«مصر ظلت واحدة من أعلى دول العالم فى معدلات تلوث الهواء».. حقيقة لا يمكن الهروب منها، خاصة مع تعدد أساليب ذلك التلوث.فعلى الرغم من تصريحات المسئولين المستمرة بشأن وضع الخطط والقوانين لحماية البيئة من التلوث، إلا أنه في المقابل تتصاعد السحب السوداء والأدخنة الكثيفة التي تغطى أجواء البلاد فى قراها ومدنها، وأصابت آلاف المصريين بأمراض الصدر الخطيرة.«مكامير الفحم» إحدى أهم مصادر التلوث الخطيرة التي انتشرت في طول البلاد وعرضها وخاصة في الدلتا وزادت عقب الفوضى التي صاحبت ما بعد ثورة يناير، لتتخطى 5 آلاف مكمورة حتى الآن، وفقا للإحصائيات، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض الصدرية في هذه المحافظات بنسبة 50%، مع تدمير الزراعات نتيجة تلوث الهواء بثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت المتسبب في الأمطار الحمضية، وتتسبب تلك الغازات في شبورة تكسو قرى الدلتا التي تزيد من معدلات حوادث السيارات.ورغم أن قانون حماية البيئة رقم 9 لسنة 2009، جرم تلويث البيئة، وشدد العقوبات عليها، ووضع معايير ومواصفات لمعدلات التلوث المحتملة، وغير المؤثرة على صحة الإنسان، إلا أن مصر ظلت واحدة من أعلى دول العالم فى معدلات تلوث الهواء، لأن الحكومة لم تتخذ خطوات جادة على أرض الواقع.تعد مصر واحدة من أشهر الدول فى تصدير الفحم النباتى، الناتج عن حرق أخشاب الأشجار داخل مكامير الفحم، وتصل صادراتها إلى ملايين الدولارات سنويًا، وبالتالي يجب على الدولة محاولة تطوير صناعة الفحم في المكامير، بدلًا من استمرارها فى العمل بالطرق البدائية.قال أحد أهالى مدينة الزقازيق: «إن معظم أهالى المدينة يعانون أمراضًا صدرية نتيجة الأدخنة الكثيفة المتصاعدة من المكامير، كما تمتد تلك الأضرار إلى المدن المجاورة»، مطالبًا وزارة البيئة بنقل المكامير بعيدًا عن الأهالى ورفع المعاناة عنهم، مع توفير مساحة خاصة بهم والحفاظ على صحة العاملين بها.وأضاف أحد أصحاب المكامير أنه لا يمكن إلغاء تلك الصناعة بشكل نهائى، لأنها مصدر رزق رئيسى لعدد كبير من أهالي العمار والقرى المجاورة، ولا يوجد بديل لها، لافتا الى أن كل مكمورة يعمل فيها أكثر من 10 أشخاص، يضطرون إلى العمل فى ظل ظروف قاسية، نظرًا لعدم توافر فرص عمل بديلة، رغم الأضرار التي تصيبهم من العمل بها.كما أكد آخر أنه لا يمانع النقل أو التطوير، محملًا المحافظة ووزارة البيئة والصندوق الاجتماعى للتنمية مسئولية عدم المساعدة على تطوير الصناعة، رغم الوعود بتقديم الدعم، مشيرا إلى ضرورة تقديم الدولة يد العون لتطوير تلك الصناعة، موضحا أن صناعة الفحم تسهم بشكل كبير فى الاقتصاد القومي، بالإضافة إلى دورها فى الحد من البطالة، وتشغيل فئات مثل السائقين وتجار الأخشاب والموزعين.وأضاف: «هناك مطالبات بإنشاء مصنع لإنتاج الفحم فى المحافظة، لأن طريقة التصنيع الحالية بدائية، وهى نفسها الموجودة منذ عهد الفراعنة».وقال رئيس قسم أمراض الصدر فى طب الزقازيق إن نسبة الأمراض الصدرية فى مصر مرتفعة جدًا نتيجة لتلوث الهواء، لافتا الى أن 50% من سكان القرى والمناطق التى توجد فيها مكامير فحم أو قمائن طوب، يعانون عادة من أمراض صدرية، حسب مناعة كل منهم، مشيرًا إلى خطورة عملية التفحيم على الصحة، لأنها عملية احتراق غير كامل للأخشاب، ما ينتج عنه أدخنة سوداء تحتوى على حبيبات كربون، بالإضافة إلى إطلاق غاز أول أكسيد الكربون السام، الذى يتحد مع «الهيموجلوبين» فى الدم، ليمنع الجسم من الاستفادة بالأكسجين، كما يؤدى الكربون عند استنشاقه إلى تهيج الجهاز التنفسى، وحدوث أزمات صدرية، خاصة للأطفال وكبار السن، ومرضى حساسية الصدر والربو.وأخيرًا، يطالب أصحاب المكامير وزارة الصناعة بالتدخل لإمدادهم بالتكنولوجيا الحديثة اللازمة لإنتاج الفحم بطريقة لا تؤثر على البيئة أو صحة المواطنين، ووجود تصميمات حديثة لتلك المكامير، تجعل عملية التفحيم أقل تلويثا للهواء، إذا تمت إدارتها بشكل جيد.نقلا عن العدد الورقي.