يرى أن القرية المصرية دائمًا وأبدًا هي مصدر للإلهام والإبداع، جمال الطبيعة وهدوء النفس وسعة البراح ألقوا بظلالهم عليه فكان الإنسان والفنان، إنه "يوسف إسماعيل" ابن قرية شبرا بخوم، الذي عشق المسرح ومارسه وتعلمه في قريته ليخرج منها ممثلا على خشبة المسرح القومي، ويصل في النهاية إلى أن يصبح مديرًا لهذا المسرح العريق صاحب التاريخ الكبير.. "أهل مصر" التقت به ليفتح قلبه ويجري معنا هذا الحوار:
ماذا عن يوسف إسماعيل الإنسان "النشأة والبداية"؟
ولدت ونشأت في قرية شبرابخوم التابعة لمركز قويسنا في المنوفية، وأراها قرية نموذجية بها حياة تناسب الإنسان الطبيعي بشكل راقي، تعلمت في كُتاب قريتي والتحقت بمدرسة "الجوهرية" الابتدائية، وخلال دراستي في المرحلة الابتدائية كانت توجد أنشطة فنية مسرحية (حفلات) وكنت أشارك فيها، فامتزج الكُتاب مع المدرسة بالإضافة إلى الأنشطة المسرحية، كل هذا بجانب جمال وسحر الطبيعة والخضرة والهدوء، ولا أنسى "الموالد" والجو الروحاني الجميل، ولكم أن تتخيلوا كم لهذه التوليفة من وقع وتأثير.
ذكرت أن تجربتك مع المسرح بدأت من القرية.. حدثنا عن ذلك
في الابتدائي كنا نشارك في "الاسكتشات" المدرسية ولم نكن نعلم أن هذا عمل مسرحي، ولكن الأمر تطور عندما وصلنا للمرحلة الإعدادية، قابلت الأستاذ عبد الوهاب مشهور، كان مدرس التربية الفنية وكان شاعرًا ومهتم بالمسرح والفن بشكل عام، أثر فيا كثيرًا، إضافة إلى أنه في نفس التوقيت كان أخي الأكبر "أحمد إسماعيل"، كان يدرس الإخراج في المعهد العالي للفنون المسرحية، وأسس فرقة شبرابخوم المسرحية، وانضممت للفرقة وشاركت في العديد الأعمال المسرحية معهم، وكانت أعمال تتناول مشاكل وهموم القرية، بدأنا باسكتشات ثم مسرحيات بسيطة من فصل واحد تناسب جمهور القرية، ثم خضنا تجربة رائعة وهي "التأليف الجماعي"، وهو عبارة عن ورشة، "الممثلين كتبوا النص بمساعدة الجمهور"، والتأليف الجماعي هو الذي أثقلني وأضاف إنسانيا وفنيا وحياتيا، واستمر بي الحال في هذه الفرقة 15 عاما حتى انتقلت إلى المسرح القومي، بدأت ممثلا حتى أصبحت مديرا.
مثلت دورا بمعاونة "حمار".. ولك معه قصة طريفة.. أحكيها لنا
سنة 1981، كنا نعرض في قريتي بالمنوفية مسرحية وكان من أبطالها "حمار" ملازمني في العرض "بيمثل معايا شخصيا"، ولم يكن غريبا عليّ، فهو خاص بالأسرة، وهو فعلا من أبطال العرض، وعندما جئنا من القرية إلى القاهرة لكي نعرض في السامر "مهرجان الـ100 ليلة"، أبلغناهم أن العرض يلزمه "حمار"، فاقترحوا أن يأتوا هم به، فوافقنا، وعندما جئنا فوجئنا بأنهم احضروا "بغل كبير"، فرفضت ذلك وأصررت أن يأتوا بحمار، وقتها الأستاذ سمير سرحان رحمة الله عليه كان وقتها رئيس الثقافة الجماهيرية، أمر سيارة تحمل بوستر المهرجان تنزل إلى القرية وتأتي بالحمار، وقد كان، وأهالي القرية وقتها "عملوا زفة للحمار اللي مسافر يمثل في القاهرة"، ووصل بالفعل القاهرة وأدى دوره ببراعة لدرجة أنه انسجم مع الجمهور وكان يصنع "إيفهات" بإيماءات وجهه، ربما يكون هذا الكلام غريبا ولكنه ما حدث بالفعل.
عندما تتحدث عن تاريخ المسرح القومي.. ماذا تقول؟
المسرح القومي تاريخه أقدم من بعض دول كثيرة محيطة بنا، أنشأ في مقره الحالي بحديقة الأزبكية سنة 1886، وكان مسرح مكشوف يقدم عليه حفلات، وكان الفرقة الموجودة فرقة أولاد عكاشة، وفي عام 1920 أغلق هذا المسرح أي (لم يعد مكشوفا)، وأنشأت فرقة المسرح القومي سنة 1935، وتوالى على إدارتها قمم وعظماء كان أول مديرا له الشاعر خليل مطران، ثم يوسف بك وهبي، ومن بعده أحمد حمروش، وآمال المرصفي، أحمد عبد الحليم، وسمير العصفوري، وكرم مطاوع وسعد أردش وسميحة أيوب، كمال ياسين، ورياض الخولي وتوفيق عبد الحميد، وخالد الذهبي ثم أنا المدير رقم 30 للمسرح القومي.
كيف استقبلت خبر تكليفك بإدارة المسرح القومي؟
"اتفزعت واتخضيت".. الخبر يجعلك قبل أن تفرح يصيبك القلق، لماذا؟.. لأنه في في هذا المكان وعلى هذا الكرسي جلس من قبلي أسماء كبيرة قدمت تاريخ وفن عظيم للبشرية، لأن المسرح القومي يقدم فنونه للعالم كله ليس موجه لفئة معينة أو شريحة معينة من المجتمع، فله جمهوره من مصر والوطن العربي والعالم أجمع، في البداية "اتفزعت" وبعد ذلك بدأت أتحسس خطواتي، وكملت المسيرة.
ما الصعاب التي واجهتك في بداية إدارة للموقع؟
قابلت العديد من الصعاب في البداية، خاصة بعدما اتفقنا على عرض "ليلة بألف ليلة" بطولة الدكتور يحيى الفخراني، والصعوبة في أن الإدارة تحدثت عن ضخامة الميزانية وصعوبة تنفيذه، إلا أن الفنان فتوح أحمد، مدير البيت الفني للمسرح ومديري، وقف بجواري ودعمني بقوة، وحقق العرض نجاحًا غير مسبوق، حصد ما يقارب 4 مليون جنيه في أول 6 شهور، ولأول مرة نحقق في مسارح الدولة "كامل العدد"، أيضًا واجهنا صعاب بتوقف المسرح بعد افتتاحه بسبب الأمن الصناعي، الذي عطل المسيرة لعدة شهور، قبل تسليمه لنا مرة أخرى.
مرض المسرح ثم عاد لعنفوانه بعد 25 يناير.. كيف حدث ذلك؟
منذ بداية 2011 بدأت تظهر العديد من المحاولات والتجارب الشبابية في مسارح الدولة، على سبيل المثال تجربة أحمد رجب، مدير مسرح الميدان، الذي بنى مسرحًا في الأوبرا وقدم تجارب رائعة، ثم قدم "قهوة بلدي"، وفي نفس التوقيت ظهرت فرق حرة، وعندما عاد المسرح القومي 2015 مع العرض المسرحي "ليلة بألف ليلة"، كانت الأرض خصبة نتاج هذا الزخم من الأعمال والتجارب المسرحية، وأطلق على هذا العام (عام المسرح)، لأن جمهور المسرح في هذا العام كان أكثر من جمهور السينما، لدرجة أن منتجي القطاع الخاص فكروا في إنتاج مسرحي وجاءني العديد منهم هنا في المسرح القومي.
ماذا عن العرض الجديد "أضحك لما تموت"؟
"أضحك لما تموت".. آخر كتابات الكاتب الكبير لينين الرملي، وهو من الكتاب أصحاب الأفكار الخاصة به على المستويين السياسي والفني، وكتب حتى الآن 51 مسرحية وهذا العرض هو آخر كتاباته، وخلفية العمل مستلهمة من ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ويضم العمل اثنان من نجم الفن العائدين مرة أخرى بعد غياب وهما الفنان الكبير نبيل الحلفاوي والفنان القدير محمود الجندي، ومعاهم الفنانة سلوى عثمان، بالإضافة إلى مجموعة من الشباب (إيمان إمام، تامر الكاشف، زكريا معروف)، والعرض من إخراج الفنان عصام السيد، وهو عرض فعلا مهم ويستحق المشاهدة.
