كشف الدكتور عبد الغني الجندي، أحد المهندسين وعضو المجموعة الاستشارية المسؤولة عن مشروع المليون ونصف المليون فدان سابقًا، ومستشار رئاسة الجمهورية للشئون الزراعية سابقا، لـ "أهل مصر"، كواليس المشروع القومي لزراعة المليون ونصف المليون فدان، وعن مدى قدرة الحكومة في تنفيذ المشروع في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجها حاليا.. وإلى نص الحوار..
ـــ لماذا تقدمت باستقالتك من منصب نائب وزير الزراعة لمشروعات الري الحقلي؟
أنا لم أتقدم باستقالتي لأني منتدبًا من كلية الزراعة جامعة عين شمس، ولست موظفًا بوزارة الزراعة، وجئت نائبًا لوزير الزراعة السابق الدكتور عصام فايد، لمشروعات الري الحقلي في فترة كانت ملئية بمشاكل لا حصر لها وكان بين وزارة الري والزراعة خلافات على مشروعات الري الحقلي، وكنت أريد عرض هذه المشاكل على وزير الزراعة وترتيب لقاء مع وزير الري لبحث تلك المشاكل.
ومن طبيعتي في العادة ألا أطلب مقابلة وزير بحكم وظيفتي وسني ولكن احترامًا لقرار الوزير بعدم مقابلة أى شخص إلا بموعد مسبق، حينما أبلغت مدير مكتبه بطلبي مقابلة الوزير لم استطع وحاولت الاتصال به مرارًا لكنه لم يرد.
وبعد 15 يومًا من فشلي في مقابلة الوزير بعثت برسالة كتبت فيها نصًا "أنني لم أستطع مقابلتك وإن الأمر حرج جدًا واعتذر عن المنصب منعًا للحرج، وحينما لم أجد ردًا، كتبت رسالة الاعتذار مرة أخرى بعد 15 يومًا، وأرسلتها فى ظرف مغلق خاص بالوزير، فوجئت بالوزير بتكليف أخرين، بدلًا من التحقيق في أسباب الاعتذار، وأصدر بعدها قرارًا بإسناد مشروعات الري الحقلي التي كنا نحارب من أجلها لوزارة الري وهذا غير مقبول.
ـــ ما المشاكل التي واجهتك مع وزارة الري أثناء تنفيذ مشروعات الري الحقلي؟
وزارة الري شريك في مشروعات الري الحقلي من خلال توفير مياه الترع ومحطات المياه للأراضي الزراعية وهذا هو عملها، لكنها رفضت توفير المياه، مطالبة بتنفيذ المشروع بالكامل أو تركه بالكامل، وهو ما تسبب في تأجيل المشروع أكثر من مرة، لدرجة أنى طلبت من الدكتور سمير أبو سليمان، المدير التنفيذي للمشروع حاليًا، بتنفيذه داخل الأراضي من خلال تركيب مواسير وتوصيلات وترك تشغيل المياه لوزارة الري حتى لا نتسبب في مشاكل، وتأجل المشروع أكثر من مرة حتى كاد المشروع أن يسُحب من قبل البنك الدولي.
وللأسف وزارة الري صعبان عليهم إننا نأخذ المشروع وهم ينفذوا، لأني بحاجة إلى المياه ولا نستطيع توفيرها إلا من خلال وزارة الري، ولذلك كنت بحاجة إلى مقابلة وزير الري لتحديد ما له وما عليه إما أن نهدم هذا المشروع بالكامل.
ـــ ما أين تأتي ميزانية مشروعات الري الحقلي؟
هناك 3 جهات داعمة للمشروع، البنك الدولي شارك بحوالي 100 مليون دولار، وكل من "الإيفاد" و"الأوبك" وفرنسا 50 مليون دولار لكل منهم، بمجموع 250 مليون دولار تقريبا، حيث تعمل كل منها فى محافظات مختلفة عن الأخرى.
وبدأنا بالعمل فى محافظات الصعيد لأول مرة مثل سوهاج وأسيوط وقنا، ثم انتقلنا لبني سويف والفيوم من خلال جدول زمني يشمل جميع المحافظات.
ـــ إلى أين وصل مشروع الري الحقلي؟
بدأ في عام 2010 ولكنه توقف عقب الثورة حتى عام 2013 تقريبا، وبدأت وزارة الري فى الجزء الأول فقط بتطوير "المساقي" دون تطوير المشروع من الداخل ولذلك فإن المنظومة غير كاملة، لأن التطوير من الخارج فقط لن يفيد بشيء.
كما بدأت وزارة الري قبل وزارة الزراعة في محافظتي كفر الشيخ والبحيرة، وكل ما أنجزوه لا يتعدى نصف مليون فدان غير كامل، أي أنه تطوير للمسقى فقط دون تطوير المراوي والمشروع من الداخل، وما تم تطويره بالكامل لم يتجاوز 100ألف فدان فقط .
ـــ لماذا تم إنشاء مشروع الري الحقلي؟ ومن أين أتت فكرته؟
أول بند في استراتيجة وزارة لزراعة 2020/2030، الاستخدام الأمثل للموراد الطبيعية "الأرض والمياه"، وأول مشروع قومي كامل المواصفات، بتحديد خطوات المشروع خطوة خطوة، وميزانية المشروع لكل عام وكيفية التنفيذ، وتحديد دور كل من القطاع العام الحكومي والاستثماري والخاص، من خلال استصلاح نصف مليون فدان كل عام بميزانية 50 مليار على 10 سنوات بمعدل 5 مليارات كل عام، وهو ما لم يحدث حتى الآن، وما تم بالحد الأقصى بلغ 40 ألف فدان.
وفي حديث مع وزير الري السابق الدكتور حسام مغازي، قال لرئيس الوزراء، إن قدرته لن تتجاوز 60 ألف فدان كل عام فرد عليه رئيس الوزراء هل تريد تطوير واستصلاح 5 مليون فدان على 100 عام!، والواقع أنه بعد 5 سنوات لابد من عمل صيانة على ما تم استصلاحه من صيانة المساقي وهذا مستحيل، فرد رئيس الوزراء عليه قائلاً: "لو ترى أنك غير قادر على ذلك أبلغنى وأنا مستعد لجلب شركات من جميع أنحاء العالم".
ـــ ما تفاصيل مشروع الري الحقلي التي عرض على الرئيس السيسي؟
المشروع الذي قدمته للرئيس عبدالفتاح السيسي، يوضح آليات استصلاح نصف مليون فدان سنويا وتوفير فرص عمل للشباب، بعيدًا عن الشركات الكبري وكبار المقاولين، من خلال جمع الشباب وتدريبهم على كيفية تنفيذ المشروع بالإضافة إلى تدريبهم على الصيانة حتى لا تتحمل الحكومة تكاليف الصيانة مرة أخرى، مع الأخذ في الاعتبار أن تكاليف مشاركة الشباب في التنفيذ ستخصم من تكلفة المشروع.
ـــ لماذا كنت تريد الاعتماد على الشباب والفلاحين في مشروع الري الحقلي؟
حتى لا تتكرر الأزمة السابقة مع المقاولين الذين تم إسناد محافظات كاملة لهم حيث تعثر عدد كبير عن استكمال مشروعاتهم ووضع أخرين في القائمة السوداء، وأتحدي لو تعدى معدل التنفيذ أكثر من 40 ألف فدان في العام ﻷن كثير من الوقت يضيع في التأخير لصرف مستخلصات وتعثر المقاولين أما الفلاحين إذا اتفقت معهم على تنفيذ المشروعات وتحمل التكلفة كاملة مقابل تشغيل أبنائهم بها سيوافقون، وهذا ما كان مخطط له ولكن لا يتم تنفيذه.
والمشروع كان يهدف إلى توفير مليون ونصف فرصة عمل للشباب، وإنشاء شركات صغيرة، كما كان يطالب الرئيس بتشجيع المشروعات الصغيرة، وبالرغم من إصدار الرئيس قرار بمنح الشباب قروض بنسبة 5% إلا أن البنوك لن تنفذ رغم تكدس الأموال داخلها، بدلًا من الاقتراض من الخارج وتوفير نفقات الأجانب من ذهاب وإياب للإشراف على المشاريع والتي تضاف على حساب تكلفة الفدان.
ـــ ما هي المشروعات التي قامت على المياه الجوفية ونجحت؟
لا توجد.. لكن أول مشروع يعتمد على المياه الجوفية، هو مشروع المليون ونصف المليون فدان.
ـــ شركة الريف المصري هل لديها الخبرات الزراعية التي تؤهلها لإدارة المشروع؟
شركة الريف المصري المسؤولة عن مشروع المليون ونصف المليون فدان، تفتقد للخبرة وإدارة المشروع وإذا لم ينصتوا للخبراء سيصبح مصير المشروع مثل "توشكى".
ـــ في رأيك لماذا أسند المشروع لبنك الإسكان والتعمير وليس التنمية والائتمان الزراعي؟
بنك الائتمان لديه مشاكل مالية وتعثرات كثيرة لذلك تم إعطاء المشروع وطرح كراسات الشروط لبنك الإسكان والتعمير خوفًا على أموال المستثمرين.
ـــ ما هي الكميات المستخدمة من المياه الجوفية في مصر ولكم عام تكفي؟
لدى مصر 16 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، نستخدم منها حاليًا 8 مليار متر مكعب، تكفي لزراعة حوالي 2 مليون ونصف فدان وكافية، لمدة 100 سنة، والشباب ستكون له كمية محددة من المياه في مشروع المليون ونصف المليون فدان.
هل من حق الشباب والمستثمرين بيع الأراضي بمشروع المليون ونصف المليون فدان؟
ليس من حق أي مستثمر بيع الأرض إضافة إلى الالتزام بالتراكيب المحصولية التي تحددها الدولة.
ـــ مياه الآبار هل تكفي لتنفيذ المشروع.. وما هي المدة الكافية؟
الأبار طبقا لوزارة الري تكفي لـ 100 سنة وهي غير كافية لإنشاء مجتمع كامل لذلك لابد من وضع الصناعات الصغيرة والحرف ضمن المشروع، على سبيل المثال، واحة سيوة من أفضل الأماكن التي تمتلك كل مقومات السياحة الزراعية، والمشروع زراعي صناعي عمراني متكامل حتى لا يصبح توشكى جديدة.
ـــ وهل الحكومة لديها النفقات الكافية لتنفيذ المشروع؟
الحكومة ليست لديها القدرة المالية على تنفيذ المشروع، وبالتالي الاعتماد الكلي سيصبح على البنوك والقروض، وأنا شخصيًا أرفض مبدأ الاقتراض ويجب اللجؤ إلى المستثمرين العرب من خلال تقديم تسيهلات كثيرة تشجع المستثمر، كما أن الحكومة غير قادرة على دفع مستحقات البنية التحتية وبالتالي ستلجأ للبنوك والمستثمرين.
ـــ كم ستكفي المياه من تنفيذ مشروع المليون ونصف المليون فدان؟
المياه ستكفي في حدود تنفيذ 40% لـ 50% من المشروع، في مراحلة الثلاثة أي بمعدل 800 ألف فدان وباقي المساحات ستصبح مناطق عمرانية وصناعية وبنية تحتية.
ـــ هل سيصبح المشروع "توشكى" جديد؟
المشروع لن يكون توشكى جديد وذلك يعتمد على خطة المستثمر خلال العام.. ويجب الالتزام بالخطة حتى لا يصبح توشكى جديد.. ويجب مراقبة المستثمر ووضع الخطة في العقود حتى لا نقع في أخطاء مشروع توشكى.
نقلا عن العدد الورقي.