لم يكن يعلم السيد موسى محمد، 41 سنة، صاحب محل "إكسسوارات جلدية" بمنطقة المنشية بوسط الإسكندرية، أن إصابته بـ"الحساسية" كالعادة، ستقوده إلى النهاية ويقع ضحية للإهمال الطبي داخل مستشفى القباري العام بالإسكندرية، خلال ساعات فقط من عبور أبوابه، مترجلا على قدميه، تاركا خلفه 3 أطفال، طفل في الصف الأول الابتدائي، وفتاة في الصف الخامس الابتدائي وأخرى في الأول الإعدادي.
يروى محمد موسي، شقيق المتوفي، لـ"أهل مصر" تفاصيل الواقعة، قائلا إن شقيقه دخل المستشفى على قدميه وخرج منها ميتا، موضحا أنه شعر بتعب نتيجة "حساسية" تُسبب له أحيانا انتفاخات في الوجه وأحيانا أخرى ضيق في التنفس، وذلك عقب عودته من عمله حوالي الساعة العاشرة مساءً وتناوله العشاء مع زوجته.
وأضاف محمد، أنه ذهب وزوجته إلى مستشفى القباري العام لإجراء الكشف الطبي، سيرا على الأقدام، حيث تبعد المستشفى عن منزله حوالي 500 متر، مضيفا أنه أثناء وصول شقيه إلى المستشفى شعر بتحسن في حالته الصحية؛ فطلب من زوجته العودة للمنزل ولا داعي للكشف، إلا أنها أصرت على توقيع الكشف عليه للاطمئنان على حالته الصحية، وعندما عرض على طبيب الاستقبال الأعراض التي تظهر عليه بسبب الحساسية، قام الطبيب بإعطائه "حقنتين في العضل" فشعر بتحسن في حالته، وطلب الطبيب شراء حقنة أخرى من خارج المستشفى له وكانت هذه الحقنة يأخذها شقيقه منذ 3 سنوات، فبحثت زوجته عن الحقنة ولم تجدها متوفرة في الصيدليات بالمنطقة.
وتابع شقيق الشاب المتوفي، أن شقيقه طلب من الطبيب السماح له بالعودة للمنزل وسيبحث عن الحقنة أثناء عودته من العمل، والرجوع إلى المستشفى في اليوم التالي لأخذها، فقال الطبيب إن حالته لا تسمح وأنه سيعطيه حقنة أخرى من العناية المركزة وهي البديل للحقنة المطلوبة.
واستكمل: "الممرضة أحضرت حقنة بديلة، وأثناء إعطاءه الحقنة ودون عمل اختبار قبل إعطاء الحقنة، شعر شقيقي بألم شديد بالقلب فطلب منها هو وزوجته التوقف عن إكمال الحقنة، إلا أن الممرضة رفضت قالت إنتوا مش هتعرفوني شغلي"، مضيفا: "فور أن انتهت من إعطائه الحقنة فوجئوا به يقع على السرير مغميا عليه وخرج من فمه سائل أبيض؛ فحضر على الفور طبيبان وكان قد توقف نبض القلب فحاولا إنعاشه وقاما بوضعه على سرير ونقله إلى غرفة أشبه بغرفة العناية المركزة وتحولت المستشفى إلى حالة من الهرج واحشد جميع أطباء المستشفى داخل الغرفة، دون معرفة ماذا يحدث داخلها".
واستطرد: "بعد قرابة نصف ساعة خرج نائب مدير المستشفى من الغرفة لطمأنتهم وقال إن القلب كان قد توقف نصف ساعة وعاد النبض من جديد وسيتم وضعه داخل العناية المركزة، ثم خرج الأطباء به على سرير متحرك وتم نقله إلى غرفة العناية المركزة ومنع الزيارة عنه".
وأشار شقيق المتوفي، إلى أن "زوجته جلست تبكي وتقول منهم لله أعطوه حقنة موتوه"؛ فخرجت إحدى الطبيبات من الغرفة، قائلة لزوجته: "جوزك قلبه وقف نصف ساعة وإحنا رجعناه تاني وبنعملوا اللي علينا.. شوفي إنتي أكلتيه أو شربتيه إيه" فردت زوجته بأنهما تناولا العشاء معا وحضر إلى المستشفي مترجلا على قدميه، فقالت الطبيبة "لما هو جاي على قدمه جايبينه المستشفي ليه"، لترد الزوجة "هو لازم المريض يكون ميت علشان يجي المستشفى!".
ولفت إلى أنهم كلما سألوا على حالة شقيقه كان الرد "ادعوله"، وفي تمام الساعة الرابعة فجرا حضر إليهم الطبيب نائب مدير المستشفى، وقال له إن حالة شقيقه قد استقرت والنبض عاد من جديد، وطلب أنه لا بد من معالجته من الحساسية عقب تماثله للشفاء، لافتا إلى أنه علم في هذا التوقيت أن شقيقه قد توفى، حيث أكد لهم عدد من العاملين بالمستشفى من أهالي المنطقة أن شقيقه متوفيا لكن أطباء المستشفى يحاولون إخفاء ذلك.
وقال إن أطباء المستشفى سمحوا لهم بزيارته داخل العناية المركزة في الساعة الواحدة ظهرا، للاطمئنان على حالته وذلك من على بعد مسافة متر داخل الغرفة، فوجدوه نائما على سرير العناية بجواره جهاز طبي، فطلب منه أحد الأطباء المتواجدين داخل الغرفة بتهدئة ذويه وأن شقيقه ما زال حيا، وأنه إذا توقف النبض من جديد فلن يستطيعوا إرجاعه مرة أخرى"، مضيفا أن ذلك كان بمثابة "تمهيدا لهم"، وعقب ذلك فوجئوا بالأطباء مسرعين به على سرير متحرك وقاموا بنقله إلى الثلاجة، ثم تم إعداد تقرير مبدئي جاء فيه أن سبب الوفاة تعرضه لصدمة حساسية شديدة أدت لتوقف عضلة القلب، وفي أثناء محاولتهم استخراج تقرير طبي من المستشفى بما حدث لشقيقه شهدوا معاناة كبيرة داخل المستشفى لاستخراج التقرير، مما أدى لتشاجر أحد أصدقاء شقيقه داخل المستشفى.
وأشار إلي أنه ذهب إلى قسم شرطة مينا البصل لتحرير محضر بما حدث لشقيقه؛ فاكتشف أن إدارة المستشفى حررت محضر ضده بتهمة تكسير زجاج المستشفى وإتلاف أشياء به، ثم فوجئ بعد ذلك بمدير الشؤون القانونية بالمستشفى يتنازل عن المحضر وقام بتحويله إلى مشادة كلامية ومصالحة، وعرض عليه توفير أي تجهيزات لدفن شقيقه من توفير "كفن" وغيره، مضيفا أنه تم إنهاء تجهيز شقيقه وتشييعه، وعقب انتهاء العزاء بدأ في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المستشفى لإرجاع حق شقيقه، متهما المستشفى بالإهمال والتسبب في وفاته، مؤكدا أن إدارة المستشفى ورغم الخطأ الطبي الجسيم تعمدت التكتم الشديد على اسم الطبيب والممرضة واسم الدواء الذي تم حقنه به.
وأوضح شقيق المتوفي، أنه تقدم ببلاغ للنيابة وقام رئيس النيابة بالتأشير عليه وتم تحرير محضر بالواقعة حمل رقم 500 لسنة 2018 جنح قسم شرطة مينا البصل، كما أرسل 3 إخطارات لكل من النائب العام ووزير الصحة ورئيس الأمانة العامة للمراكز المتخصصة التابعة لوزارة الصحة، مؤكدا أنه لن يترك حق أخيه، واتهم المستشفى بالتسبب في وفاته وإعطائه حقنة خطأ أودت بحياته، مطالبا المسؤولين بالدولة بحق شقيقه الذي خلف ورائه زوجة و3 أطفال لا يعلمون مصيرهم، وبمحاسبة المتسببين في ذلك.