على بعد خطوات من محطة مترو حلوان، تصطدم بمبنى أثري مهدم يكسوه الأتربة، التي تشرح معاناة جدرانه على مدار مئات السنين، فبعدما كان ملتقى الملوك والأمراء، تحول إلى ملتقى المشردين، ولصوص الآثار، ومتعاطي المخدرات.
تجده عبارة عن بقايا بناء أثري بأسقف عارية، وجدران متآكلة، وأرصفة متلاشية، وأرض يغلب عليها الحصى والحجارة وما بينهما من حقن متعاطي المخدرات، ممتليء بالوطاويط والزواحف والثعابين القاتلة، كل ذلك بجانب إخفاء معالمه الأثرية، وكأن القصر يحذر كل من يحاول الاقتراب منه، تشعر بداخله كأنك معزول عن العالم الخارجي.
إنه قصر الخديوي توفيق الواقع بالجهة الخلفية لمستشفى حلوان العام، كان في البداية سكنًا للأميرة عين الحياة زوجة السلطان حسين كامل، الذي حكم مصر، مساحته 24 فدانًا، به ثلاثة طوابق، وتمثالان من أصل أربعة تماثيل أثرية على جوانبه، ويتكون من مبنيين، وهما "الحرملك" الذي يتكون من دورين عدا بدروم له، بني على طراز معماري كلاسيكي، متأثرًا بمباني عصر النهضة الأوروبية، و"السلاملك" وهو مكون من دور واحد وبدروم، بجانب المباني الملحقة لإقامة الخدم والمطابخ والإسطبلات، كما بنى الخديوي توفيق بجانب القصر، فندقًا أخر لاستيعاب الأعداد التي تأتي إلى حلوان للاستشفاء، وكازينو للترفيه عن سكان مدينة حلوان، وحديقة تحولت الآن إلى مأوى للقمامة.
وفى بداية القرن الماضي كثرت القصص الخيالية من الناس حوله، فالبعض يؤكد أنه أصبح سكنًا للأشباح، حتى أصبح لغزًا لأهالي حلوان، فبعدما كان تحفة معمارية لعقود طويلة من الزمان، أصبح مكان للتنقيب بحثًا عن الآثار، وتكسير الأسقف والحوائط لسرقة الحديد والأخشاب، وبالرغم من عظمة البناء، إلا أن عدم التفات المسئولين إليه، أو مجرد استكشافه، كان له الأثر الأكبر في دفع مجهولين إلى احتلال أساس القصر، حتى ساده الخراب.
وبسؤال الأهالي المتواجدين بمحيط القصر، قال أحمد الصياد الذي يقيم في المنزل المطل على القصر منذ 25 عامًا،"ده قصر الخديوي توفيق، يوجد به 360 غرفة بعدد أيام السنة، وعلى مر السنين استخدم كمستشفى، ولكن عندما بنيت مستشفى حلوان العام الحالية المجاورة له، أصبح المكان مهجور، ولا أخشى المرور بداخله، وأسطورة الأشباح اخترعها لصوص أثاث القصر، حتى يخشى الناس الاقتراب منه، ومن محتوياته".
وقال عبد الرحمن سيد، صاحب سوبر ماركت،"ا لإهمال بقى سيد المكان، المفروض أنه أثري، ولكن للأسف أصبح مكان مهجور مرعب، وأي شخص عايز يشرب مخدرات بيجي المكان هنا".
وبينما نحن نتجه إلى القصر، صرخ صلاح محمد فرد أمن بمستشفى حلوان العام المجاورة للقصر، وحاول أن يمنعنا من دخوله، ثم قال:"اشتغلت فرد أمن في المستشفى من 4 سنوات، وسمعت حكايات كتير عن المبنى ده، ولكن المعروف أنه قصر الخديوي توفيق، وتحول إلى معمل تحاليل من عشر سنوات تقريبًا، وحاليًا بقى مهجور"، قائلًا "اللي بيقتل واحد بيجي هنا يرميه ويمشي.. واللي عايز يضرب حقن، والهربانين من أحكام بيجي هنا يستخبى، وبيستغلوا أن مفيش حراسة على المكان".
وقال اللواء أسامة النحاس رئيس حي حلوان، إن قصر الخديوي توفيق بحاجة إلى اهتمام كبير من قبل الدولة، من خلال التعاون مع وزارتي الأوقاف والآثار، لإعادة تأهيل القصر، لأنه من التراث المعماري العريق، كما يجب استثمار القصر بعد ترميمه وتطويره، محذرًا من اندثاره في حالة بقاء الوضع على ما هو عليه.
وفي سياق متصل، قال فرج السيد الأمين العام لاتحاد العرب المرشدين السياحيين، إن إهمال الآثار تسلل إلى الأغلبية العظمى من المباني الأثرية في مصر، وليس في قصر الخديوي توفيق فقط، ومن الأسباب الأساسية لتلك النتيجة عدم وعي القائمين على وزارة الآثار بقيمة الآثار، رغم أن مصر بها ثلث أثار العالم، ولذلك يصعب تقديرها والمحافظة عليها من الهلاك.
وأشار" فرج"، إلى قلة ميزانية وزارة الآثار، والعائد الأساسي لها من السياحة الذي تراجع منذ أكثر من بضع سنوات، مما أدى إلى عدم توافر موارد للترميم، بجانب أن الكثير من تلك الآثار إلى وزارة الأوقاف، التي لا تلتفت للآثار بصفته أثرًا.
وكان تعليق وزارة الآثار على قصر الخديوي توفيق، أن هذا المبنى غير مسجل ضمن الآثار الإسلامية والقبطية، ولا يخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، وتعديلاته بالقانون رقم 3 لسنة 2010، وإنما مسجل ضمن المباني ذات الطراز المعماري المتميز، وجاء ذلك بعدما شكلت الوزارة لجنة لفحص القصر.