حكاية مواطنان سودنيان هاجرا إلى مصر بحثا عن لقمة العيش.. مأواهما الأخير استراحات كوبرى النيل (صور)

كتب : عزة صقر

يقف شبح الفقر سدًا منيعًا أمام أحلامهم، بعد معاناة بلادهم من ويلات الأزمات الاقتصادية، أجبرهم مهاجرة دفئ أوطانهم إلى حدود بلدان أخرى، بحثًا عن لُقمة العيش يسيرون بخطواتِ مُتقطعة بحثُا عن خيط من النور يتبعون أثره، بأقدام مُرتعشة يخطو إلى المتاهات الطويلة، تدور الأفكار برأسهم فتجثم على أنفاسهم، تساؤلات أسكنت الرعب بقلوبهم فهل سيعودون مكللين بالنجاح والأموال إلى ذويهم؟ أم سيجرفهم الفقر إلى الظلمات، يسجنون داخل دائرته بلا فرار.

بيومِ شديد البرودة، بإحدى الساعات المُبكرة، تختبأ الشمس وراء غيمات السحاب، فتعصف موجات الثلج بكل شيئ، تصطدم بأوراق الأشجار فتجتزه من الأغصان ليتساقط أرضًا مُلتفًا فى دوائر صغيرة والبعض الأخر يحمله الرياح بعيدًا.

هُنا بين ممرات كوبرى قصر النيل، مواطنان مغتربان يحملان الجنسية السودانية، يلتفان بداخل غطاء صغير من أعلى الرأس حتى أسفل القدم، يحتميان بداخله من السقيع، ولكن الغطاء لا يكفى للدفئ، يضعان جانبًا بعض ما تبقى من مقتنياتهم يغفوان بنصف أعين، لا يدركان ما إذا حل الصباح إلى أي مفر سيأخذهم القدر؟.

مع ضغطة أول زر بالكاميرا لم تنتبه أذهانهم لضغطة زر الكاميرا للمرة الأولى، ومع التقاط "أهل مصر" الصورة الثانية، فزع أحدهم وألقى مسرعًا غطاءه وهرول مقتربًا منا، بأعين تحمل الريبة والذُعر، قائلًا: إيه اللى بتعملوه دا لو سمحت؟ مفيش حاجة هو إنتَ إيه اللى مخليك نايم بالشارع كدا؟، يبدو أن الأمان استلقاه قلبه، فالتقط أنفاسه المضطربة واستلقى من جديد على المقعد، ينظر أرضًا يغالبه الصمت، ربما لا يريد استرجاع ما حدث له طيلة أيام اغترابه عن موطنه ببلد أخر، ليقطع الصمت المخيم بالجلسة واستكمل: أنا وأخى من السودان وجينا هنا عشان ندور على شغل".

رغم الحديث بصوتِ جهور والذى كان رُبما ليتطور على أخر وهله لشجار حاد، والثرثرة الطويلة لم يستيقظ أخاه الذى استلقى جانبة على المقعد الأخر، وذا لربما يهرب من الحديث، وربما لا يريد السرد فى حكايته الذى لا يعرف من أين بدأت ويتجاهل معرفة نهايتها التى تفتقد خيط من الأمل، وربما يغطُ فى سباتِ عميق فى محاولة تعويض جسده عن السير بالطرقات والشوارع المحروسة طيل النهار والليل ليستجمع قواه ليستعد ليومِ شاقِ كسابقه.

واستكمل الأخر: "إحنا كُنا الأول بنشتغل فى محلات بنشيل أجهزة كهرابئية ومعدات، وكنا عندنا شقة صغيرة مأجرينها، ولكن الأحوال اتغيرت والشغل مشانا، ومبقاش معانا ندفع إيجار الشقة، فالراجل طردنا برا وبقينا بالشارع لأن ما فى حل".

يدب الألم فى حديثه فيجلس "المواطن السودانى" يمتطى شفتيه بألم وكأنه يرثي حاله لحاله عما ألقاهم به الأقدار، يلتفت لأخاه الذى يغفو جانبه من ثَم ينظر بالجهة الأخرى وكأنه يبحث فى مخيلته عن أسرته ودفئ شوارع منزله وألوان حوائط جدران غرفته وقُبلة طفليه وعناق زوجته، ودعاء والديه، فيغمض عينيه ويتكأ برأسه إلى خلف المقعد يرفع رأسه إلى السماء يُخرج زفيرًا من صدره بدا ممُزقًا قائلًا:" يا رب".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
أسعار الدولار اليوم الإثنين 25 نوفمبر 2024.. اعرف بكام؟