هل يقدم المسرح الدور المنوط به؟
للأسف لا.. المسرح يستطيع أن يواجه الإرهاب وينتصر عليه، ولكن ما زال هناك من البيروقراطية والروتين ما هو كفيل بتعطيل المسيرة، نحتاج لمزيد من الحرية، حرية الإنطلاق، لكي ننتج لا بد أن نرسل للإدارة ثم ننتظر الرد، ومن هنا يتم العرقلة، إضافة إلى ما سبق هناك ما يتعلق ببعض الفنانين، لأنه وكما يعلم الجميع الفن لا يدر أموالا كثيرة ولا يعمل به إلا من هو محب للمسرح، ونظرا للظروف المادية الصعبة التي يعاني منها الجميع فأصبح الفنان يلجأ للتليفزيون أو السينما ليستطيع الحصول على أموال ينفقها، أما من يتمسك بالمسرح فقلة قليلة ممن يعشقون هذا الفن الجميل.
ما رأيك في المسرح الخاص وخاصة تجربة "مسرح مصر"؟
تجربة مسرح مصر بقيادة أشرف عبد الباقي، انطلقت بسرعة الصاروخ وأصبح لهم جمورا كبيرا، وساعدهم في ذلك القناة المنتجة التي تصور العرض ثم تقدمه للجمهور، وأصبحت الفرقة تقدم عملاً كل أسبوعين، ومن هنا أصبحت العروض موجودة داخل البيوت من خلال القناة، ولا أحد ينكر أن أعضاء الفرقة وشبابها يمتلكون "خفة الدم"، أمثال علي ربيع ومصطفى خاطر وقبلهم الرائع أشرف عبد الباقي، وإذا كانوا يقدمون الكوميديا فقط؛ فلا مانع لأن هذا نوع من أنواع المسرح، ولكن لي "عتاب" وهو عدم الاهتمام بالموضوعات، لذلك أنصح "عبد الباقي"، بأن يهتم بالموضوعات، وأطلب منه أن يستمر ويأخذنا خطوة للأمام.
هل أثرت تجربة "مسرح مصر" على مسارح الدولة من حيث الجمهور؟
بالعكس.. هذه التجارب تخلق مناخ رائع بأن يصبح هنا عرض تراجيدي وهناك عرض كوميدي، وفي مكان ثالث عرض استعراضي، كل هذا شيء إيجابي، وما المانع أن يكون هناك حركة فنية تضم الجيد والمقبول والمتواضع.
بعد ما وصل إليه المسرح القومي من نجاحات في عهدك.. هل حققت كل أحلامك؟
ما لم أحققه حتى الآن كثير.. فأحلامي في الفترة المقبلة أن أقدم على المسرح القومي 6 روايات في العام بمعدل رواية كل شهرين، أيضًا أتمنى أن أقدم في المسرح القومي كتاب ومخرجين جدد، وما يعيقني في هذا الأمر "الفنانين العواجيز دايما بيزيحوا الشباب"، فهناك مثلا فنان عمره 80 عامًا وما زال متمسك بأن يكون هو المتواجد على مستوى الكتابة أو الإخراج، لماذا لا يترك الفرصة لغيره؟، لست ضد فكرة أن يقدم الفنان أعمالا طول حياته لكن يجب عليه أيضًا أن يعطي الشباب فرصتهم بجانبه.
أصبحت مُقلا في أعمالك.. هل أثر العمل الإداري على إبداعك الفني؟
لم أقدم مسرحا منذ توليّ إدارة المسرح القومي، ولكن شاركت في أعمال سينمائية، وفي الحقيقة "الإدارة" لم تكن السبب الرئيسي في قلة أعمالي، الأمر متعلق بالسوق والإنتاج نفسه في الفترة الأخيرة، ولكم أن تتخيلوا أنه في عام 2011 مصر انتجت 104 مسلسل، الآن الإنتاج انخفض إلى 30 أقل من مسلسلًا في العام، وبالتالي المشاركات بتنخفض، وانتهيت مؤخرًا من فيلم جديد يحمل اسم "عمارة الإيموبليا"، من إخراج خالد الحجر، وهو فيلم مستواه الفني راقي جدًا، ويلقي الضوء على مناطق اجتماعية مهمة جدًا في حياتنا.
ما رأيك في اختيار الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة للثقافة؟
اختيار الفنانة إيناس عبد الدايم، لتولي منصب وزيرة الثقافة، جاء موفقًا جدًا جدًا، فهي مثقفة ومهتمة وعندها فكرة عن آليات الإنتاج والمسارح والأنشطة الثقافية، وقابلتها في أول يوم لها في الوزارة، لأنه كانت هناك مشكلة خاصة بالمسرح القومي، ووعدتني بحل المشكلة خلال أيام، وبالفعل حدث، لأنها لديها الجرأة في اقتحام المشاكل وحلها لما لها من خبرة في المجال "إيدها في الشغلانة".