فى عام 1963 تم عرض فيلم «أم العروسة» عن قصة لعبدالحميد جودة السحار وسيناريو عبدالحى أديب من إخراج عاطف سالم عن حياة موظف بسيط يعيش حياته يومًا بيوم يحب وينجب صغاراً وكباراً، لا يفكر فى المستقبل، ولا فى حياة صغاره، وكيف يعلمهم ويزوجهم ويقدر على معاشهم، وفجأة تكبر البنتان فإذا به قد أصبح مسؤولاً عن جهاز ابنته الكبرى وهو لا يملك سوى مرتبه الذى يكفيه بالكاد.
الفيلم ناقش قضية السكان بصورة درامية فنية دون توجيه أو تعليم أو مباشرة فكانت قصة «حسين» أو عماد حمدى وزوجته تحية كاريوكا «زينب» هى قصة الآلاف من المصريين فى ذلك الوقت من الطبقة الوسطى التى تعيش الحياة دون تخطيط ودون تفكير فى الغد، وفى ضرورة تنظيم الأسرة، ولم يتطرق الفيلم إلى قضايا فرعية، وإنما ركز على العادات والتقاليد التى تصاحب زواج البنت، ودور الأم فى الجهاز والمظاهر ومتطلبات العروس من ملابس وأثاث وفرح حتى تظهر الأسرة بمظهر لائق أمام أسرة العريس.
وبعد أكثر من خمسين عامًا أو نصف قرن يكتب هانى كمال مسلسلاً تليفزيونياً من إخراج كمال منصور عن قصة شبيهة بالفيلم ولكن من منظور آخر عن أبو العروسة، ولأنه عمل درامى تليفزيونى يحتمل مدة زمنية أكبر من المائة دقيقة الخاصة بالفيلم، فإن المسلسل يناقش مجموعة مهمة جدًا من قضايا العصر فى مصر بأسلوب درامى متميز وحوار منضبط الإيقاع والألفاظ، لم يخرج فيه الكاتب عن النص ولم يتجاوز فى الحوار لفظاً أو نبرةً، وتفردت الشخصيات إلى حد كبير فى بنائها النفسى والحوارى وأدائها السلوكى، فالقضية الرئيسية هى أسرة «عبدالحميد» أو سيد رجب وزوجته «عايدة» سوسن بدر وأبنائهما: ثلاث بنات وولدين، الابنة الكبرى طبيبة «زينة» والوسطى طالبة فى الثانوية، والصغرى طفلة فى المرحلة الابتدائية، أما الابن الأكبر «أكرم» فهو مثل معظم الشباب المصريين تخرج ولم يجد وظيفة فامتهن مهنة عمه للكسب السريع، فأصبح مدرباً رياضياً «جيم» فى المراكز الراقية، أما الابن الأصغر فمازال تلميذاً فى ابتدائى.
تلك الأسرة المصرية العادية تحمل العديد من العادات والتقاليد والمبادئ الراقية التى تميزها حتى عن أسرة العريس «طارق الثرى» من أب لديه مجموعة محلات سوبر ماركت وزوجته المظهرية المعقدة، وإلى جانب أسرة أبو العروسة تتفرع عدة قضايا وقصص فرعية، لكنها تصب فى مسار القصة الأساسية عن أخت «عايدة» الدكتورة «عبير» أو نيرمين الفقى زوجة «جابر» الذى يعمل فى مجال العمل الحر مدحت صالح، وهى قصة التكافؤ الثقافى والفكرى وأيضًا العاطفى والنفسى فى زواج دمرته الخيانة وغياب الاحترام، ثم قصة «ملاك» خالد كمال الشاب المسيحى زميل أبو العروسة فى العمل، وهو شاب يتحمل أعباء أسرته ولا يقدر على الزواج ممن يحب، لقصر ذات اليد وللمسئولية الملقاة على عاتقه، وكيف يقع أخوه الصغير فى بئر الإدمان والاتجار، وأخته تنجرف فى حب مآله الفشل مع شاب مسلم، ومعالجة الأخ الأكبر الحكيمة لهذه المصاعب حتى يخرج بأسرته إلى بر الأمان، وعلى ذات المستوى الدرامى تظهر شخصية «شريف» محمد حاتم الأخ الأصغر لأبو العروسة وهو الذى يعمل فى مجال التدريب البدنى لأصحاب المال وزوجاتهم فى النوادى والمراكز الذهبية، فإذا به ينجرف فى علاقة حب مع زوجة خانها زوجها وأساء معاملتها، وهو رجل الأعمال الذى يعمل فى تزوير جوازات السفر والتأشيرة، ولا مانع من بعض الاتجار فى الممنوع أياً كان.
وتتفرع قصة أخرى موازية لامراة يخونها زوجها فتقرر هى أيضًا خيانته بطريقتها فتستدعى الشاب «على» وهو صديق «أكرم» ليصبح صديقاً لها تشترى له الملابس وتصاحبه فى الديسكو وتتلاعب بمشاعره.. العمل يتحمل عدة أجزاء لتنوع القصص والقضايا والشخصيات والصراعات التى يعيشها المجتمع المصرى فى تلك المرحلة الجديدة.
سيد رجب ورانيا فريد ومدحت صالح ونيرمين الفقى وسوسن بدر وأحمد صيام عمالقة أداء سهل ممتنع.. الجيل الجديد محمد عادل وخالد كمال ومحمد حاتم وأمانى كمال فى طريقهم إلى التمكن والتميز، دراما أبو العروسة اجتماعية جديدة ومختلفة وعودة إلى الفن الأصيل.