اعلان

مش حيلتي غير الهدوم اللي عليا.. حكاية "مراكبي" ترك عروس البحر المتوسط بحثُا عن الرزق في النيل منذ 30 عامًا

تَجَلَّى قرص الشمس في خجل من بين سحب الغروب المليئة بجزيئات الماء، يغازل أمواج النيل الجامحة، التي اعتادت على زَعْزَعةَ سكون مركب "عم رجب" في المرسى المطل على فندق "الفورسيزون"، مداعبة إياه للنهوض، فصغار العشاق الفارين من حصصهم الدراسية تترصد أعينهم ظهوره، لسرقة لحظات من لوعة الحب على مقاعد مركبه الوثيرة، متأملين السماء ومياه النيل الدافئة المحملة برائحة الأسماك الهاربة من القاع بينما يدوي صوت "فيروز": "رحنا إسكندرية رمانا الهوى.. يا دنيا هنية وليالي رضية".

قرابة الربع قرن، كانت هي الأيام التي قضاها "عم رجب" بعيدًا عن شواطئ عروس البحر الأبيض المتوسط، مدينة الإسكندرية، عاصمة مصر قديمًا، هاربًا من المدينة المعبأ برائحة عائلته التي رحلت سريعًا، فيقول لـ"أهل مصر": "أنا جيت القاهرة من 30 سنة بعد ما تركت أسرتي كلها في إسكندرية عشان لقمة العيش لأني فشلت أجد وظيفة بدون تعليم".ضجيج المراكب في مياه الإسكندرية الهائجة أَقْصَى "عم رجب" الذي كان لا يزال صَبِيّ في العشرين من عمره إلى النيل الذي يحتضن الأشجار على جانبيه، بينما تصطف الفنادق الفاخرة، التي يسكنها كبار المجتمع أمامه، فيروي: "إسكندرية مليانة مراكبية والرزق هناك على أد ما هو كتير لكن متقسم إنما في القاهرة كل واحد ورزقه، وكل شهر اللي بطلع بيه ببعته لأمي وأختي في بحري عشان يقدروا يعيشوا ملهمش غيري بعد موت أبويا اللي كان مراكبي".بجلباب رمادي فَضْفَاض وشال لا يختلف عن رمز الانتفاضة الفلسطينية إلا بلونه الأحمر الداكن، يحتمي جسد "عم رجب" الممتلئ من الصقيع المتصاعد مع نسمات الهواء المرتطمة بأمواج النيل التي تهدأ وتارة تضطرب تارة أخرى، فيقول ويده تسحب حبال الماتور الحديث الموضوع في مؤخرة مركبه ذو اللون الأبيض والأزرق: "أنا مع طلوع الشمس بصحى أشوف مين عايز يركب ويتفسح من العائلات والمراهقين والمرتبطين، والفلوس مثلًا 50 جنيه وعلى حسب الرحلة، ومفيش حيلتي غير الهدوم اللي عليا وجلابية كمان".بالرغم من اعتياد بَدَنه على البرودة إلا أن الاستحمام في مياه النيل بالشتاء، فكرة تمر مرور الكرام بذهن "عم رجب" الذي يصف شعوره بتلك الكلمات: "في الشتاء مقدرش استحمى الجو ثلج لكن الوضوء دايمًا في مية النيل والصلاة في المركب، لكن في الصيف بعوم يوميًا، أما الأكل بشتري من الباعة اللي بيعدوا على الكورنيش لكن الأغلب بقلي وبشوي سمك من اللي بصطاده".بجلباب رمادي فَضْفَاض وشال لا يختلف عن رمز الانتفاضة الفلسطينية إلا بلونه الأحمر الداكن، يحتمي جسد "عم رجب" الممتلئ من الصقيع المتصاعد مع نسمات الهواء المرتطمة بأمواج النيل التي تهدأ وتارة تضطرب تارة أخرى، فيقول ويده تسحب حبال الماتور الحديث الموضوع في مؤخرة مركبه ذو اللون الأبيض والأزرق: "أنا مع طلوع الشمس بصحى أشوف مين عايز يركب ويتفسح من العائلات والمراهقين والمرتبطين، والفلوس مثلًا 50 جنيه وعلى حسب الرحلة، ومفيش حيلتي غير الهدوم اللي عليا وجلابية كمان".بالرغم من اعتياد بَدَنه على البرودة إلا أن الاستحمام في مياه النيل بالشتاء، فكرة تمر مرور الكرام بذهن "عم رجب" الذي يصف شعوره بتلك الكلمات: "في الشتاء مقدرش استحمى الجو ثلج لكن الوضوء دايمًا في مية النيل والصلاة في المركب، لكن في الصيف بعوم يوميًا، أما الأكل بشتري من الباعة اللي بيعدوا على الكورنيش لكن الأغلب بقلي وبشوي سمك من اللي بصطاده".سنوات عمره الـ55 اتخذت من الوحدة خير صديق، فالمركب الذي يحمل العديد من "الكنب" الخشبي المستقر أسفل المفارش الريفية والـ"المخدات" اعتاد على قدم "عم رجب" التي تسير دائمًا بخطوات مائلة وحيدة تبحث عن رفيق، فيكشف سبب امتناعه عن الزواج: "أنا بشوف المراكبية حواليا متجوزين وعندها بنات وحياتهم صعبة، وبعد تفكير لقيت أن الوحدة أرحم من إني أعذب ست معايا وإلا بناتي يناموا في المركب قدام الناس كده".في الخامسة عصرًا، بينما تداعب لحظات السكون وسرب الطيور العائدة لغصون الأشجار سماء القاهرة الذي يطل الغروب منها، تصدح كلمات الأغاني الشعبية من مركب "عم رجب" التي تتأرجح بالركاب، فيقول: "لحد 12 بالليل وأنا شغال وبعدها بربط المركب عند المرسى وأنام وأصحى مع الفجر أصلي وابدأ الصيد".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً