بصندوق خشبى وورد أحمر وابتسامة.. "بائع البهجة" بميدان الدقى

كتب : عزة صقر

فى الساعة العاشرة صباحًا يستقل دراجته الصغيرة التى أهلكها السير بطرقات القاهرة وشوارعها، يُثبت بمقدمتها "صندوق خشبى" مُطلى بألوان مختلفة "الأصفر والبنى والأزرق والأحمر"، يُسقط فيه بعض الوردات والأزهار التى إذا ما وقعت أعينك صوبها تشعرك بمجيئ الربيع، وتجذبك خُطواتك لتهرول نحوه.

رجلًا يقترب عُمره من العقد الرابع، أسمر البشرة، يختفى شعره الأبيض من مقدمة رأسه ويتبقى القليل بجوانبه، وكأنه تبقى ليكون شاهدًا على سنوات الشقاء التى عايشها، يرتدى بنطالًا واسعًا أسود اللون يغرق فيه جسده النحيل، وقميصًا أزرقًا، ُيُمسك بيديه مقبض "الدراجة" ويتدثر على مهلِ، يوزع نظراته يمينًا ويسارًا: يتمتم " يا رزاق يا رب ارزقنا من خيرك.. وبصوتِ أعلى يُكمل"يا رب يا كريم هلً الصباح بنورك".

يقف فى ميدان الدُقى، بالقرب من شارع المساحة، يوزع ابتساماته على المارة، فيغازل أحد المارة من الفتيات" الورد للورد، فتضحك له فتاة عشرينية العُمر"يسعد صباحك يا طيب، هات ورد أحمر، فثغره يعانقه الضحك فرحًا بقليل الجُنيهات التى تُخرجها الفتاة من جيبها لتضعها فى كفه، فلا ينظر إلى كم منحته من مالِ، فيقبض عليها بأطراف أنامله ويقبلها ويمس بها رأسه هامسًا: "ألف حمد وشكر".

يُعيد تنظيم ورداته داخل الصندوق الخشبى، يرش القليل من الماء عليها ليعيد إليها حيويتها وزهوها، ويعاود النداء" الورد... يورد أيامكم تسعدوا وتتهنوا".

تقف إحدى السيدات فى العقد الثالث من العُمر، تنتظر إحدى وسائل المواصلات العامة التى تقلها لمنزلها، تنصت لصوت المُنادى فتلتفت له، وكأنها تتساءل، إذا أقدمت على الشراء لمن تحضر الورد؟.

فأخذت قرارًا سريعًا واقتربت منه، بخجلِ.. بكام الوردة يا عم؟، ليغازلها الرجل" ببلاش للحلوين إل زيك". فنظرت أرضًا تدب حرارة الخجل بوجهها فازداد حُمرة وجهها، ليرد قائلًا:" الورد البمبى للخدود التفاح يا ست العرايس، بس هتاخديه لمين ؟ لجوزك ولا لخطيبك لترد وهى تصطنع اللهو فى محفظه نقودها: هاخده لروحى يا حاج، هاخده ليا ؟ ولا مينفعش؟.

يضحك بائع الورد، وتبتسم عينيه إليها وكأنها تدعوها لمشاركته الابتسام، الورد يشترى ورد؟ وقدم لها وردات باللون الأحمر، ومن ثَم خبأ فى منتصفهم زهرة بيضاء قائلًا: دى مني ليكي.

ثم مضيت ومضى بياع الورد يقطع الطريق بين منتصف العربات، حتى غرق بالزحام، ليأتى دُخان العربات صانعًا غيمة دُخانية بالهواء، أخفت ورائها "صانع البهجة "وتلاشت ورداته.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
مولود كل 16 ثانية.. «الإحصاء»: 107 ملايين نسمة عدد سكان مصر بالداخل