اعلان

سكان تحت الصفر.. المرض والجوع يطاردا مئات الأسر بالإسكندرية.. و"عشش الثعابين" تهدد حياة "الفيومية".. وفي سوهاج الموت أرحم من الحياة (صور)

كتب :

كتب: فريدة كساب ـ فاتن بدران ـ أحمد عبدالراضي ـ أحمد مرجان ـ إبراهيم الأسمر

أجساد عارية تبحث عن السترة جلود ترتعش تحت ضربات الشتاء القارس، لا مغيث ولا منجي لمئات الأسر التي يموت أطفالها نتيجة البرد الشديد وأمطار الشتاء، بعدما تقطعت بهم السبل وحاصرهم الفقر أسفل صخور الجبال أو في عراء الظهير الصحراوي أو بين المزارع الشاسعة، هناك تسكن المأساة بكل تفاصيلها، وتتجلى عجز الدولة وجريمة المسئولين بحق هولاء، في المقابل يعيش أصحاب المنتجعات الفاخرة حياتهم في هدوء يتمتعون باهتمام الأجهزة الحكومية، بينما يترك هولاء البؤساء يواجهون مصيرهم مع البرد والثعابين والحيات في انتظار من ينقذهم إن أتى!.. «أهل مصر» جابت المحافظات والقرى والكفور بحثا عن هولاء اليتامي والثكالي والمحرومين لتعيش مآساتهم.

ـــ ذنب "سلطان".. معانأة تحت سفح الجبل بالمنيا

علي أعتاب داره يقف سارحًا يشكو همه لتلك الصخور الجبلية التي تبعد عن مسكنه بضع خطوات، ذاك المسكن المشيد من أربعة جدران من الطوب الحجري وعشة تتلاقفها أعواد البوص من هنا وهناك هما الملجأ الوحيد له ولزوجته وأبنائه وكذا شقيقه وزوجته وأبنائه.

«سلطان» رجل في أواخر عقده الأربعون لديه زوجة وخمسة من الأبناء يعمل بالمحاجر في محافظة المنيا ولكونه يقطن ما بين شريان نهر النيل وأسفل سفح الصخور الجبلية لم يجد مستقرا لعائلته وعائلة شقيقه سوي أن يقطنوا داخل غرفة وعشة مقابلة لها، تغدو عليهم السنين بفصولها ولا مهرب ولا ملجأ سوي تلك العشة التي تحتفظ بضجيج الأصوات من صراخ وبكاء وفرح وضحكات الصبية والفتيات رغم ضيق الحال والبرد القارس إلا أنها المكان الوحيد الذي يحمي أسرته من النوم في العراء.

يغالب «سلطان» حظه في الدنيا لكن صبره يعينه على تحمل المشاق «كنت أعمل بالمحاجر لمدة 15 يوما في الشهر، أعود كل يوما أحمل ما رزقني الله من مال نظير عملي أترجل هنا وهناك كي أجلب من المأكل ما أتمكن من شرائه لتسعد أسرتي الصغيرة، لكن الحال لم يبقى كثيرًا وسرعان ما أصيبت بالغضروف؛ الأمر الذي أجبرني علي التوقف عن ممارسة عملي الذي كان مصدري الوحيد لتوفير مأكل ومشرب».

وأضاف رب الأسرة «بدأت أتقاضي 300 جنيه معاش من الدولة أقوم من خلالهم بمحاولة توفير ثمن العلاج ودفع ايجار للارض التي اقطن عليها لانها أملاك دولة وهي تلك الغرفة المكونة من 4 جدران تأويني وأسرتي وأسرة شقيقي من العراء والعشة المقابلة لها نجلس بها ليل من لم يجد له مكان في الغرفة فعليه للانتظار للمبيت داخل تلك العشة »، موضحًا أن المعاش الذي يتقاضاه لا يكفي لشيء فهو يعالج من الغضروف منذ أكثر من 13 عامًا ويس لديه عمل وفي رقبته مأكل ومشرب وكسوة وعلاج 7 أفراد من أسرته.

زوجة سلطان تشاركه المعاناة كما الحياة تضيف «عانينا كثيرًا بسبب المعاش الذي يتقاضاه زوجي بعد توقفه عن العمل أصبح غير قادرا علي توفير إيجار المأوي الذي يسترنا ليل نهار وحتي الآن، لم نتمكن من تجهيز بناتي والذي وصلت أعمارهن إلي سن الـ 17 لكننا غير قادرين علي تجهيزهن».

وأوضحت «اننا ولبعد المسافة عن مدينة المنيا لم أقم بالحاق بناتي بالمدرسة خاصة أن طبيعة الأهالي الذين يقطنون بالمناطق الجبلية هي العمل بالمحاجر أو الصيد ونحن نقطن بين نهر النيل من الناحية الشرقية وأسفل صخور جبلية لا نعلم ما مصيرنا إذا هبت علينا الأمطار والسيول».

علي الجانب الآخر ضمت العشة والغرفة بين طياتها الأسرة الثانية لـ " سلطان " وهي أسرة شقيقه الأصغر و الذي يعيش هو وزوجته وأبنائه الأربعة يساندون بعضهم البعض علي المعيشة، والتغلب على برودة الجو الذي يسيطر علي حالة الطقس ووضعت المائدة لتسع الجميع داخل عشة البوص.

ـــ أصحاب "عشش الثعابين" في الفيوم

على شفا الفقر يعيش كثيرون فى القرى والنجوع ممن لا دخل ولا عائل لهم وتزداد معاناتهم مع حلول فصل الشتاء، إذ يصبح «الموت بردا» أحد الاحتمالات الواردة، حيث تهدمت الأسقف الخشبية على رؤوس أصحابها بالشتاء الماضي ، ثمة منازل لاتستطيع أن تهنأ بهدوء ليالى الشتاء العطرة برائحة مطره، فهم يرقبون الأمل بأشياء أخرى، تتعلق بمن يقومون بتوزبع الأغطية والبطاطين والملابس الثقيلة في يوم الكساء المعروف في أغلب المحافظات للتستر من البرد، وبعضهم يبحثون عن «مشمعات بلاستيكية»، وأخرى من البوص الفارسي بتوددهن لفلاحي القرية للاحتماء من عراء أسقف منازلهم.

فى مركز إطسا ..أوضح الحاج محمود الجندي، صعوبة الأوضاع المعيشية داخل عزبة لملوم والسريرة بقصر الباسل وعدة قرى بذات المركز قائلا إن بيوت هذه القرية تخشى حلول الشتاء لتضررها الكبيرمن تهدمها فوق رؤوس سكانها، لافتا أن البيوت أسقفها من البوص المتهالك ، وإذا ماسقطت الأمطار تغرق هذه المنازل الهشة، خاصة أنها لا ترتفع عن مستوى الأرض وهو مايسهل غرقها.

وأضاف الجندي «نسعى لتغطية أسطح تلك المنازل «بمشمعات بلاستيكية» وغيرها من الحيل التي تساعد هؤلاء البسطاء حتى لا تغرقهم المياه»، مضيفا أنهم ينقصهم توافر بطانيات ومراتب وآسرة وغيرها من وسائل المعيشة كذلك فهم محرومون من كل ذلك.

«أم محمود»، إحدى الذين فاجأتهم أمطار الشتاء بما لم تكن يتوقع، فقد تهدمت أجزاء كثيرة من منزلها وباتت بالعراء، وتأوى أحيانا إلى المسجد بأسرتها الصغيرة التي تتكون من ابنتين احداهما تم عقد زواجها ولم تقدر على تحمل تكتليف زفافها، بينما الأخرى ذات الـ16 عاما في حاجة لأبسط حقوقها في الخصوصية، وصبيا من ذوي الاحتياجات الخاصة، ينام الجميع كل مساءا دون أغطية أو فروشات والتي قد تهالكت وأكلتها أمطار الشتاء.

«تهاني الفقيرة» إمرأة أخرى تعاني ضيق الحال وتصرخ الفقر والجوع، ليس هناك من يعيلها بابنتيها وابنها المريض، تخاف الحشرات الزاحفة التي يوما بعد يوما تعشش وتخرج عليها شتاءا وصيفا تنتظر يد العون من أصحاب القلوب الرحيمة، لتسد احتياجات اولادها بـ «العيش الحاف».

وإذا كنا قد سردنا نبض الناس فى تلك القرية لخصتها ماسأة «أم محمود»، فإن ثمة ظروف معيشية مماثلة، يعيشها الفقراء في قرى وعزب يوسف الصديق بالفيوم، وفقا للإحصائيات الرسمية، ليس لدى سكانهاما يواجهون به شبح الموت بردا.

ـــ مستعمرات "العيش الحاف" بالإسكندرية

الهواء البارد يعري أجسادهم، يبحثون عن ملاذ آمن يقيهم الهلاك تحت ضربات الشتاء القارس، هنا في الإسكندرية فقراء ينامون أسفل زخات المطر دون ساتر يحميهم.

في منازل مكونة من أسطح وجدران خشبية تعيش مئات الأسر تحت خط الفقر بمختلف أحياء الإسكندرية، خاصة في المناطق العشوائية والحارات البعيدة عن أعين المسؤولين، راضين بما قسمه الله لهم، والرضا يكسو وجوههم، مرددين دائما عبارة "الحمدلله علي كل حال».

ــ مئات الأسر يطاردها الموت بالجمرك

تعد حارات «الكيال والشمرلي وتيمور» بمنطقة الجمرك، بحري الإسكندرية، ضمن المناطق العشوائية بالحي التي يعيش سكانها تحت خط الفقر، ويتعدي عددهم المئات من الأسر، تتكون منازل الكثير منهم من أسطح وجدران خشبية، وهم مهددون بالموت تحت أنقاضها حيث أنها آيلة للسقوط، فضلا عن انتشار الأمراض المتفشية والوبائية، مما يهدد المناطق المجاورة بالعدوي.

كما تعيش أسر كاملة من سكان المنطقة داخل غرفة واحدة، ودورات المياه مشتركة بين جميع الغرف في المنطقة، كما لا يملك كبار السن منهم معاش اجتماعي ولا تأمين صحي.

-تنتظر الموت تحت الأنقاض

في إحدى المناطق الشعبية بقلب الإسكندرية تعيش «أم إبراهيم» عجوز علي مشارف السبعين عاما، داخل حجرة ضيقة ومظلمة لا تزيد مساحتها عن متر في متر حوائطها مشققة، وسقفها الخشبي متآكل، في أحد المناطق الشعبية بقلب الإسكندرية، والمرض يرافق وحدتها وينهش جسدها النحيل.

وتُركت السيدة العجوز فريسة للفقر والمرض بعد أن تخلي عها نجلها الوحيد، وتحول جسدها لهيكل عظمي، وعيناها ضعفت ولم يعد بإمكانها البصر، واقتصر غذاؤها على الماء، وصارت تنتظر الموت إما تحت أنقاض سقف حجرتها، أو بسبب مرضها المزمن، أو الجوع والبرد.

وتعرضت حجرتها الصغيرة للغرق في المياه الجوفية وصار ليلها كنهارها، تمضي عليها الأيام ولا تعرف يومها، الذي تعيش، لم تتناول أي طعام منذ فترة كبيرة، وتجاورها زجاجة الماء ترتشف منها كلما جاعت أو عطشت، ورغم كل ما بها من مرض ووجع إلا أنها لم تشتكِ ولم تطلب لنفسها أي شيء.

وبالرغم مما تعيشه العجوز من مأساة حقيقية، إلا أنها تعففت عن طلب أي شيء وظلت تردد "الحمد لله أنا مش محتاجة حاجة" رغم أنها لا تملك أي شيء.

-سلبه الفقر ريعان شبابه

في منطقة كرموز، غرب الإسكندرية، يعيش السيد جاد عطية، الذي تعدي الستين من عمره، في غرفة صغيرة داخل منزل متهالك، وحيدا دون أسرة أو أقارب، وتسببت ظروفه المعيشية الصعبة في عدم استطاعته الزواج، حيث لا يملك سوي تلك الغرفة التي لا تتعدي المتران في متران ومتهدمة تشبه "الخرابة".

ولا يملك "عطية" سوي محل خضار صغير ورثه عن أبيه، إلا أنه بعد وفاته قرر أن يحوله إلي محل للنجارة ليستطيع العيش من خلاله و"تلقيت رزقه" الذي يكون أحيانا 5 جنيهات فقط طوال اليوم، ولا يتعدي الـ 50 جنيه.

وتسبب عدم تمكنه من استخراج بطاقة رقم قومي رغم سعية كثيرا لاستخراجها، في حرمانه من التمتع بأي خدمات مثل التموين أو معاش أو غيره مما يعينه علي الحياة المعيشية.

«أنا لو دخلي 50 جنيه في اليوم هبقي باشا.. أنا أوقات ربنا بيرزقني بـ 15 جنيه وأيام بـ 5 جنيه وأيام مفيش خالص.. ولو ربنا رزقني بالـ 5 جنيه في اليوم بتبقي بالنسبة ليا 5 آلاف جنيه» يقول الرجل المسن وعلامات الرضا تبدو علي وجهه، مضيفا: «الأسعار تطلع تنزل ما تفرقش معايا أنا في الحالتين باكل وبشرب لو رغيف عيش بس بالنسبة ليا زي اللحمة والفراخ أو غيره.. المهم إن بطني امتلأت وخلاص ومفيش حد شايفها.. وعلي رأي المثل تعزها تذلك تذلها تعزك.. وأهي ماشية والحمد لله».

وأضاف عطية، «أنا نجار بسيط علي باب الله ووضعي صعب من كل ناحية ومش عارف أنا عايش ليه.. لا بطاقة ولا شهادة ميلاد ولا سكن غير أوضة خردة والمحل اللي أملكه بتاع والدي وأنا عملته محل نجارة ولا أملك غيره.. والرزق أهو يوم في ويوم مفيش.. والحمدلله ماشية».

-30 منطقة عشوائية

كما تضم محافظة الإسكندرية حوالي ٣٠ منطقة عشوائية، منها ٦ مناطق في حي غرب، وهي (نجع العرب، ومأوي الصيادين، والطوبجية، ووابور الجاز، وحرم السكة الحديد، وكوم الملح)، و٨ في حي العامرية، وهي "الدخيلة الجبلية، وزاوية عبدالقادر، والعامرية القديمة، والدريسة، وعلام، وغرب الهانوفيل، ومستعمرة الجزام، ومرغم، ونجع عبدالروان، وقبلي كينج مريوط"، ومنطقتان في حي وسط وهما "نادي الصيد، والحضرة الجديدة، وتوابعهما".

أما في حي شرق، فيوجد ٥ مناطق عشوائية، وهي "المطار وتوابعها، وجنايوتي وتوابعها، وسكينة وتوابعها، والظاهرية والمحروسة، ودنا"، وفي حي المنتزه، الأكثر عشوائية، حيث يوجد فيه ٩ مناطق، هي "خورشيد وتوابعها، والمهاجرين وتوابعها، ومحسن الكبري، والعمراوي، وسيدي بشر قبلي، والعصافرة قبلي، والمندرة قبلي، والحرمين، والمعمورة البلد".

ــــ في سوهاج .. الموت أرحم من الحياة 

8 أفراد تجمهم 4 عشش مسقوفة من جريد النخيل والأفلاق هنا فى سوهاج وتحديداً بقرية شطورة التابعة لمركز طهطا تعيش تلك الأسرة عاجزة حتى عن علاج والدتهم المريضه منذ شهور ولايمتلك أولادها وأحفادها إلا الدعاء لها وانتظار قضاء الله وأن يتولها برحمته.

فى البدية يقول محمد حسن على أبورية «أنا العائل الوحيد للأسرة، بعد وفاة والدى الذى كان يعمل عامل نظافة بالأزهر الشريف وترك لنا معاش لايتخطى 700 جنيه باسم والدتى المريضة وبنجيب بيهم برشام وحقن بس مبيكفوش».

وأضاف أنه الابن الوحيد على 5 بنات تزوجن جيمعا بمساعدة الناس الأخيار .. «ربنا رزقنى بـ 4 أولاد بعمل ليل نهار من أجلهم ولكن شاء القدر أن شقيقتى الصغرى تطلق بعد زوج دام 5 سنوات أنجبت طفلاً اتكفل برعايتة بعد أن ألقاه والده وتزوج من آخرى».

ويكمل محمد حديثه والحسرة والعجز يهزمانه .. «فكرت فى الانتحار أكثر من مرة ولكن خفت من عقاب رب العالمين نعيش حياة غير أدمية ب4 عشش صغيرة مسقوفة من جريد النخيل وتستر أجسامنا بطاطين متهالكة، ينام الأطفال وكانهم كتلة واحدة من رعشة البرد».

وتابع الابن «والدتى طريحة الفرش تنتظر الموت في أي وقت، لأنى غير قادر على نفقات علاجها الباهظة دخنلنا الكثير من المستشفيات الحكومية ولكن بعد المسكنات خرجونا بحجة مفيش امكانيات لعلاجها».

وطالب "محمد" الدكتور أيمن عبد المنعم محافظ سوهاج، بالنظر بعين الرحمة لولدته المريضة وعلاجها على نفقة الدولة حتى لا يسأل عنها أمام الله ويتهم بالتقصير فى أعين الناس.

كما طالب بتوفير بطاطين لاطفاله خوفاً عليهم من برد الشتاء القارس الذى لايرحم الفقراء. 

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً