حكاية صورة تٌقرب عزل ترامب.. الرئيس الأمريكي أفصح لموسكو عن طريقة عمل "الموساد" وكيفية تعاونها مع الـCIA.. وتل أبيب غاضبة بسبب فضح عملائها وتعريض حياتهم للخطر

في ليلة باردة مظلمة أواخر شهر فبراير 2017، وبعد قرابة الشهر على دخول الرئيس الأمريكي مكتبه البيضاوي بالبيت الأبيض، عبرت مروحيتان إسرائيليتان، من طراز سيكورسكي CH35، منطقة لا يغطيها الرادار في سماء الأردن، قبل أن تتجه نحو شمال سوريا لتطير فوق منطقة مشابهه على امتداد نهر الفرات، وعلى متنها تواجدت قوات كومامدوز من وحدة النخبة لمكافحة الإرهاب المعروفة باسم "سايرت ميتكال"، ويرافقها فريق متخصص في التجسس التكنولوجي من جهاز المخابرات العامة الإسرائيلي المعروف باسم "الموساد"، وكان الصمت والحذر مخيمًا على الجميع.. هدفهم كان جمع أكبر قدر من المعلومات عن سلاح جديد فتاك ابتكره سعودي يُدعى إبراهيم عسيري، كان المسؤول الأول عن تصنيع القنابل لفرع تنظيم القاعدة باليمن.

المهمة كانت سرية، ولكن أعيد سرد تفاصيلها لمجلة "فانيتي فير" الأمريكية، بواسطة خبيرين في تحليل عمليات المخابرات الإسرائيلية، وكان ذلك من شأنه اكتشاف مثير مفاده أن التنظيم الإرهابي توصل إلى تقنية يزرع من خلالها قنابل شديدة التفجير في أجهزة الكمبيوتر المحمولة ولا يمكن كشفها بأجهزة كشف المتفجرات الموجودة بالمطارات، وهو ما يفسر إصدار السلطات الأمريكية ومعها البريطانية، في وقت سابق، قرارًا بحظر اصطحاب المسافرين من دول ذات أغلبية مسلمة لأجهزة كمبيوترات محمولة أو اجهزة التابلت، وبعد مرور 4 أشهر بدأت المطارات حول العالم تعمل بالتعليمات الأمريكية الجديدة.

في الأوساط السرية للمخابرات الأمريكية نالت العملية استحسانًا بالغًا باعتبارها عملية مخابراتية ميدانية نفذها حليف لهم بنجاح، بل وساهم ذلك في إنقاذ أرواح كثير من البشر، إلا أن رونق هذا الانتصار انطفأ جراء قيام الرئيس دونالد ترامب، في شهر مايو من عام 2017، بإخبار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وسيرجي كيسلياك سفير موسكو في واشنطن آنذاك، بتفاصيل العملية المصنفة ضمن العمليات ذات السرية البالغة، ومن هنا ازدادت علاقة ترامب بالمخابرات المركزية الأمريكية توترًا، علما بأن العلاقة كانت ملبدة بالغيوم في الأساس.

إسرائيل وحلفاء آخرين للولايات المتحدة أعادوا التفكير في مسألة تبادل ومشاركة معلومات مخابراتية، فيما عبرت دوائر مخابراتية غربية عن صدمتها مما فعله ترامب، وتسائلت عما إذا كانت هي المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك، وهل نقل معلومات مشابهه للروس عن عمليات تخص دولًا في حلف شمال الأطلنطي على سبيل المثال.

وبناء عليه، وإضافة لعلاقته المريبة بروسيا قبل وبعد انتخابه رئيسًا، أصبحت فحوى تسريبات ترامب للروس أحد المحاور الرئيسية للمحقق الخاص روبرت مولر الذي يجري تحقيقات معمقة حول علاقة فريق ترامب بموسكو، وتدخل قراصنة روس في الانتخابات الأمريكية التي جرت في نوفمبر 2016، ومدى تأثير ذلك على سير العملية الانتخابية، وأصبح الأمر برمته مدرجًا في إطار اتهامات محتملة لترامب بالخيانة وإفشاء أسرار عليا.

