أصدرت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، اليوم السبت، 5 أحكام هام جاء أبرزها مد أجل الحكم في منازعتي اتفاقية الحدود البحرية إلى 3 مارس، وتأييد صحة تكليف المتهم بالحضور أمام "الجنح" من جانب المدعي بالحقوق المدنية، وتأييد عقوبة الغرامة لرئيس التحرير حال إخلاله بواجباته الإشرافية.
ويرصد "أهل مصر" في التقرير التالي أبرز الأحكام التي أصدر تها المحكمة الدستورية العليا على النحو التالي:
مد أجل الحكم في منازعتي اتفاقية الحدود البحرية إلى 3 مارس
قررت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة 3 مارس المقبل، في دعويين قضائيتين "منازعتي تنفيذ" أقامتهما هيئة قضايا الدولة، بطلب وقف تنفيذ وعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة الذي قضى ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية والتي تم بمقتضاها نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة.
كما أرجأت المحكمة نظر منازعة التنفيذ المتعلقة بعدم الاعتداد بالأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة، ومحاكم القضاء العادي، بشأن ترسيم الحدود البحرية، إلى جلسة 21 يناير الجاري، بناء على طلب المدعى عليهم للاطلاع على تقرير هيئة المفوضين وما قدم من مذكرات.
وذكرت هيئة قضايا الدولة في منازعتي التنفيذ اللتين تم مد أجل النطق بالحكم فيهما، أن حكم محكمة القضاء الإداري يناقض عددا من الأحكام القضائية المتضمنة مبادىء دستورية والتي سبق وأصدرتها المحكمة الدستورية العليا في شأن عدم خضوع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية للرقابة القضائية وعدم اختصاص القضاء بكافة أنواعه بنظر الدعاوى المتعلقة بهذه الاتفاقيات والمعاهدات.
تأييد صحة تكليف المتهم بالحضور أمام "الجنح" من جانب المدعي بالحقوق المدنية
قضت المحكمة الدستورية العليا في جلستها المنعقدة اليوم السبت، برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق رئيس المحكمة، برفض الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص المادة ( 232) من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنه من أن تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات، بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من المدعي بالحقوق المدنية.
وقالت المحكمة– في أسباب حكمها– إن التنظيم التشريعي لحق التقاضي لا يناقض وجود هذا الحق وفق أحكام الدستور، وأن هذا التنظيم لا يتقيد بأشكال جامدة لا تبديل فيها، بل يجوز أن تغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حالة ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر هذا الحق عملًا في نطاقها، وبما لا يصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلًا للحماية القضائية للحق فى صورتها الأكثر اعتدالًا.
وأوضحت المحكمة أن الدستور جعل بمقتضى نص المادة (189) منه سلطة التحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، حقًا أصيلًا للنيابة العامة، عدا الحالات التي يستثنيها القانون، وفي هذا الإطار أجاز النص المطعون فيه أن تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على تكليف المتهم بالحضور من المدعي بالحقوق المدنية، رغبة منه في إيجاد توازن بين حق النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية باعتبارها نائبًا قانونيًا عن المجتمع، جبرًا للضرر العام الذي ينشأ عن الجريمة، وبين حق المدعى بالحقوق المدنية في تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عن الفعل المخالف للقانون.
وأكدت المحكمة أن هذا الإجراء يمثل نوعًا من الرقابة على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية، تفاديًا لإساءتها استعمال سلطتها هذه بالامتناع عن مباشرتها دون مقتض، وتحقيقًا للمصلحة العامة، بوصف أن إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر في هذه الحالة، يُعد حقًا للمضرور، كفله له الدستور بمقتضى نص المادة (99) منه، في حالة الاعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، وكذا في حالة امتناع الموظفين العموميين عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيل تنفيذها طبقًا لنص المادة (100) من الدستور، وكذلك ما خولته الفقرة الأولى من المادة (189) من الدستور، للمشرع من تحديد الحالات التي يجوز فيها لغير النيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية، وكل ذلك عدا ما استثناه الدستور بنص المادة (67) منه، بشأن تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها، والتي قصرها في هذه الحالة على النيابة العامة وحدها.
وذكرت المحكمة أن النص المطعون فيه- في حدود نطاقه المتقدم- قد تضمن قواعد عامة مجردة لا تقيم تمييزًا من أي نوع بين المخاطبين بأحكامه، كما أنه باعتباره الوسيلة التي سنها المشرع لتحقيق الأهداف التي رصدها لهذا التنظيم، يرتبط بتلك الغايات ارتباطًا منطقيًّا وعقليًّا، ومن ثم يكون فيما قرره من أحكام مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا مما حظر الدستور، ليضحي هذا النص غير مصادم لمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، التي حرص الدستور على كفالتهما في المواد (4 و9 و53) منه.
فرض التحكيم قسرا بقاعدة قانونية ينتهك الحق في التقاضي المكفول دستوريا
قضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق رئيس المحكمة، بعدم دستورية نص المادة (26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994، وسقوط الفقرة الأولى من المادة (25) من القانون المشار إليه فيما تضمنته من عبارة "وأن يتم التحكيم بالإسكندرية"، والفقرة الثانية منها، والمادة (27) من القانون ذاته، وكذا المواد من (95) إلى (104) من اللائحة الداخلية لاتحاد مصدري الأقطان، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 507 لسنة 1994.
وقالت المحكمة -في أسباب حكمها- إن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكَم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم فى ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة، مجردًا من التحامل، وقاطعًا لدابر الخصومة فى جوانبها التى أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلًا من خلال ضمانات التقاضى الرئيسية.
وأضافت المحكمة أنه لا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريًا، يُذعن إليه أحد الطرفين، إنفاذًا لقاعدة قانونية آمرة، لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعًا قائمًا أو محتملًا، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه - وفقًا لأحكامه - نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التى يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التى يباشرها المحكمون عند البت فيها.
وذكرت المحكمة أن المحتكمين يلتزمون بالنزول على القرار الصادر في التحكيم، وتنفيذه تنفيذًا كاملًا وفقًا لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها، وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالى بإسناد من الدولة.
وقالت المحكمة إن التحكيم يعتبر نظامًا بديلًا عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التى انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها.
وأوضحت المحكمة أنه مؤدى ما تقدم، أنه إذا ما فرض المشرع التحكيم قسرًا بقاعدة قانونية آمرة، فإن ذلك يُعد انتهاكًا لحق التقاضى الذى كفله الدستور.
لا يجوز إسباغ الصفة القضائية على قرارات اللجان الإدارية
قضت المحكمة الدستورية العليا في جلستها المنعقدة اليوم السبت برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق رئيس المحكمة بعدم دستورية عبارة (وتكون نهائية غير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن) الواردة بالفقرة الأخيرة من المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 155 لسنة 1960 في شأن التزامات النقل العام للركاب بالسيارات في مدينة القاهرة، وكذا عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (6 مكررا) من القرار بقانون ذاته، المضافة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 224 لسنة 1960، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.
وذكرت المحكمة – في أسباب حكمها – أن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل في نزاع معين، يفترض أن يكون اختصاص هذه الجهة محددا بقانون، وأن يغلب على تشكيلها العنصر القضائي الذي يلزم أن تتوافر في أعضائه ضمانات الكفاءة والحيدة والاستقلال، وأن يعهد المشرع إليها بسلطة الفصل في خصومة بقرارات حاسمة، دون إخلال بالضمانات القضائية الرئيسية التي لا يجوز النزول عنها، والتي تقوم في جوهرها على إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها وتمحيص ادعاءاتهم على ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفا، ليكون القرار الصادر في النزاع مؤكدًا للحقيقة القانونية مبلورا لمضمونها في مجال الحقوق المدعى بها أو المتنازع عليها.
وأوضحت المحكمة أن اللجنة المشكلة طبقا لنص المادة (6) المحالة، يغلب على تشكيلها العنصر الإداري، فهي تتكون من مستشار بمجلس الدولة رئيسًا، وعضوية ممثل عن المجلس البلدي لمدينة القاهرة، وممثل آخر عن الملتزم السابق، وعضوين، وهما من غير القضاة ولا يتوافر في شأنهما - في الأغلب الأعم - شرط التأهيل القانوني، كما يفتقدون لضمانات الحيدة والاستقلال اللازم توافرهما في القاضي.
ولفتت المحكمة إلى أن قرارات اللجنة تصدر بالأغلبية المطلقة لأعضائها، ولم يتضمن القانون إلزامها باتباع الإجراءات القضائية التي تتحقق بها ضمانات التقاضي أمامها.
وأكدت المحكمة أن تلك اللجنة لا تعدو أن تكون لجنة إدارية، وتعتبر قراراتها قرارات إدارية وليست قرارات قضائية، ومن ثم فإن النص في الفقرة الأخيرة من المادة (6) المحالة على نهائية قرارات تلك اللجنة، وعدم قابليتها للطعن عليها بأي طريق من طرق الطعن، يكون كل ذلك قد وقع بالمخالفة للحظر الذي تضمنه نص المادة (97) من الدستور بشأن عدم جواز تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ومتضمنًا مصادرة للحق في التقاضي.
تأييد عقوبة الغرامة لرئيس التحرير حال إخلاله بواجباته الإشرافية
قضت المحكمة الدستورية العليا في جلستها المنعقدة اليوم برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة، برفض الدعوى التي أقيمت طعنا على نص الفقرة الثانية من المادة 200 مكررًا (أ) من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 147 لسنة 2006، فيما يتعلق بعقوبة رئيس تحرير الصحيفة في جرائم النشر حال إخلاله بواجب الإشراف عما ينشر.
وأكدت المحكمة – في أسباب حكمها – أن النص المطعون عليه والذي نص على معاقبة رئيس التحرير على إخلاله غير العمدى بواجبات الإشراف إذا نشأ عنها وقوع جريمة بطريق النشر فى المطبوعة التى يرأس تحريرها، بغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تجاوز 10 آلاف جنيه - وازن بين حريتى الصحافة والرأى، والحق فى التعبير، وبين حماية سمعة الأفراد وصون أعراضهم، ولم يجاوز حد العقاب المبين بالفقرة الثانية من المادة (71) من الدستور؛ ومن ثم لا يكون قد خالف نصوص المواد (65 و70 و71) من الدستور.
وأوضحت المحكمة أن الدستور كفل بموجب المادة (65) حرية الرأى والحق فى التعبير، كما صان بمقتضى نص المادتين (70 و71) منه للصحافة حريتها، وحظر رقابتها، إلا استثناءً فى زمن الحرب أو التعبئة العامة، كما حظر مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، بما يحول كأصل عام دون التدخل فى شئونها، أو إرهاقها بقيود ترد رسالتها على أعقابها، أو إضعافها من خلال تقليص دورها فى بناء مجتمعها وتطويره، متوخيًا دومًا أن يكرس بها قيما جوهرية، يتصدرها أن يكون الحوار بديلًا عن القهر والتسلط، ونافذة لإطلال المواطنين على الحقائق التى لا يجوز حجبها عنهم، ومدخلا لتعميق معلوماتهم فلا يجوز طمسها أو تلوينها، بل يكون تقييمها عملًا موضوعيًّا محددًا لكل سلطة مضمونها الحق وفقًا للدستور، فلا تكون ممارستها إلا توكيدًا لصفتها التمثيلية، وطريقًا إلى حرية أبعد تتعدد مظاهرها وتتنوع توهجاتها.
وأضافت المحكمة أن الصحافة تكفل للمواطن دورًا فاعلًا، وعلى الأخص من خلال الفرص التى تتيحها معبرًا بوساطتها عن تلك الآراء التى يؤمن بها ويحقق بها تكامل شخصيته.
وأكدت المحكمة أن هذا الحق وتلك الحرية، وهما من نسيج واحد، لا يتأبيان على التنظيم التشريعى، متى كان هذا التنظيم دائرًا فى الحدود التى تمنع ممارسة حرية الصحافة والرأى والحق فى التعبير من مجاوزة التخوم الدستورية، فلا تنقلب عدوانًا على حقوق الأفراد، ونيلًا من كرامتهم، وطعنًا فى أعراضهم، ومساسًا بحرماتهم، وافتئاتًا على حياتهم.
ولفتت المحكمة إلى أن نص الفقرة الثانية من المادة (71) من الدستور حظرت - فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو بالطعن فى أعراض الأفراد - العقاب على جرائم النشر بعقوبات سالبة للحرية، مما مؤداه تقرير الدستور حق المشرع فى العقاب على جرائم النشر، شريطة ألا تصل العقوبة، فى غير ما استثنى النص، إلى العقوبات السالبة للحرية. لما كان ذلك.