«حياتي مثل موتي الاثنان سواء، حتى اهتديت للعلاج واكتشفت أن الحياة هبة من الله فلا تضيعو هباته».. بتلك الكلمات تحدث الشاب الذي يكاد يتعافي من سموم المخدرات، ساردا كيف ومتى انجرف إلى عالم الشياطين وانزلقت قدماه في بحر الكيف اللعين، وكيف تمكن شقيقه من انقاذه قبل أن يدمر ماتبقى منه كإنسان..
* من أنت؟
اسمي «تامر عبدالنبي» 43 سنة، بشرب مخدرات من أيام المدرسة، يعني نصف عمري ضاع في تعاطي السموم والمواد المخدرة، درست في معهد لأني لم أحصل على مجموع عالي يؤهلني لدخول الجامعة، وتزوجت في سن 31 وأنجبت أربعة أطفال.
* متى وكيف دخلت عالم المخدرات؟
تعلمت أولًا تدخين السجائر عن طريق لف ورق الجرائد، وقتها كنت أدرس في الابتدائية، لحين وصلت أولى ثانوي، عرض علي صاحبي في المدرسة تجربة نوع مخدر ما "لكن صاحبي مش السبب الرئيسي لأن محدش بيضرب حد على إيده".
* كيف كان شعورك وأنت تأخذ أول مرة المخدر؟
شعرت بخليط غريب من الأحاسيس المختلفة، كان لدي الفضول للتجربة، ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلة إدماني للمخدرات، كنت وقتها في الرابعة عشرة من عمري، بالثانوية العام.
* ومن أين كنت تحصل على ثمن المخدرات وأنت طالب؟
أحيانًا من مصروفي الخاص، وعندما لا أجد قروشًا لشرائه كنت أبيع أي شيء بالمنزل، ملابس وتلك كانت أولى أعراض الإدمان.
* وما هي أعراض إدمان المخدرات؟
المدمن يفعل أي شيء للحصول على جرعة المخدر، فالمدمن يسرق ويحتال، ويكذب، ويغش ويبيع كل ما تقع عليه عينيه وهذه صفات مشتركة بين كل المدمنين، ولكن لا يشعر المدمن حينها بأنه بتلك الصفات، كما لا يشعر بالمشاكل من حوله.
* بأي وسيلة كنت تجلب المخدرات؟
كان عندي في المنطقة «ديلر» أشتري منه المخدر، وأحيانًا أخرى كنت بأطلع الصحراء، ولا أدرك حينها مدى الخطورة التي عرضت نفسي إليها، ولكن وقتها الأهم هو جلب المخدر.
* ألم تفكر يومًا أن تحاول الإقلاع عن التعاطي؟
لم أفكر يومًا الإقلاع عن المخدرات إلا في أخر مرة بعد تعاطي الهيروين، وقتها فقط شعرت أنني ألتقط أنفاسي الأخيرة.
* هل لجأت إلى مراكز أو مستشفى من قبل للتعافي؟
أول مرة أدخل مستشفى لعلاج الإدمان، جاء ذلك من خلال أخي الأصغر، هو من ساعدني على مواجهة مشاكلي بسبب تعاطي المخدرات، خاصة إنني وقتها مدمن هيروين، وعندما واجهت نفسي بذلك شعرت براحة كبيرة، وكانت أولى خطواتي نحو مساري العلاجي، وأصبحت أعمل في توعية الشباب وتبصيرهم بمخاطر المخدرات وخطورة إدمانها، وأذكر لهم تجربتي كي يدركوا أنه هناك أملًا في العلاج والتعافي من السموم المخدرة.
* وكيف يعرف الأب أن ابنه يتعاطى المخدرات؟
إذا شك الأب في ابنه عليه تفحصه جيدًا فإذا شاهد سوادًا أسفل العينين، فذلك يعني أن ابنه يتعاطى المخدرات أو الحبوب المخدرة، ومن الأعراض أيضًا الأكل الكثير، والقلق، واحمرار العينين، والاكتئاب، والانعزال واحمرار أسنان الفك الأسفل من الداخل.
*هل أعراض تعاطي المخدرات والحبوب المخدرة مشتركة بين المدمنين؟
نعم وهي أعراض انسحابية.
*ماذا كان رد فعل زوجتك معك؟
البداية كانت تجهل نوع المخدر الذي اتعطاه، ولكن مع تدهور حالتي الصحية، واكتشافها اختفاء قطعة من الذهب الخاص بها، ورغم ذلك كانت تتحدث معي، وهي كل ما تعلمه إنني بأخذ برشام فقط، وأتذكر في مرة أخذت فلوس المدرسة الخاصة بابنتي، وتسبب ذلك في تأخيرها سنة كاملة عن دراستها، وقتها رأيت أن الآخرين لم يتفهموني، عانت معي كثيرًا ولكنها في النهاية صمدت معي.
* هل يعرف أبناؤك إنك مدمن؟
لا، ولكنهم كانوا يشعرون بالفرق لأنني لا أشاركهم حفلات المدرسة، ولم أشارك في المناسبات العائلية، ولم أشاركهم تفاصيل حياتهم، تقريبًا كنت وسطهم مجرد جسد فقط، ولكنني كنت حريص جدًا عدم رؤيتهم لوالدهم يتعاطى المخدرات.
* ما دور المستشفى معك؟
هي الدرع الثالث بين المريض وعائلته، أولًا المستشفى تقوم بدور المعالج، وتصبح هي حلقة الوصل بين المريض وأهله، وتعمل على حل المشكلات بينهما، كما أنها تأهل المرضى لمواجهة الحياة بعد الخروج من المستشفى بدون مخدرات، وتعيد له الحياة كأنه يخلق من جديد.
* هل إدمان المخدر أثر عليك نفسيًا؟
بالطبع، ولكن في البداية فقط أما الآن أشعر بالراحة بعدما جربت عدم تناول المواد المخدرة، لدرجة إنني لا اتعاطى حتى أدوية المعالجة، أريد جسدي نظيفًا بدون تدخل المواد الكيميائية به.
* ماذا تقول للشباب؟
أقول لهم المخدرات في بدايتها تعطيك إحساسًا غريبًا محبباً بالسعادة والنشاط، لكن نهايتها الموت البطيء والانسحاب من المجتمع، فالإدمان يبدأ بنصف حبة مخدرة ثم حبتين ثم شريط في اليوم، ثم يأخذك إلى عالم مليء بالمشاكل والمعاناة.
احذروا المخدرات فأنها سوف تسلبكم أغلى جوهرة منحها الله للإنسان، وهي العقل.
نقلا عن العدد الورقي.