رغم ذلك لا يمكن للإسرائيليين القول بإنه لم يتم تحذيرهم، حيث أنه من المتعارف عليه ووفقًا للعلاقات الاستخباراتية بين إسرائيل والولايات المتحدة، أن رئيس مكتب الموساد في واشنطن والذي يعمل مع رجاله في سفارة بلاده تحت غطاء دبلوماسي، يحضر اجتماعات المخابرات الأمريكية في مقرها الرئيسي بحي لانجلي بولاية فيرجينيا، وطبقًا لما نُقل عن أحد مسؤولي الدولة العبرية مؤخرًا فإن رجال الموساد يحضرون تلك الاجتماعات بشكل دوري.

- تاريخ التعاون

تقول كتب التاريخ، إن تل أبيب لطالما مدت واشنطن بكنوز معلوماتية، وليس أدل على ذلك مما حدث عام 1956 حيث كانت الحرب الباردة على أشدها بين روسيا والولايات المتحدة، حينما تمكن دبلوماسيون إسرائيليون يعملون في وارسو عاصمة بولندا، من الحصول على نسخة من خطاب سري للغاية كان من المزمع أن يلقيه نيكيتا خروشوف، زعيم الاتحاد السوفيتي وسكرتير عام الحزب الشيوعي آنذاك، وكانت كلمات خروشوف في الخطاب تصب في اتجاه انتقادات حادة لحقبة من ثلاثة عقود للزعيم ستالين، إذ تم نعتها بـ"القمعية" وهو ما أظهر وقتها تحولًا جذريًا في العقيدة السوفيتية. وإدراكًا منهم بقيمة ما حصلوا عليه، سارع العملاء اليهود بتسليم ما حصلوا عليه للمخابرات الأمريكية، ومن هنا بدأت العلاقات المخابراتية تترسخ بين واشنطن وتل أبيب.

على مدار العقود التالية، بدأت العلاقة بينهما تأخذ شكل الشراكة الحقيقية، وذهب الطرفان إلى حد جعل التجسس عمل مؤسسي مشترك، وعلى سبيل المثال فإن الوثائق التي سربها إدوارد سنودن، عميل CIA المنشق، كشفت أن وكالة التجسس الأمريكي الألكترونية NSA ونظيرتها الإسرائيلية الوحدة 8200، وقعتا اتفاقية بينهما يتم بموجبها تبادل المعلومات الألكترونية الحساسة وذلك من خلال ما يعترضانه من رسائل بريد إلكتروني حول العالم، وعملت الوحدتان بتناغم تام في عهد الرئيسين جورج بوش الابن ومن بعده باراك أوباما، وأبرز ما قاما به هو زرع فيروسات في أجهزة الكومبيوتر التي تشغل أجهزة الطرد المركزي في المفاعلات النووية الإيرانية، وهو ما أصابها بخسائر عطلت برنامج طهران لبعض الوقت، وبناء على ما تبادلاه من معلومات نفذت مقاتلات أمريكية وإسرائيلية غارات مشتركة على عناصر متشددة في أماكن متفرقة بالعالم.

في عام 1985، وقع الطلاق بين الحلفين بعدما اكتشف الأمريكيون أن أصدقاءهم جندوا اليهودي الأمريكي جوناثان بولارد ذلك العميل الذي نقل لتل أبيب معلومات في غاية الأهمية والخطورة والحساسية بحكم أنه كان ضابطًا في المخابرات البحرية الأمريكية.

في عام 2008، وبعد الحصول من الرئيس جورج دبليو بوش على الموافقة والتوقيع، قامت CIA بالتعاون مع وحدة "كيدون" بالمخابرات الإسرائيلية ( كيدون بالعبرية تعني الحربة ويقول الإسرائيليون أنها وحدة هدفها "الوقاية المستهدفة")، وكان هدفهما المشترك هو عماد مغنية، قائد العمليات الخارجية لحزب الله، وبالفعل تم إحباط عمليات كانت أهدافها أمريكية وإسرائيلية بفعل التعاون المشترك، بل أن مغنية نفسه تم اغتياله بعملية بالغة الدقة والاحترافية يوم الثاني عشر من فبراير 2008 بكفر سوسة في العاصمة السورية دمشق عقب خروجه مباشرة من اجتماع ضم قادة حركات مقاومة فلسطينية وعناصر من الحرس الثوري الإيراني.

- مصالحة

بحكم أن عالم الجاسوسية يتسم بالواقعية، فقد شهد عام 1990 مصالحة بين الموساد وCIA، فكل منهما بحاجة للآخر.. الموساد لديه عملاء في أماكن استراتيجية بكل بلد عربي، والمخابرات الأمريكية تتجسس على كل بيت عربي تقريبًا من خلال لعب الأطفال والتكنولوجيا المتطورة التي تصدرها. وحتى في وقت الخلاف والجفاء العلني بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بن يامين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، استمر التعاون المخابراتي على أوسع نطاق، لا سيما ضد حماس وحزب الله وتنظيم القاعدة وداعش، ووفقًا لمصدر عسكري أمريكي تحدث إلى "فانيتي فير"، فإن الوحدة 8200 بالموساد زدوت الولايات المتحدة بمعلومات هامة عن القوات الروسية والإيرانية المنخرطة في الحرب الأهلية بسوريا، ووفقًا لنفس المصدر فإن الخبراء العسكريين الأمريكيين كان يهمهم معرفة التكتيكات الحربية أكثر من أي شيء آخر.

مصدر إسرائيلي أخبر "فانيتي فير" أنه في صباح الثالث عشر من يناير 2017، أي قبل أسبوع من تولي ترامب الرئاسة، كان هناك اجتماع أمريكي-إسرائيلي مشترك في لانجلي، وبينما كان الاجتماع على وشك الانتهاء، قال ضابط مخابرات أمريكي رفيع المستوى:" هناك شيئ أخير أود قوله، وهو أن الرئيس الروسي بوتين يملك أدوات ضغط على الرئيس ترامب"، ولكن الرجل لم يفصح عن المزيد.

الصحافة الإسرائيلية ترجمت ذلك من جانبها على أنها رسالة للموساد بضرورة توخي الحذر بدءً من 20 يناير 2017 (يوم تولي ترامب السلطة رسميا)، على اعتبار أن ما يتم تبادله من معلومات حساسة بين البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي الأمريكي قد يصل للروس، والروس بدورهم سينقلون ما يتحصلون عليه لحليفتهم إيران.. العدو الأخطر لتل أبيب.

- تحذير وتجاهل

غير أن الإسرائيليين الحاضرين في الاجتماع، وكذلك رؤسائهم في تل أبيب، لم يعيروا ذلك التحذير اهتماما، ورأوه غير منطقي ولا يدعمه دليل مادي، وفضلوا تجاهله.

العملية السرية التي جرت في شمال سوريا كانت "بيضاء زرقاء"، وهو مصطلح مرجعيته ألوان العلم الإسرائيلي، ويعني بالنسبة للموساد أن العملية بالكامل يقوم بها عناصر من داخل الدولة العبرية، ولكن نظرًا لخطورة وحساسية العملية كان على الموساد تجنيد عميل من الخارج لكي يمهد الطريق لعناصر الموساد، الذين سينفذون ضربتهم مستترين بجنح الظلامن ولكن تكمن أهمية العميل الخارجي في ضرورة إخبارهم بأي مستجد غير متوقع، وكذلك تحديد مكان الهدف المنشود بالضبط، لا سيما وإن كان الهدف شخص يتنقل من مكان لآخر، وبالنسبة لعملية الشتاء الماضي، وطبقا لما قاله مسؤلون أمريكيون لقناة ABC، فإن العمل الخطير على أرض العملية قام به عميل زرعه الموساد في قلب داعش وحتى الآن غير معلوم هل هو عميل مزدوج تم تجنيده أم أنه شخص من داخل التنظيم وقع على معلومات مثيرة فقرر بيعها لمن يدفع أكثر.

من خلال مقابلات مع مصادر مخابراتية أمريكية وإسرائيلية، يتضح أنه في ليلة تنفيذ العملية، هبطت المروحيات الإسرائيلية التي كانت تحمل عناصر " الأبيض والأزرق" في سوريا على بعد عدة أميال من الهدف، وكان في انتظارها عربات عسكرية سورية من ذلك الطراز الذي يقوم بدوريات ليلية، وكانت العربات فارغة ومؤمنة بطبيعة الحال لعناصر التنفيذ، وهو عمل قامت به وحدة من المخابرات العسكرية الإسرائيلية المعروفة باسم "أمان".. لا أحد يعرف كيف فعلوا ذلك، ولكنهم فعلوه، وكانت العربة تسير في شوارع سوريا كما لو كانت دورية تابعة للجيش العربي السوري وتؤدي عملها على أكمل وجه ولقبهم جنرالات المخابرات الحربية بـ"أشباح الظل"، كما قامت عناصر من وحدة التكنولوجيا بالموساد بأداء عملها على أكمل وجه أيضًا.

التفاصيل التشغيلية أيضًا تبقى متفرقة، بل ومتضاربة في بعض الأحيان، فهناك من قال إن الغرفة التي تجمع فيها عناصر داعش زرع فيها ميكروفون دقيق لا يمكن ملاحظته وينقل كل كلمة لعناصر الموساد، وهناك من قال إن عناصر الموساد كانوا يمتلكون جهازًا يمكنه نقل ما يدور في اجتماع داعش ولكن بشرط تمركز الجهاز في نقطة معينة قريبة من الاجتماع. ولكن في كل الأحوال نجحت عناصر الموساد في التوصل لطريقة لاعتراض ما دار في اجتماع داعش، وعادوا إلى تل أبيب مبتهجين.

- ترقب وانتظار

الآن، حان وقت الترقب والانتظار، فمن خلال محطة إذاعية هوائية على قمة الجولان المحتل، بدأ المختصون بالوحدة 8200 بالاستماع إلى ما يدور في النقطة الهدف بالشمال السوري، ولكن بعد عدة أيام من الانتظار لم يحصل المتنصتون على أي شيئ، وهنا بدأ الشك يتسلل إلى قلوبهم بأن زملائهم قد تم تضليلهم نتيجة خطأ استخباراتي ما، أو ربما بقصد من العميل الذي أرشدهم من الداخل عمدًا.

ولكن ما كانوا ينتظروه جاء فجأة ودون سابق إنذار.. اجتماع رفيع المستوى لقادة داعش، شرح خلاله شاب بصوت حماسي كيف يمكن تحويل أجهزة الكمبيوتر المحمولة إلى قنابل شديدة التفجير وكيف يمكن تمريرها ببساطة دون أن أن تكشفها أجهزة كشف المتفجرات في المطارات.. كان السلاح الجديد مخيفًا بالفعل، إذ أنه بسيط وغير مكلف على الإطلاق ويمكنه إسقاط طائرة محملة بالركاب وتحويلها في ثانية واحدة إلى كتلة نار في السماء، ومع دقة وخطورة الملعومات قرر الموساد إبلاغ نظرائهم في الـ.CIA

وكان هناك هدف آخر من هذا الإبلاغ، حيث أراد الإسرائيليون أن تعرف واشنطن إلى أي مدى هم بارعون، ويمكنهم بحرفية عالية الحصول على أدق المعلومات وأكثرها حساسية وخطورة، وكان للإسرائيليين ما أرادوا، إذ انبهر الأمريكيون بالفعل، ولكن مع الانبهار ألقت الملعومات في قلوبهم الرعب أيضاَ.

- على نحو كارثي

في صبيحة يوم ربيعي غائم، وتحديدًا العاشر من مايو 2017، وقبل دقائق من الإعلان الرسمي عن إقالة ترامب بشكل مفاجئ لجيمس كومي، رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، الذي كان يتولى التحقيق في تواطئ حملة ترامب الانتخابية مع روسيا، كان الرئيس الأمريكي في مكتبه البيضاوي يستقبل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وسفير موسكو في واشنطن آنذاك سيرجي كيسلياك.

لا أحد يعلم ما الذي أصاب الرئيس الأمريكي حينذاك، ودفعه للتحدث على نحو كارثي منتهكًا كل قواعد السرية والبروتوكول، إذ أن ترامب، ووفقًا لمحضر الجلسة الذي حصلت صحيفة نيويورك تايمز على نسخة منه، أخبرهم منتشيًا " لقد أقلت للتو جيمس كومي.. إنه شخص مجنون ولا يعرف كيف يقوم بواجبه"، ثم ذهب ترامب ليبرر لضيفيه قراره بشكل غريب قائلًا: "لقد واجهت ضغوطًا كبيرة بسبب روسيا.. والآن لقد انتهى كل هذا". ولكن هذا الحديث، المنتهك للسيادة الأمريكية بشكل فاضح، لم يكن سوى مقدمة لحديث آخر أكثر خطورة.

بشكل مفاجئ قال ترامب لضيفيه: " لقد تلقيت معلومات جيدة"، ثم أضاف بنبرة فخر:" لدي موظفون يمدوني يوميًا بمعلومات عظيمة". ثم انحرط ترامب في سرد، لخصم تاريخي لبلاده، تفاصيل كيفية تحويل أجهزة الكمبيوتر المحمولة، وكل تفاصيل عملية مصنفة باعتبارها في أعلى درجات السرية، ومنحهم معلومات لم يطلع عليها الكونجرس أو حتى دولًا صديقة في حلف شمال الأطلنطي، والغريب أن الرئيس الأمريكي لم يفصح عن اسم الدولة الحليفة التي قامت بالعملية !! الأمر الذي دفع كل من حضر اللقاء إلى السخرية منه، إذ أنه حدد اسم القرية التي جرت شهدت العملية في شمال سوريا، كما أن الأمر ليس بحاجة لكثير من الذكاء لاستنتاج أن إسرائيل هي الحليف الوحيد التي يمكن أن تطلع الولايات المتحدة على شيئ كهذا.

وبالنسبة للرجلين الروسيين، فقد كانا صمتهما التام مبررًا، فلا داعي لمقاطعة رجل ينقل إليهم سيل هائل من معلومات هامة، ولا شك أن عقليهما كانا يعملان على تخزين أدق التفاصيل، ولا شك أيضًا أنهما نقلا كل ما سمعاه إلى موسكو عبر الهاتف فور خروجهما من البيت الأبيض. ويبقى السؤال: لماذا منح ترامب هذا الكنز من المعلومات للروس؟ وهنا اختلفت الإجابة عند المختصين والمحللين بأوساط المخابرات، والإجابة الأولى تفسيرها نفسي بشكل بحت، حيث أن ترامب رجل ثري والأثرياء في أغلب الأحيان يعتقدون أن الناس من حولهم يجب أن يقتنعوا بثرائهم ويرونه رؤي العين، لذا فهم حريصون دومًا على إبراز مظاهر ثراهم.

ثم أن الرئيس الأمريكي ليس سوى مجرد رجل غني، وجد نفسه وجهًا لوجه مع رجلين مخضرمين في عالم السياسة والدبلوماسية، وكان يريد إبهارهما بأي شكل، فكشف لهما عما لديه من معلومات، لعملها يقتنعان أنهما أمام رقم هام في معادلة صعبة ولاعب هام على المسرح الدولي.

غير أن هناك طريقة تربط الأمور ببعضها البعض بشكل كارثي، حيث يصر البعض في الدوائر الرسمية الأمريكية، أن الرئيس أقدم على الخيانة عمدًا، وأن ما فعله جزء من تعاون أكثر عمقًا مع الروس، وسيتم وضعه ضمن لائحة أخرى من الاتهامات ستجعل روبرت مولر، المحقق الخاص في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي جرت أواخر عام 2016، يقف في نهاية المطاف على باب البيت الأبيض ليسأل عن ترامب باعتباره متهمًا.

وما يعزز من تلك الفرضية هو أن مقابلة ترامب وضيفيه الروسيين شهدت إبعاد الصحفيين الأمريكيين، فيما تم السماح لشخص واحد فقط بتوثيق اللقاء، وهو مصور وكالة تاس الروسية، الذي التقط صورًا ستلجأ لها الأجيال القادمة باعتبارها وثيقة لقاء الرجلين، أو ربما دليل إدانة أمام هيئة محلفين.

في نهاية المطاف سيكون الحكم على ترامب من خلال نتائج أفعاله وليس من خلال دوافعه النفسية، وإذا كان الرئيس الأمريكي قد بدأ عهده بشن حرب كلامية على أجهزة المخابرات عمومًا، مما أوحى بضعف الثقة بينهما، فلا شك أن الثقة الآن منعدمة تماما، بحسب ما علق به ضابط سابق بالمخابرات الأمريكية لمجلة فانيتي فير، حيث تابع دون أن يفصح عن اسمه" كيف ستنقل له المخابرات أي معلومات مستقبلية دون أن تتسائل عن المصير الذي ستنتهي إليه تلك المعلومات".

وأضاف نفس المصدر" صدقني.. تلك المعلومات التي تسربها الأجهزة الأمنية لصحيفتي نيويورك تايمز والواشنطون بوست ليست من قبيل المصادفة.. لا أحد يريد أن يقف في وسط مباراة للتبول بين حفنة من الأشباح.. إنها حرب حقيقية".

ولكن ماذا عن علاقة الولايات المتحدة بدول أخرى صديقة تتشارك معها معلومات مخابراتية؟ يجيب مايكل موريل، وهو نائب أسبق لمدير المخابرات الأمريكية، بالقول" لا شك أن الجميع سيتوقف عن إمدادنا بأي معلومة بعد الآن". أما في إسرائيل نفسها، فإن هناك حالة من الغضب من الرئيس الأمريكي في أروقة الموساد، وأكد صحفي إسرائيلي مقرب من الدوائر الرسمية، لصحيفة نيويورك تايمز تحت غطاء من السرية، أن عملاء الموساد لن ينقلوا أي تقرير لنظرائهم في لانجلي إلا بعد "تبييضه بشكل دقيق".

وعلى صفحات نيويورك تايمز أيضًا، قال مسئول عسكري إسرائيلي رفيع المستوى:" لقد خاننا ترامب.. سوف نفعل ما يجب علينا فعله مستقبلًا دون أن نخبره بشيئ.. ألا يعلم أن ما ثرثر به قد انتقل إلى الإيرانيين؟!" ومرة أخرى يعلق مايكل موريل: "إذا كان الروس قد حصلوا على هذه المعلومات الهامة، فلا شك أنهم يعملون الآن لمعرفة ما إذا كان الإسرائيليون يتجسسون عليهم أم لا، ولا شك أن تل أبيب ستعطل عمل بعض عملاؤها في سوريا حتى لا ينكشف أمرهم".

السؤال الأخير لا شك أنه يتعلق بمصير العميل الذي نقل للموساد المعلومات ومهد له الطريق داخل سوريا.. هل تمكن من الهرب بعد افتضاح أمره؟ أم تمكن منه داعش وقتله؟ ضابط سابق بالمخابرات الإسرائيلية على علم بالعملية وما جرى بعدها رفض الإجابة بشكل واضح، ولكنه اكتفى بالقول إنه:"مهما حدث له فإنه ولاشك سيكون ثمنًا لخطأ ارتكبه رئيس".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً