مستعمرات "العيش الحاف" في الإسكندرية.. "أم إبراهيم".. حكاية عجوز أذلها البؤس وتعيش على المياه فقط

الهواء البارد يعري أجسادهم، يبحثون عن ملاذ آمن يقيهم الهلاك تحت ضربات الشتاء القارس، هنا في الإسكندرية فقراء ينامون أسفل زخات المطر دون ساتر يحميهم.

في منازل مكونة من أسطح وجدران خشبية تعيش مئات الأسر تحت خط الفقر بمختلف أحياء الإسكندرية، خاصة في المناطق العشوائية والحارات البعيدة عن أعين المسؤولين، راضين بما قسمه الله لهم، والرضا يكسو وجوههم، مرددين دائما عبارة "الحمدلله علي كل حال».

مئات الأسر يطاردها الموت بالجمرك

تعد حارات «الكيال والشمرلي وتيمور» بمنطقة الجمرك، بحري الإسكندرية، ضمن المناطق العشوائية بالحي التي يعيش سكانها تحت خط الفقر، ويتعدي عددهم المئات من الأسر، تتكون منازل الكثير منهم من أسطح وجدران خشبية، وهم مهددون بالموت تحت أنقاضها حيث أنها آيلة للسقوط، فضلا عن انتشار الأمراض المتفشية والوبائية، مما يهدد المناطق المجاورة بالعدوي.

كما تعيش أسر كاملة من سكان المنطقة داخل غرفة واحدة، ودورات المياه مشتركة بين جميع الغرف في المنطقة، كما لا يملك كبار السن منهم معاش اجتماعي ولا تأمين صحي.

ــ تنتظر الموت تحت الأنقاض

في إحدى المناطق الشعبية بقلب الإسكندرية تعيش «أم إبراهيم» عجوز علي مشارف السبعين عاما، داخل حجرة ضيقة ومظلمة لا تزيد مساحتها عن متر في متر حوائطها مشققة، وسقفها الخشبي متآكل، في أحد المناطق الشعبية بقلب الإسكندرية، والمرض يرافق وحدتها وينهش جسدها النحيل.

وتُركت السيدة العجوز فريسة للفقر والمرض بعد أن تخلي عها نجلها الوحيد، وتحول جسدها لهيكل عظمي، وعيناها ضعفت ولم يعد بإمكانها البصر، واقتصر غذاؤها على الماء، وصارت تنتظر الموت إما تحت أنقاض سقف حجرتها، أو بسبب مرضها المزمن، أو الجوع والبرد.

وتعرضت حجرتها الصغيرة للغرق في المياه الجوفية وصار ليلها كنهارها، تمضي عليها الأيام ولا تعرف يومها، الذي تعيش، لم تتناول أي طعام منذ فترة كبيرة، وتجاورها زجاجة الماء ترتشف منها كلما جاعت أو عطشت، ورغم كل ما بها من مرض ووجع إلا أنها لم تشتكِ ولم تطلب لنفسها أي شيء.

وبالرغم مما تعيشه العجوز من مأساة حقيقية، إلا أنها تعففت عن طلب أي شيء وظلت تردد "الحمد لله أنا مش محتاجة حاجة" رغم أنها لا تملك أي شيء.

-سلبه الفقر ريعان شبابه

في منطقة كرموز، غرب الإسكندرية، يعيش السيد جاد عطية، الذي تعدي الستين من عمره، في غرفة صغيرة داخل منزل متهالك، وحيدا دون أسرة أو أقارب، وتسببت ظروفه المعيشية الصعبة في عدم استطاعته الزواج، حيث لا يملك سوي تلك الغرفة التي لا تتعدي المتران في متران ومتهدمة تشبه "الخرابة".

ولا يملك "عطية" سوي محل خضار صغير ورثه عن أبيه، إلا أنه بعد وفاته قرر أن يحوله إلي محل للنجارة ليستطيع العيش من خلاله و"تلقيت رزقه" الذي يكون أحيانا 5 جنيهات فقط طوال اليوم، ولا يتعدي الـ 50 جنيه.

وتسبب عدم تمكنه من استخراج بطاقة رقم قومي رغم سعية كثيرا لاستخراجها، في حرمانه من التمتع بأي خدمات مثل التموين أو معاش أو غيره مما يعينه علي الحياة المعيشية.

«أنا لو دخلي 50 جنيه في اليوم هبقي باشا.. أنا أوقات ربنا بيرزقني بـ 15 جنيه وأيام بـ 5 جنيه وأيام مفيش خالص.. ولو ربنا رزقني بالـ 5 جنيه في اليوم بتبقي بالنسبة ليا 5 آلاف جنيه» يقول الرجل المسن وعلامات الرضا تبدو علي وجهه، مضيفا: «الأسعار تطلع تنزل ما تفرقش معايا أنا في الحالتين باكل وبشرب لو رغيف عيش بس بالنسبة ليا زي اللحمة والفراخ أو غيره.. المهم إن بطني امتلأت وخلاص ومفيش حد شايفها.. وعلي رأي المثل تعزها تذلك تذلها تعزك.. وأهي ماشية والحمد لله».

وأضاف عطية، «أنا نجار بسيط علي باب الله ووضعي صعب من كل ناحية ومش عارف أنا عايش ليه.. لا بطاقة ولا شهادة ميلاد ولا سكن غير أوضة خردة والمحل اللي أملكه بتاع والدي وأنا عملته محل نجارة ولا أملك غيره.. والرزق أهو يوم في ويوم مفيش.. والحمدلله ماشية».

-30 منطقة عشوائية

كما تضم محافظة الإسكندرية حوالي ٣٠ منطقة عشوائية، منها ٦ مناطق في حي غرب، وهي (نجع العرب، ومأوي الصيادين، والطوبجية، ووابور الجاز، وحرم السكة الحديد، وكوم الملح)، و٨ في حي العامرية، وهي "الدخيلة الجبلية، وزاوية عبدالقادر، والعامرية القديمة، والدريسة، وعلام، وغرب الهانوفيل، ومستعمرة الجزام، ومرغم، ونجع عبدالروان، وقبلي كينج مريوط"، ومنطقتان في حي وسط وهما "نادي الصيد، والحضرة الجديدة، وتوابعهما".

أما في حي شرق، فيوجد ٥ مناطق عشوائية، وهي "المطار وتوابعها، وجنايوتي وتوابعها، وسكينة وتوابعها، والظاهرية والمحروسة، ودنا"، وفي حي المنتزه، الأكثر عشوائية، حيث يوجد فيه ٩ مناطق، هي "خورشيد وتوابعها، والمهاجرين وتوابعها، ومحسن الكبري، والعمراوي، وسيدي بشر قبلي، والعصافرة قبلي، والمندرة قبلي، والحرمين، والمعمورة البلد".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً