لا صوت يعلو فوق صوت الآلم والصراخ والعويل، فى قرية برج مغيزل التابعة لمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، حيث استيقظت القرة على خبر غرق مركب يقل 15 صيادا من أبناءها، منهم من نجا ومنهم من غرق، إلا أن الحسرة تملئ قلوبهم لعدم معرفة مصيرهم."أهل مصر"، انتقلت للقرية المنكوبة لترصد اللحظات الأخيرة فى حياة 10 من أبناءها قبل فقدانهم فى عرض البحر أمام السواحل الليبية، عائلة "السمسار" التى تعيش فى منزل متوسط تخرج منه صراخات السيدات اللاتي ارتدين الملابس السوداء، بعد أن فقدت اثنين من ذويها فيما نجا الثالث، أجرينا مقابلة مع رب الأسرة عبد السلام حسن بهنسى، البالغ من العمر 80 عامًا، الذى ظهر الآسى، بعدما أصيب بصدمة نفسية عقب علمه بخبر نجاة أحد أبناءه وفقدان الآخر بالإضافة إلى شقيق زوجة نجله الناجي.يقول عبد السلام: "ولادي الاتنين بيجروا على أكل عيشهم، خرجوا على مركب الحاج نصر، فى رحلة صيد شرعية، وكان مفروض يرجعوا أمس، لكن لم يعودو حتى الناجى محتار ما بين المستشفيات فى السلوم، لأنه مُصاب بكسر فى القدم ويحتاج عملية جراحية عاجلة، قالولنا ولادكم هيرجعوا النهاردة لكن لم يحدث، ابنى محمد المفقود، خلص تعليم والتحق بالقوات الخاصة فى الجيش وانهى الخدمة، وراح يموت فى البحر، ممتش من الإهاب! كان بيجهز نفسه علشان يتجوز لكن القدر ما أمهلوش، والسيد متزوج وعنده ولدين، وبنته عاجزة مش بتتكلم، وظروفنا على قد حالنا".يضيف الأب المكلوم: "ابنى الناجى مش عارف أتواصل معاه وجات ناس أخدت صور البطاقات الشخصية علشان يخرجوهم، لكن مشوفنهمش، وبقول للرئيس انظر لينا وعالج ولادنا ورجعلنا جثث الباقين، زوجة ابنى منهارة أخوها وسلفها راحو وزوجها مش عارفة عنه حاجة لسة".وبصراخ وبكاء تطالب الأم، الرئيس السيسى بالبحث عن جثة نجلها وشقيق زوجة ابنها المفقودان، "عاوزين ولادنا مش هنقبل العزا إلا لما الجثث ترجع ونارنا تبرد، عليه العوض ومنه العوض لكن عاوزين نشوفهم".لم تكن هذه العائلة الوحيدة التى فقدت ابنًا من أبناءها، بينما فقدت عائلة أبو رزق ابنها عيسوى محمد عيسوى أبو رزق، ويقول والده: "لم أكن أعلم أن مصير نجلى سيكون فى البحر ولو علمت لما سمحت له بالسفر، هنعمل إيه ملناش مصدر رزق، طول عمرنا شغالين فى البحر فى مهنة الصيد وعيالنا بيسافروا على مراكب يصطادوا فى المياه الأقليمية، وبنبقى قاعدين على أمل رجوعهم لكن قدر الله نفذ، وفوجئنا باتصال هاتفي من أحد الصيادين الناجين من عرض البحر يخبرنا بغرق المركبين وعلى متنهما زملاؤهم، وأشار إلى أنهم أصيبوا بحالة إغماء وتم نقلهم للمستشفى".وقال فرج المزين، ابن عم الصياد المفقود محمد فرج إبراهيم المزين،21 عامًا والمقيم بقرية برج مغيزل التابعة لمركز مطوبس فى محافظة كفر الشيخ، إن نجل عمه تخرج فى أكاديمية العلوم والتكنولوجيا البحرية على أمل العمل على متن المراكب التجارية، إلا أن الحظ لم يحالفه حتى الآن فقرر العلم فى مهنة والده "الصيد" ليساعده فى الإنفاق على أشقائه الـ5 وأنه سافر إلى ليبيا منذ 7 يناير الجارى فى رحلة صيد رسمية عبر المركب المُسماه الحاج نصر ومعه 14 من زملائه وكان مفترض أن يعودوا اليوم، إلا أنهم تلقوا اتصالًا من أحد الصيادين العاملين فى ميناء طبرق يبلغهم بغرق المركب وفقدان من كانوا على متنها.وأضاف "المزين"، أن نجل عمه كان يعمل فى مهنة الصيد لعدم وجود فرص عمل وليكون حياته ويتزوج، وأن والدته أصيبت بحالة إغماء فور معرفتها بفقدان نجلها وأن السيدات تجمعن فى المنزل لمعرفة الأحوال، منتظرين أي خبر يطمئنهم على ذويهم، مشيرًا إلى إنهم لم يتلقوا أي اتصالات من المسئولين تطمئنهم على المفقودين، وأنهم يشاهدون شاشات القنوات الليبية والمصرية، آملين فى تحرك الخارجية المصرية للبحث عن أبنائهم.وكان مركب صيد مصري، قد تعطل المحرك الخاص به لسوء الأحوال الجوية التي وصلت سرعة الرياح فيها إلى 70 عقدة بالساعة مما أدى إلى جرف المركب إلى ناحية الساحل واصطدامها بالصخور مما أدى إلى غرقها ونجاة 5 أشخاص بينما لا يزال 10 آخرين فى عداد المفقودين، وتواصل السلطات الليبية البحث عن المفقودين.
كتب : كمال عبد الرحمن