادرة في إيران، حيث تنتشر أجهزة الأمن بشكل واسع، ومع ذلك فقد شارك عشرات الآلاف في الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد منذ يوم الخميس.
وقال خامنئي، صاحب السلطة العليا في نظام الحكم المعقد الذي يجمع بين الحكم الديني والنظام الجمهوري، إنه سيوجه كلمة إلى الشعب عن الأحداث الأخيرة "في الوقت المناسب".
وعلى النقيض من المظاهرات المنادية بالإصلاح التي خرجت العام 2009، تبدو الاحتجاجات الأخيرة عفوية بشكل أكبر ولا يبدو أن وراءها زعماء يخططون من الممكن للسلطات أن تتوصل إليهم وتعتقلهم.
وللمطالب التي شهدتها أنحاء البلاد بوضع نهاية للمصاعب الاقتصادية والفساد حساسية خاصة؛ لأن زعماء إيران كثيرًا ما يصورون الثورة الإسلامية، التي أطاحت العام 1979 بنظام حكم الشاه المدعوم من الولايات المتحدة، على أنها ثورة الفقراء على الاستغلال والقهر.
ورغم تباين المطالب من الفئات المختلفة في المجتمع، إلا أن المقاطع المصورة التي يبثها الشباب والطبقة العاملة تمثل القاسم الأكبر.
وتعتبر الطبقات الأقل ثراء موالية للجمهورية الإسلامية مقارنة بالمحتجين الأكثر انتماء للطبقة المتوسطة، الذين خرجوا إلى الشوارع قبل تسع سنوات.
وطبقًا للأرقام الرسمية، فإن 90% من الذين ألقت الشرطة القبض عليهم تقل أعمارهم عن 25 عامًا، وكثيرون من الشبان أكثر اهتمامًا بالوظائف والتغيير منهم بالمثالية الإسلامية والمشاعر المناهضة للغرب، التي يتشبث بها الحرس القديم.
لماذا تعجز الحكومة عن إيجاد حل سريع؟
التحدي الرئيسي الذي تواجهه الحكومة هو إيجاد وسيلة لقمع الاحتجاجات دون استفزاز المزيد من مشاعر الغضب، في وقت يهاجم فيه المتظاهرون مراكز الشرطة والبنوك والمساجد.
وحتى الآن التزمت السلطات إلى حد كبير بضبط النفس، رغم أنها هددت باتخاذ تدابير قوية فاعتقلت المئات، لكنها امتنعت عن استخدام القوات الخاصة التي سحقت الاضطرابات السابقة.
ومن المحتمل أن تعمل الإجراءات المتشددة على إثارة الإيرانيين الذين يطالبون بسقوط القيادة الدينية، بما فيها خامنئي.
وتريد السلطات الإمساك بزمام الأمور في الوقت الذي تتحاشى فيه تكرار أحداث 2009. وفي يونيو/حزيران من ذلك العام، أدى مقطع فيديو ظهرت فيه المحتجة، ندا أغا سلطان، وهي تحتضر بعد إصابتها بالرصاص في الصدر، إلى جعلها رمزًا لحركة المعارضة.
وللدولة جهاز أمني قوي، غير أنها أحجمت حتى الآن عن استخدام قوات الحرس الجمهوري الخاصة وقوات “الباسيج” وقوات الأمن، التي ترتدي ملابس عادية، والتي سحقت انتفاضة العام 2009 وقتلت عشرات المحتجين.
ومع ذلك، يقول محللون إن استمرار المظاهرات لأمد أطول قد يدفع الحكومة للتحرك. ويعتقد قادة إيران أن بوسعهم أن يعولوا على دعم كثيرين من أفراد جيل، شارك بالثورة في شبابه، وذلك انطلاقًا من التزامهم العقائدي والمكاسب الاقتصادية التي حققوها في ظل الحكومة الإسلامية.
ما هي المطالب الرئيسية للمتظاهرين؟
يريد الإيرانيون في مختلف أنحاء البلاد زيادة الأجور ووضع نهاية للفساد، غير أنه مع انتشار الاضطرابات وجه المحتجون غضبهم باتجاه المؤسسة الدينية.
كما يشكك كثيرون في حكمة السياسة الخارجية التي تتبعها إيران في الشرق الأوسط، حيث تدخلت في سوريا والعراق.