مستقبل الطاقة خاصة المتجددة منها كان محور حديث الدكتور علي عبدالنبي، الخبير في المفاعلات النووية ونائب رئيس هيئة الطاقة النووية السابق، الذي أكد أن الطاقة هي الطريق المثالي للتنمية والمنافسة وقوة الدولة، لافتا في حوار من العيار الثقيل أن الاستثمارات في الطاقة هو استثمار في المستقبل وأن الصراع على من يملك تكنولوجيا الطاقة لايتوقف بين الدول، مشيرا في سياق حديثه عن أهم تحولات مصر في مجال الطاقة وماينتظرها وأهم المحاذير وإلى نص الحوار..
ـــ بداية ..التجربة النووية فى مصر هل هى الأفضل فى الوقت الحالى من الطاقة المتجددة (شمس ورياح) ؟
لا نستطيع أن نفضل طاقة نووية على طاقة متجددة ، لأن جميع مصادر الطاقة، يجب أن نستخدمها ونتعامل معها ونوطنها فى المصانع المصرية، كما يجب على الدولة تقديم الدعم المالى والمعنوى لتطوير هذه التكنولوجيات على مستوى الجامعات ومراكز الأبحاث والمصانع المصرية.
ورؤيتى الشخصية وأنا متخصص فى مجال المحطات النووية لتوليد الكهرباء وفى الطاقة عموما تتلخص فى أن الطاقة النووية هى طاقة المستقبل.
ـــ لماذا تأخرت مصر في دخول مجال الطاقة النووية من وجهة نظرك؟
مصر تأخرت كثيرا فى إدخال التكنولوجيا النووية واستخدامها لتوليد الكهرباء كما تأخرت فى الأبحاث النووية، وكان ذلك بسبب سياسات خارجية وظروف داخلية، منها اللوبى الصهيونى الذي مارس ضغوطا على الغرب وأمريكا لمنع مصر من إمتلاك التكنولوجيا النووية، فكانت هناك ضربات استباقية من جانب اللوبى الصهيونى، ومن أهم هذه الضربات تفتيت البنية التحتية للأبحاث النووية ومشروع تنفيذ محطة نووية لتوليد الكهرباء.
ـــ لماذا لجأت القاهرة إلى الروس فى إنشاء المحطات النووية؟
مصر بدأت خطوات البرنامج النووى منذ سنة 1955 وفى18 سبتمبر 1956 تم توقيع عقد مفاعل تجريبى روسى قدرته 2 ميجاوات بمشتملاته، وتم تشغيله فى27 يوليو 1961.
ومن خلال هذا المفاعل تم تكوين كوادر مصرية لها مكانتها العلمية والفنية على المستوى العالمى، وهذا ما أزعج اللوبى الصهيونى، واتبع الضربات الاستباقية لإجهاض أى محاولة مصرية للتقدم فى هذا المجال.
وبناء على ذلك فقد باءت جميع محاولات مصر للحصول على مفاعلات سلمية لتوليد الكهرباء من الدول الغربية وأمريكا بالفشل.
وكانوا يقولوا لنا وبصريح العبارة «إذا كنتم تريدون محطات نووية علشان توليد الكهرباء، فاحنا ممكن نعطوا لكم محطات تعمل بالفحم وبلاش».
هذا الكلام لم يمكن باستطاعتي التصريح به وقتما كنت مسئولا فى وزارة الكهرباء، لكن بعد خروجى على المعاش ذكرت فى أول حوار لى أن «مصر لن تستطيع الحصول على مفاعل نووى لتوليد الكهرباء إلا من روسيا وبالأمر المباشر»، الحمد لله جاء اليوم الذي أشهد فيه توقيع عقد مع روسيا وبالأمر المباشر، والحمد لله تحقق ما كنت إطالب به من سنة 2009.
ـــ إذا الأمر سياسيا في المقام الأول؟
الموضوع بالفعل يخضع لحسابات السياسة أولا وليس فنيا فقط، فمن الناحية الفنية فجميع مفاعلات الجيل الثالث تمتلك نفس السمات ونفس نظم الأمان لكن مع إختلاف التكنولوجيات روسيا نفذت مفاعلين فى الصين (تيان وان 1-2) من نفس نوع مفاعل الضبعة لكن قدرة المفاعل أقل (1000 ميجاوات) ، ودخلوا الخدمة فى 2007 ، وفى 2015 كان ترتيبهم الأول عالميا فى الأمان.
ـــ هل مصر قادرة على التحول لتصبح مركز أقليمى للطاقة ؟
كل شئ ممكن، لكني أرى أن تحقيق ذلك صعبا فى المنظور القريب نظرا للظروف التى تمر بها البلاد لكن ماذا نقصد بمركز أقليمى للطاقة ؟ - هل المقصود مركز اقليمى لمصادر الطاقة وهى الأحفورية والنووية والمتجددة ؟ ، أو يكون المقصود بالمركز الأقليمى للطاقة الكهربائية ؟، ولو كان المقصود أن تكون مصر مركز اقليميما للطاقة الكهربائية ، فهذا العمل يحتاج بنية تحتية قوية جدا وخاصة شبكة نقل الكهرباء والتى تحتاج الى أكثر من 300 مليار جنيه لتطويرها، حتى تطوير الشبكة لابد وأن يتم لنستطيع ربط محطة الضبعة النووية بالشبكة .
ـــ وما الذى نحتاج إليه لنتحول إلى دولة مصدرة للكهرباء؟
من الناحية المالية مصر في حجة لتوفير الموارد المالية لتنفيذ عملية الربط وتطوير البنية التحتية لشبكة نقل الكهرباء وتتعدى المبالغ المطلوبة لتنفيذ الربط مئات المليارات من الجنيهات، وتنفيذ الربط بين السعودية واليونان وقبرص يحتاج عدة سنوات .
ـــ هل تجربة الدكتور محمد شاكر ناجحة في الكهرباء؟
الدكتور محمد شاكر، على رأس وزارة الكهرباء، هى أحد الوزرات التى تجد دعما مباشرا من الرئاسة، نظرا لخطورة قطاع الكهرباء، ولا نستطيع الحكم على نجاح تجربته إلا من خلال وضعه فى نفس الظروف التى عايشها من قبله وزراء الكهرباء السابقين، لكن الدكتور شاكر ليس من أبناء الكهرباء، ومن المفضل أن يكون وزير الكهرباء من أصحاب السلاح لأنها وزارة لها خطورتها ولها أهميتها على مستوى الأمن القومى، ومن المفضل أن يكون الوزير قد عمل فى محطات التوليد والمشروعات.
ـــ ما هى مشاكل هيئة الطاقة النووية وما هى وسائل تطويرها ؟
مصر تمتلك ثلاث هيئات نووية وهى «هيئة الطاقة الذرية» وهى الهيئة الأم ، وهى هيئة بحثية تقدم أبحاث نووية فى جميع العلوم وكدرها كدر علمى مثل الجامعات، الثانية هي هيئة «المواد النووية» وهى هيئة بحثية تقدم أبحاث نووية فى اكتشاف الخامات النووية على مستوى مصر، وكدرها كدر علمى مثل الجامعات، ثالثا «هيئة المحطات النووية» لتوليد الكهرباء ، وهى تنفيذية لإنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء، وكدرها كدرعام، والثلاث هيئات النووية تتبع وزارة الكهرباء.
ولو تحدثتا عن وزارة الكهرباء، بداية من أول وحدة توليد بخارية، أقيمت في الإسكندرية بكرموز عام 1895 وحتى الآن، فنجد أن وزارة الكهرباء متخصصة فى محطات التوليد التى تعمل بالبترول والغاز الطبيعى والمساقط المائية وكذا متخصصة فى شبكات نقل الكهرباء وشبكات توزيع الكهرباء.
وهذه التخصصات تعتبر متقاربة ويمكن التناغم والربط بينها، لكن تخصص طاقة نووية وطاقة جديدة ، فتعتبر بعيدة كل البعد عن الأعمال التى تخصصت فيها وزارة الكهرباء.
ـــ ماذا عن مشروعات الطاقة الشمسية؟
هناك محطة الكريمات للطاقة الشمسية الحرارية لتوليد الكهرباء قدرة 20 ميجاوات وهو مشروع فاشل، والمحطة لا تعمل، وبخصوص المشروع الجديد لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية فى قرية «بنبان» بمحافظة أسوان، وهومن أكبر المشروعات على مستوى العالم من حيث كمية القدرة المنتجة فى مكان واحد من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، لأنه سينتج حوالى 2000 ميجاوات، هذا المشروع يستخدم الخلايا الكهروضوئية وهى تعمل بواسطة ضوء الشمس ولا تعمل بحرارة الشمس، وهذه الخلايا كفاءتها تقل كلما ارتفعت درجة حرارة الجو، ونحن نعلم أن درجة الحرارة فى أسوان تصل لأكثر من 40 درجة مئوية فى بعض الأوقات من العام ، ودرجة الحرارة المناسبة لعمل هذه الخلايا تقل عن 30 درجة مئوية ، وبالتالى فإن كفائة هذه المحطة سوف تقل كلما ارتفعت درجة الحرارة عن 24 درجة مئوية ، وسوف يقل بالتالي العمر التشغيلى للمحطة وتكثر الأعطال، وستصبح غير ذى جدوى إقتصادية، هذا ما حذر منه خبراء الطاقة الشمسية المصريين، وقالوا إن أفضل مكان لهذه المحطة هى المناطق الشمالية من مصر.
ـــ طالبت بانشاء وزارة للطاقة المتجددة لماذا؟
من الأفضل أن يتم إنشاء وزارة للطاقة المتجددة فى مصر نظرا لأهمية هذا المصدر الهام من مصادر الطاقة كما فعلت الهند.
ـــ هل يمكن لمصر أن تطور من ابحاثها النووية المتعلقة بالطاقة؟
على مستوى الطاقة النووية ، فمجال الأبحاث فى الطاقة النووية لا يمت بصلة لتخصصات وزارة الكهرباء، وبالتالى فلابد من إنشاء وزارة متخصصة للطاقة النووية تضم الهيئات النووية الثلاث، حتى الآن لم تجد الهيئات النووية أب شرعى لها.
وللأسف نشاط الأبحاث النووية هو نتيجة لمجهود فردى من الباحثين وليس موجه لخدمة الخطة الاستراتيجية للدولة، ولأن خطة وزارة الكهرباء بعيدة عن هذا المجال، فأصبحت الأبحاث النووية دون المستوى ولم نسمع عن بحث وصل الى المستوى العالمى ، وذلك لعدم وجود مجموعات وفرق عمل بحثية موجهة لخدمة خطة الدولة.
نقلا عن العدد الورقي.