قبل عامين كانت مساحات شاسعة خاوية مُهملة تغمرها المياه تارة وتجف تارة أخرى، ظلت لعقود من الزمن على هذا الحال، إلى أن أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أحد خطاباته تكليف الجهات التنفيذية بتسهيل وتذليل كافة العقبات امام شركة «سيمنز الألمانية»، لتنفيذ أكبر محطة لتوليد الكهرباء فى الشرق الأوسط على الطريق الدولى (بلطيم- الإسكندرية)، بعد مدينة البرلس، بهدف انتاج 7.5 فى المائة من إجمالى كهرباء مصر وتحل مشاكل الكهرباء، ولم تكن كلمات الرئيس السيسى إلا بمثابة أوامر فى البدء بإنشاء أكبر محطة كهرباء.
الحياة تدب فى الصحراء
بدأت الكلمات تتحول لفعل وجهد شاق على أرض الواقع بمجرد توقيع الرئيس السيسى عقدها فى مارس من عام 2017 فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ بتكلفة مليارى يورو، حيث تُقام على مساحة 250 فداناً على الطريق الدولى الساحلى، لتمد المستقبل بالكهرباء وتخلق مجتمعات متكاملة صناعية وتجارية وزراعية وسكنية.
كتيبة العمل
أكثر من 9 آلاف عامل ومهندس وفنى يسابقون الزمن لتدخل المحطة بكامل طاقتها الخدمة فى النصف الأول من عام 2018 بعدما افتتح الرئيس والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل، مرحلتها الأولى فى أول مارس من عام 2017 أى بعد عام من توقيع العقد بقدرة 4800 ميجاوات.
«أهل مصر» زارت موقع المحطة والتقت عدداً من المهندسين والفنيين والعمال للتعرف على محطة الكهرباء ومكوناتها، واستهل المهندس هشام الجندي، المدير التنفيذى للمحطة، الحديث بالإشارة إلى أن المحطة تتكون من 12 وحدة «8 وحدات غازية و4 وحدات بخارية» وأربعة موديولات، وكل موديول يتكون من تربينتين غازيتين قدرة كل منها 400 ميجاوات، وتربينة بخارية قدرة 400 ميجاوات وغلايتين لاستعادة الطاقة المفقودة، ويتم تنفيذها بنظام «EPC +Finance» وذلك لاختصار مدة التنفيذ ولتقليل التداخلات بين المقاولين وسرعة الانتهاء من المشروع، وتبلغ التكلفة الاستثمارية للمشروع حوالي ملياري يورو تشارك فيها شركة «سيمنس» وشريكها المحلي شركة «السويدي إلكتريك».
10 ملايين ساعة عمل
أضاف «الجندى» أن الآلاف من عمال كفر الشيخ والدقهلية والإسكندرية يواصلون الليل بالنهار وعلى مدار أكثر من 10 ملايين ساعة، مع مراعاة معايير الأمن حيث لا يمكن لعامل الدخول إلى المحطة دون ارتداء طاقم الحماية، مع تخصيص طريق للمشاة والمهندسين، وممر آخر للسيارات، وكل ذلك تحت حماية مبنى الحراسة في بداية المحطة، على أن يتم التسليم في يناير الجاري، بعدما تم إجراء تجارب تشغيل آخر وحدتين غازيتين وبذلك يكون اكتمل الثماني وحدات على الشبكة.
من جانبه، أكد المهندس محمد سعد النادى، مدير التشغيل بالمحطة، انه تم الاعلان فى بداية العمل عن الحاجة لعمالة مع وضع شروط لاختيار العناصر البشرية سواء مهندسين أو فنيين من قبل وزارة الكهرباء والطاقة، مشيراً الى أنه من بين شروط اختيار المهندسين، كان ألا يقل التقدير العام عن جيد جداً واجتياز المقابلات الشخصية وإجراء فحوصات طبية لضمان سلامة المتقدمين، بالإضافة إلى انه تم تدريب العناصر التى اجتازت الاختبارات في الشركة القابضة للكهرباء لمدة 3 أشهر وارسالهم للتدريب في ألمانيا وإجراء زيارات في محطات شبيهة للتعرف على أحدث تقنية للتعامل مع الأزمات ثم يتم عمل تقييم للمراحل.
إنتاج الكهرباء من الكهرباء
أوضح «النادى» أنه تم الانتهاء من توصيل خطوط الغاز للمحطة، حيث تم توصيل 10.4 مليون متر مكعب من الغاز يومياً لـ4 وحدات إنتاج بقدرة إجمالية تبلغ 1600 ميجاوات، حيث يصل طول تلك الخطوط لـ900 متر وتتميز بمواسير ضخمة وبها فلاتر لتنقية الغاز قبل دخوله إلى الوحدات الغازية، مشيراً الى أن إنتاج الكهرباء من المياه يتم بوضع المياه المقطرة في غلايات كبيرة جدا على درجات حرارة وضغط مرتفعين، واستخدام البخار الخارج من الغلايات لتدوير عامود التوربينة البخارية والمولد وبالتالي يتم إنتاج الكهرباء من الكهرباء، كما تم تزويدها بـ12 مولدا سيتم تركيبها على عدة مراحل.
ومن المهندسين إلى العمال، حيث وصف رجب محمد، أحد العاملين بالمحطة، المشروع بالضخم، موضحا أن العمال يواصلون الليل بالنهار من أجل أن يخرج المشروع للنور وينتج الكهرباء التي تدعم شبكات المشروعات التنموية على أرض المحافظة خاصة ومصر عامة، مضيفاً أنهم سعداء بالعمل والمساهمة في إخراج هذا المشروع للنور، قائلاً: «مصر تستحق أكتر من كده، فيها مشروعات كبيرة بتتعمل، بس إحنا محتاجين ضمير وإخلاص في العمل، أي حد هيشارك في مشروع قومي هيبقى فخور».
وأوضح «العمال» أن المشروع يعمل به الآلاف من العمال وفتح بيوت آلاف الأسر من أبناء المحافظة والمحافظات المجاورة، ويضم مئات المهندسين والفنيين بمرتبات مرضية وسيوفر الآلاف من فرص العمل حال إنهائه.
الأيدى العاملة
من عنصر الرجال إلى النساء، حيث يوجد بالمشروع مهندستان هما «أسماء عبده، ومايسة أحمدى»، اللتان فضلتا العمل بالمحطة دون غيرها من المشروعات لتكونا شاهدتين على أن عام 2017 هو بالفعل كان عام المرأة المصرية.
تؤكد اسماء وهى تشغل منصب مدير التشغيل بأحد الخطوط، انها تخرجت فى قسم الهندسة كهرباء باور، من جامعة الأزهر وظلت تبحث عن عمل إلى أن قرأت اعلاناً فى إحدى الصحف يطلب مهندسين وفنيين للعمل بمحطة كهرباء البرلس، حملت اسماء حقيبة بها أوراق تخرجها وذهبت لوزارة الكهرباء غير واثقة انه سيتم اختيارها للعمل بالمحطة، الا انها فوجئت باعلان النتيجة التى تحتوى على اسمها «مصدقتش نفسى وكنت فرحانة اوووى»، وأضافت «جهزت شنطتى وجريت على المحطة، وهناك لقيت كل حب وترحاب من زملائى الرجال».
تضيف اسماء انها تلقت تدريبات فى ألمانيا لنحو شهرين ضمن بعثة المهندسين الذين سافروا لتعود وتبدأ العمل لمدة 12 ساعة يوميا وهى فى قمة سعادتها لانها تعمل فى مشروع قومى،«حاسة بالسعادة لانى شاهدة على تحويل ارض خراب إلى مشروع عالمى كل الناس بتتكلم عنه».
بينما تؤكد المهندسة مايسة الأحمدى، مدير عام المشروعات بوسط الدلتا والتى تتردد لوقت طويل على المحطة، انها تقوم بتدريبهم على استخدام الغاز في توليد الكهرباء، حيث تمر الخطوط بكباسات لتنقيتها من الهواء، ثم تمر بفلاتر أخرى لتنقيتها من أي شوائب أخرى، وتمريرها على غرف الاحتراق، تحت درجات حرارة مرتفعة ويتم الإشعال لتنتج الغازات الساخنة وتقوم بتدويرعامود التوربينة الغازية والمولد وبذلك يتم توليد الكهرباء.
وأضافت الأحمدي انها فخورة بالإشراف على أكبر محطة كهرباء فى الشرق الأوسط، مؤكدة أن المحطة تعد نقلة نوعية فى تاريخ مصر، مشيرة إلى أن المحطة تضم مجموعة من المهندسين المصريين، تلقوا تدريبات متخصصة فى عمليات الصيانة بأنواعها المختلفة.
نقلا عن العدد الورقي.