ads

تعرف على «الحسيدية».. صوفية اليهودية

صورة تعبيرية

كثيرًا ما يدعي المجتمع الصهيوني بالإجتماع والتماسك والوحدة فيما بينهم. ولكن حقيقتهم لا تمس إدعائهم بشيء من الصحة. فهم متفرقين إلى مذاهب وفرق مختلفة، وقد كتب عليهم الشتات والتفرق والتيهة.

فقد ذكر القرآن الكريم الكريم قصتهم لنا، لنأخذ الموعظة والعبرة، فقد كذب اليهود أنبيائهم وقتلوهم ونشروا الفساد في الأرض، وقد نهانا الله عز وجل عن التأسي بهم أو فعل أفعالهم. ومن أهم ما نهانا الله عنه الإختلاف والإفتراق. حيث قال تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا".

وما يلي أهم مذاهب اليهود ومنها:-

الحسيدية:

وهي مشتقة من الكلمة العبرية «حسيد» بمعني التقي، وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى عدة فرق دينية في العصور القديمة والوسطى، أما في العصورالحديثة يتم استخدامه للإشارة إلى الحركة الصوفية التي أسسها وتزعمها «بعل شيم طوف».

نشأة الحسيدية:-

بدأت الحركة الحسيدية في أوروبا الشرقية القرن الثامن عشر، وترجع نشأتها لعدة أسباب منها:-

1- إعادة النفوس والنية الصافية والأخلاق والتعبد الصحيح في حياة اليهود، حيث أدى إنشغال اليهود بعملية استخلاص الأحكام التي لا نهاية لها تحت سلطة التلمود والحاخامات في نشر حالة من الغياب الروحي والديني والأخلاقي.

2- اضطهاد الفقراء وعامة الناس من قبل زعامة الحاخامات، والتفرقة الطبقية التي انتشرت بين اليهود، والتشدد والمغالاة التي واجهها اليهودي والذي يخالف تعاليم الحاخامات.

وقد تعرضت الحركة الحسيدية للمعارضة الشديدة من قِبل اليهود التقليديين والربانيين، الذين شعروا أن تلك الحركة جذبت معظم اليهود إليها، وصرفهم عن سلطة الحاخامات، ولم يتوقف الأمر لمعارضتها بل وصل إلى تكفيرهم واتهامهم بالردة والخروج عن اليهودية.

ومن أهم الحركات التي عارضت الحركة الحسيدية حركة الـ«هسكلاه»، والتي اعتبرت تابعي الحسيدية رجعيين ومتخلفين، فتعمدوا في تأليف الكتب ضدهم والتجسس عليهم، بل وصل بهم الأمر لتأليف قصص وكتب نسبوها لزعماء الحركة الحسيدية، ونشروا من خلال هذه الكتب مبادئ الحركة الإصلاحية.

وينسب اليهود الحسيديم إلى الطائفة الأرثوذكسية إلا أنهم يختلفون عنهم في العادات الدينية والسلوك والتقاليد، بالإضافة إلى لغتهم الخاصة بهم وهي «اليديش» وهي عبارة عن مزيج من اللغة العبرية والألمانية القديمة المحرفة التي تكتب بالعبرية، وهذه اللغة مقتصرة فقط على الحسيديم فقط.

أبرز الشخصيات الحسيدية:

1- بعل شيم طوف (1700 – 1760 ):

هو مؤسس الحركة الحسيدية، وكان يطلق عليه أيضا (ب ش ط) وهي الأحرف الأولى من اسمه، و(بعل شيم) عبارة عبرية تعني سيد الاسم، وقد أطلق هذا اللقب على مجموعة من الدراويش اشتهروا بتملك قوة الاسم، وقدرتهم على الاتيان بالمعجزات وكان «بعل شيم طوف» من بين هؤلاء ومعنى اسمه « ذو السمعة الطيبة» أو « صاحب السيرة العطرة»، قد امتلك قوة حتى أصبح قادرًا على التحكم بالكون من خلال التحكم بالذات الإلهية.

وُصفت حياة «شيم طوف» بأنها سلسلة من الأحداث الخارقة والمعجزات، وكان يحيط بها شيء من الغموض حيث توجته الروايات والمأثورات الشعبية بهالة من القداسة.

ولد «طوف» لأبوين فقيرين في جنوب بولندا، وتيتم في طفولته، وقضى أول شبابه يعمل في المدارس الدينية، وفي عشرينيات عمره ذهب للغابات واشتغل بالأعمال اليدوية وبدأ دراسة القبلاة (دراسة التعاليم الدينية ونصوص التوراة)، وأمضى حياته متنقلا بين بولندا وأوكرانيا يساعد المحتاجين ويشفي المرضى ويلقي المواعظ الدينية رغم عدم تلقيه التعليم الحاخامي اللازم.

تميزت نظرياته بأنها مصطفاه من مصادر يهودية خاصةً القبالاه إلا أنه أضاف إليها الكثير من التراث الديني المسيحي، حيث خلق نوع جديد من الفلسفة الصوفية الجديدة، وقد تلخصت تعاليمه بأن الإنسان يبحث عن وسيلة الإلتحام والإلتصاق بالإله، بل التوحد معه حيث يستطيع التوصل إلى القوة الروحية الكامنة في أي شيء.

بالرغم من أن «بعل شيم طوف» مؤسس الحركة إلا أنه لم يترك أية كتابات باسمه ما عدا بضعة خطابات، ولكن تعاليمه الشفوية ظهرت مطبوعة بعد عشرين عامًا من موته، في ثمانينيات القرن الثامن عشر، ومن أهم الكتب عن أقواله وأفعاله والقصص التي نسجت حوله كتاب (مدائح بعل شيم طوف).

كان سلوكه الأخلاقي مثيرًا للنقاش، حيث أشار أعداؤه لكثرة علاقاته بالنسوة اللائي يصحبنه، في حين نفي ؤيدوه ذلك با ذكروا امتناعه عن معاشرة زوجته أربعة عشر عاما.

2- دوف بير«واعظ ميجيريك» (1704 –1772):

يعتبر المؤسس الحقيقي للحركة الحسيدية، وهو خليفة «بعل شيم طوف»، تلقى تعليمه بشكل ديني تقليدي في إحدى المدارس التلمودية العليا، ثم بدأ العمل كواعظ متجول إلى أن وصل إلى مدينة ميجيريك في مقاطعة فولونيا التي أصبحت واحدًا من أهم مراكز الحركة الحسيدية.

وترجع سبب معرفته بـ«طوف» أنه عندما أصبح من الزهاد تدهورت حالته الصحية، فذهب يبحث عن الدواء لمرضه عند «طوف» لما عرف عنه بمساعدته للمرضي.

وقد قال «بير»: " إن بعل شيم طوف كشف له لغة الطير والأشجار، وأسرار القديسين والتجسدات الربانية، وأنه بيَّن له كتابات الملائكة وشرح له المغزى الكامن في حروف الأبجدية العبرية".

وبعدها بدأ «بير» السير على نفس منهج «طوف»، فشجع الشباب على إهمال دراسة التوراة ليعيشوا تجربتهم الدينية بشكل عاطفي ومباشر، مبتعدين عن الطقوس الجامدة الخالية من الروح التي تفرضها المؤسسة التلمودية.

وقد أتخذت العبادة عند أتباعه شكل الرقص والشطحات، مما أدى ذلك إلى إتهامه من المؤسسة الحاخامية بالكفر والحلولية وأنتهي الأمر بطرده من حظيرة الدين في قلعة الأرثوذكسية.

3- إليميليك الليجانسكي (1717-1787):

هو من تلاميذ «بير»، وأحد مؤسسي الحركة الحسيدية في جاليشيا، بعد موت «بير» استقر إليميليك في ليجانسك بجاليشيا، والتي أصبحت بعد ذلك مركزًا للحسيدية من تأسيسه.

أهم أفكار الحركة الحسيدية ومعتقداتها:

1- ترى أن الله تعالى أزلي، خلق الخلق من لا شيء، ويثبتون له العلم والقدرة، ويقولون بالحلول أنه موجود في كل شيء وفي كل مكان، ويقولون إن كل حركة في الكون بسببه وعنايته.

2- ترى أن العالم مخلوق بالكلمة، أن بقاء العالم ووجوده معتمد على الله وراجع إليه.

3- يعتقدون بوجود عوالم أخرى غير عالمنا، عالم الفيوضات وهي فيوضات روحية خالية من الشر، وما فيها إلاإلهي روحي.

4- عالم لديهم مقسم إلى ثلاثة أقسام:

أ‌- عالم الخلق: ويغلب فيه الخير على الشر وهذا العالم يضم الملائكة.

ب‌- عالم التكوين: نصفه خير ونصفه شر. أو فيه أنواع دنيا من الملائكة.

ت‌- عالم الفعل: وهو عالمنا الذي نعيش فيه، وتسكن فيه أكثر أنواع المخلوقات الروحية تدنيا وانحطاطا.

5- الإنسان اليهودي هو أعلى مراتب المخلوقات في الدنيا، وهو مركز الخلق، وأن هدف الخلق يتحقق إذا أدى الإنسان ما هو مطلوب منه وواجب عليه.

6- تعتقد بوحدة الوجود، واشتمال الله تعالى على الطبيعة، أي أن الطبيعة تتمثل في الحركة الحسيدية في الله – تعالى الله عن ذلك – فليس هناك حاجز بين الإنسان وخالقه، وما بين مقدس وغير مقدس.

7- تؤمن بروحانية المادة، لأن الروح ليست إلا شكلًا من أشكال المادة، بل إن العبادة والخلاص بالجسد يصلان إلى حد عبادة الإله من خلال العلاقات الجنسية، حيث تلتقي وحدة الوجود الروحية بوحدة الوجود المادية.

8- تؤمن بالثواب والعقاب وبالجنة والنار وفقا لمذهبهم.

من عبادات الحركة الحسيدية:

1- تحتل الصلاة في الحسيدية أهمية كبيرة جدا تفوق أهمية دراسة التوراة، بخلاف بقية اليهود الأرثوذكس الذين يرون أفضل الواجبات دراسة التوراة، وتتميز صلاتها بالحركة الجسمانية الخفيفة، ويرون الخشوع يزداد كلما زادت حركة المصلي الجسمية، ويستشعرون الفرح والسعادة أثناء إدخال الأغاني والموسيقى أثناء صلاتهم، وتميزوا بتأخير الصلاة تأخيرا بينا.

2- ترى أن الغناء والرقص والموسيقى وشرب الخمر من أسباب تحقيق السعادة، ويؤمنون بتقديس (الصديق) وهوالزعيم والمرشح الروحي الذي تطيعه وتصدقه وتدين بالولاء له.، ويعتبروه المرشح الروحي للجماعة الحسيدية، وعليهم زيارته ولو مرة بالسنة، ويقدمون معهم الفدية، وهو مبلغ من المال يقدمه الحسيدي للصديق كفدية عن نفسه، ويتولى الصديق مباركة الحسيد وحل مشاكله، وإعطائه المشورة فيما يحتاج إليه.

3- يعتبرون الزواج المبكر أمر في غاية الأهمية، ويحرصون على كون الزوجان حسيديان، ويحرصون على الحشمة والستر للمرأة، إذ تغطي شعرها وتلبس لباسا طويلا، ويمنعون إقامة صداقات بين الشاب والفتاة قبل الزواج.

4- يعتقدون بالحرز والتمائم التي تحفظ من الشيطان والشر والحسد، ولكل شيء حرزه الخاص به.

5- يتقيدون بلباسهم القفطان الأسود الطويل والقبعة السوداء، وتحتها قلنسوة، ولا يلبسون اللباس الحديث.

5- يتميزون بإعفاء لحاهم خاصة من على جانبي الرأس من عند الإذنين، ويسمونها (فتون) وهي على شكل ضفيرة.

تأثير الحسيدية في العصر الحديث:

أثرت الحسيدية بشكل كبير في الفكر اليهودي المعاصر، فنرى تأثيرها على «فرويد» العالم النفساني النمساوي اليهودي حيث كان لها دور كبير في تكون نظرياته عن الجنس، وفي علاقة الذات الإلهية.

كما نرى تأثيرها في أدب «كافا» وفي أعمال «مارتن بوبر» بشكل واضح وفي فلسفته التي وُصفت بأنها حسيدية جديدة لأن الإله حسب هذه الفلسفة لا يحل في مخلوقاته ويؤثر فيها فقط، بل إن مخلوقاته تؤثر فيه بدورها، ولذا يكتسب كلُّ فعل، مهما تدنَّى.

علاقة الحركة الحسيدية بالصهيونية:

هناك تشابه كبير بين كل منهما، كلاهما حركة تهرب من حدود الواقع التاريخي المركب إلى حالة من النشوة الصوفية، تأخذ شكل أوهام عقائدية عن أرض الميعاد التي تنتظر اليهود، ويعتقد المفكر الصهيوني (بوبر) أنه لا يمكن بعث اليهودية دون الحماس الحسيدي، بل يرى أن الرواد الصهاينة قد بعثوا هذا الحماس.

من المعروف أن معظم المفكرين والزعماء الصهاينة إما نشأوا في بيئة حسيدية، أو تعرَّفوا إلى فكرها بشكل واع أو غير واع، بل إن الصهيونية مزيج من (الحسيدية اللادينية) أو الحسيدية داخل إطار حلولية بدون إله ووحدة الوجود المادية.

الدارس المدقق يكتشف أن هناك تشابهًا بين الحسيدية والصهيونية، فالجماهير التي اتبعت كلًاّ من الصهيونية والحسيدية كانت في وضع طبقي متشابه ؛ فجماهيرهما تتفق على حب صهيون ؛ الأرض التي ستشكل الميراث الذي سيمارسون فيه شيئًا من السلطة.

كما قامت الحسيدية بإضعاف انتماء يهود اليديشية الحضاري والنفسي إلى بلادهم، الأمر الذي جعل اليهود مرتعًا خصبًا للعقيدة الصهيونية، وكلاهما يؤمنان بحلولية متطرفة تضفي القداسة على كل الأشياء اليهودية وتفصلها عن بقية العالم، وفي الحقيقة، فقد كانت الهجرة الحسيدية التي تعبِّر عن النزعة القومية الدينية فاتحةً وتمهيدًا للهجرة الصهيونية.

وجدير أن بعض الحسيديين عارضوا في البداية فكرة الدولة الصهيونية، وأسسوا حزب (أجودات إسرائيل)، ولكن بعد إنشاء الدولة، بل حتى قبل ذلك، أخذوا يساندون النشاط الصهيوني، وهم الآن من أكثرالمتشددين في المطالبة بالحفاظ على الحدود الآمنة و(الحدود المقدَّسة) و(الحدود التاريخية لإرتس يسرائيل).

والحسيديم تتوزعهم اليوم مجموعات كثيرة تصل إلى العشرات، وكل واحدة من منها لها اسمها الخاص الذي أخذته في الغالب من القرية أو البلدة التي نشأت فيها.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً