محافظة بني سويف، إحدى محافظات صعيد مصر، التي عُرف عنها الصراعات القبلية ونزاعات العائلات، بقري ومراكز المحافظة، حيث أصبحت مشاجرات العائلات ظاهرة اجتماعية خطيرة، لما تخلفه ورائها من سلسال دم لا ينتهي، حيث يورث من جيل إلى أخر، على الرغم عشرات المحاولات التى تدرى لوأد فتنة الثأر بعقد جلسات صلح، الا أن العادة لاتزال مستمرة، فيما ارتفعت وتيرتها بشكل ملحوظ، منذ فترة الإنفلات الأمني التى أعقبت ثورة 25 يناير، ليصل الآمر إلى الأخذ بالثأر أمام المارة فى الشوارع وفى وضح النهار وفى المدارس وداخل القطارات، نظرا لحالة الانفلات الأمنى التى شهدتها البلاد عقب ثورة 25 يناير، إضافة لدخول كميات كبيرة من السلاح المهرب عبر الحدود الليبية.
والصراعات الثأرية منتشرة فى بؤر عديدة من مراكز المحافظة، وبعض القري التى عادة ما تشهد هدوءًا وخمولا لفترة طويلة لكنها قد تثور بشكل مفاجئ ومن هنا تكمن الخطورة إذ يترتب عليها خسائر لا حصر لها، ولكن عندما تعود لأصل المشكلة تجد منها ما يتم إدراجه تحت تصنيف الـ"الغرائب والطرائف".
ففى قرية البهسمون التابعة لمركز إهناسيا المدينة غرب المحافظة، بدأت حلقات مسلسل "سلسال الدم" بين عائلتي "خاطر ورمضان" بسبب إصطدام دراجة بخارية يستقلها أحد أفراد العائلتين بـ"قدرة فول" أثناء قيام إحدى سيدات العائلة الأخرى بطهيها أمام منزلها، فحدثت بين مشادة كلامية بين زوجها وبين قائد الدراجة، تطورت على الفور لمشاجرة بين عائلتيهما، أستخدم فيها الأسلحة النارية والبيضاء والشوم والحجارة، ونتج عنها مصرع شخصين وإصابة 12 أخرين، وتركت لـ 3 من المصابين عاهات مستديمة ما بين "شلل بالنصف الأسفل وتصفية عين وبتر ساق"، ومع مساعى رؤس العائلات وأعضاء المجلس العرفي بالمركز، عُقدت جلسة صلح بين الطرفين، ولكن ما يزال الصراع محتدمًا بين العائلتين.
وفى قرية "نزلة خلف" إحدى القري التابعة لمركز إهناسيا المدينة، التى شهدت مؤخرًا مجزرة ثأرية ضمن حلقات مسلسل الصراع التاريخي بين عائلتي "خلف والبراهمة"، والذى بدأ منذ عام 1977 عقب مشادة بين أسرتين من العائلتين بسبب حدود الأرض الزراعية، وخلاف حول حديد ملكية الأرض التى أشتراها أحدهم من الأخر، وأشتدت المشادة التىبدأت بينهما فجرًا إلى أن تطورت لمشاجرة مسلحة بـ"الشوم والحجارة" أسفرت عن مصرع 5 منهم 3 أشخاص من عائلة البراهمة وشخصين من عائلة خلف، وتدخلت الأجهزة الأمنية وبعض القيادات السياسية حينا ذاك ونجحت الجهود فى المبذولة فى تأجيل الصراع لحلقة أخرى تركوا تحددي موعدها للقدر، وأقدم كلًا منهما الكفن للأخر، وأنتهي الصراع "شكيلًا" بأحضان تتلاقى خلالها القلوب المليئة بغلظة الثأر تجاه كلاُ منهما للأخر.
وبعد أكثر من 37 عامًا، قرر كبار العائلتين عرض حلقة جديدة من حلقات الصراع الثأرى بينهما، بدء المشهد الأول من الحلقة بأحد شباب عائلة خلف يقوم بإشعال الألعاب النارية "الشماريخ" إبتهاجًا بحفل ليلة عُرس«حنة» أحد شباب العائلة، وأثناء اللهو بالشماريخ طارت إحدى شراراتها على أحد المارة، وهو من عائلة البراهمة ليندلع بينهما مشاجرة عنيفة، فى مشهدًا سينمائيًا من أفلام الأكشن أستخدمت فيه كمية كبيرة من الأسلحة الآلية، التى تصطاد الأرواح بسرعة البرق، ليحصد فى لحظات أرواح شابين وسيدتين، توفيت إحداهن بعد أسبوع من إحتجازها بغرفة العناية المركزة بمستشفي القصر العيني، فضلًا عن إصابة 14 أخرين بإصابات بالغة.
وتلجأ الأجهزة الأمنية إلى ما يعرف بالقضاء الأهلى أو الجلسات العُرفية، حيث تتشكل لجانًا بمراكز المحافظة من بعض الشخصيات العامة مثل أعضاء المجالس النيابية، والمجالس الشعبية المحلية، ورجال الدين، ويشترط في اختيارهم أن يكونوا ممن يتمتعون بشعبية داخل وخارج قرى ومراكز المحافظة، تكون لهم سلطة التواصل بين طرفي الخلاف من العائلتين، ليصلا إلىنقطة تلاقي، فى محاولة لوأد الفتنة، حيث تبدأ اللجنة بالاستماع إلى طرفى النزاع "القص" يدخل أعضاء المجلس العرفي في جلسة مغلقة لا يحضرها أحد غيرهم، ليبدأوا في مناقشة وتحليل ما استمعوا اليه، وفى بعض الأحيان، خاصة في النزاع على حدود الأراضى، يذهب أعضاء المجلس للمعاينة على الطبيعة، تمهيدًا لإصدار حكمهم.
وتتنوع الأحكام، التي قد يصل بعضها إلى "التغريب"، وهو إلزام الطرف المحكوم عليه بمغادرة القرية أو المدينة التي يسكن بها لمدة لا تقل عن 6 أشهر، ولا تزيد عن عام، ويستخدم هذا الحكم غالبًا في حل النزاع الذي ينشب بسبب قصص الحب، وهناك "الدية" وهى عبارة عن مبلغ مالى تقدره اللجنة، على طرف لصالح الأخر، وهذ العقوبة تستخدم فى الخلافات الثأرية التى ينتج عنها حالات وفيات، وفى نهاية الجلسة العرفية، يقوم المجلس بكتابة محضر الجلسة مدون به أسماء أعضاء المجلس، والحاضرين من طرفي النزاع، وأقوال «المدعى» و«المدعى عليه»، والحكم الذي صدر، وفى حالة إخلال أحد الطرفين بقرارات المجلس، يتحمل شرطًا جزائيًا تبدأ قيمته من 500 ألف جنيه، ويصل إلى 5 ملايين جنيه.
من جانبه قال الدكتور جمال عبد المطلب، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة بنى سويف، إن مشكلة الثأر فى صعيد مصر خير دليل، ومن ثم فإن تفعيل الجلسات العرفية ووجود ممثل فيها للقانون الرسمى يحل كثيرًا من المشكلات ويتصدى للعديد من الجرائم، ويساعد السلطة التنفيذية فى القيام بدورها فى مواجهة الجريمة وتطبيق العدالة، خاصة في جرائم القتل.