الحديث عن صناعة الأثاث الدمياطى، وقدرة أبناء المحافظة على تشكيل الأخشاب وإخراجها في صورة بديعة لا يتوقف، وبسبب موجة الغلاء وارتفاع الخامات يتخلى الكثيرون عن التصميمات الحديثة ويلجأ للتراث، ولا سيما الموبليا الفرنسي.وتجولت "أهل مصر" بين جدران إحدى "الورش" التي تضم مجموعة من العمال الذين آثروا على أنفسهم، من أجل الحفاظ على تراث المهنة وذوقها، غير مبالين بما تفعله الأسعار أو الأوضاع الاقتصاية، لتكشف رحلتنا كيف يقوم هؤلاء بحديثهم مع الأخشاب والنحاس للخروج بمنتج متميز. فى كل صباح يذهب الحاج إبراهيم داود، إلى ورشته، يجلس وقتًا طويلًا يحدد مايقدمه هذا اليوم.. يتناول قهوته ويمسك بأقلامه ويبدأ رسوماته التى يتم بعد خطوات بسيطة تحويلها إلى واقع خشبى يبهر الناظرين."محدش متوقع إننا بنرسم بإيدينا.. ولكننا على خبر ة تمكننا من القيام بذلك".. بهذ الكلمات بدأ "داوود" كلامه معنا، حيث سرد مواقفه مع المهنة قائلًا: "إحنا شوفنا كتير فى المهنة دى، وبقت جزء من ودمياط فيها أيدى عامله على أعلى مستوى لكن الإمكانيات دايما واقفة ضدهم.. إننا قدرنا ننافس فرنسا صاحبة الفكرة نفسها، وصدرنا شغل هناك ده غير إن السوق الأوروبى بيرحب دايما بشغلنا بخلاف الدول العربية، ويكفى أننا بإمكانيات بسيطة قدرنا نعمل ده".لحظات خيم فيها الصمت راح بانتباهه إلى ما كان يقوم به، فبدأ يمسك بقلمه مرة أخرى وآخذ يبدأ بالرسم، وبعد بضع لحظات عاود حديثه قائلًا: "مهندسين كتير حاولوا يعملوا زينا ماعرفوش.. الصنعة دى سر بتكلمك وبتكلمها وواخدة علينا خلاص.. أنا ممكن أفضل أصنع فى الأوضه الواحدة 6 شهور بس المهم عندى تطلع كويسة الجودة هى معيار نجاحى.. وبنقدم منتج جيد جدا بأسعار تنافسية رغم الغلاء والتحديات اللى بتواجهنا بقالها فترة".بدأنا نتجول أكثر بين جنيات الورشة، وجدنا أحدهم يقف وأمامه جرة من النار لم يتمكن من سرد ما يقوم به بسبب صعوبة ذلك أثناء قيامه بالعمل، ولكن علمنا أننا نقف داخل "المسبك"، ذلك المكان الذى يتم بداخله تصنيع النحاس وتجهيزه للبدء فى تطعيم الموبليا به، وأمام نيران النحاس وقف عدد من العمال. عاد إلينا الحاج إبراهيم مرة أخرى، وقد انتهى من رسمته الجديدة، ليخبرنا عن مراحل التصنيع: "المسبك ده واحد من أهم الحاجات اللى بنستخدمها فى شغلنا.. وممكن نفضل شغالين فيه لشهور طويلة، كل ده عشان نخرج أوضه واحدة بس.. هناك الكثير ممن يعملون فى مجال الأثاث ولكن القليل فقط هو ما يتمكن من الشغل فى هذا النوع.. إحنا بنسعى لتحقيق اسم عالمى لأنه نادر جدًا لما حد يحقق ده فى المهنة دى.. المهنة دى مش مجرد مصدر للرزق وبس.. لا دى هدف وهى فن قبل ما تبقى مهنة، وماتنفعش تموت واحنا هنفضل فيها لحد مانموت نحنا".تلك كانت رسائل عم "إبراهيم" عن مهنته، متمنيًا أن يكون هناك اهتمام بتلك الصناعة وفتح أسواق جديدة أمامها، فهى على مقدرة لإثبات نفسها إذا وجُدت الفرصة الملائمة.
كتب : هيثم مراد