في مثل هذا اليوم من عام 1924 ولدت زينب خليل ابراهيم محفوظ الشهيرة بالراقصة سامية جمال والملقبة بالراقصة الحافية في إحدى مدن محافظة بني سويف.
"سامية جمال" راقصة لجأت إلى الفن هربا من الطفولة القاسية، ومثلها مثل باقى الفتيات يبحثن عن فرصة سريعة لجنى الأموال بعيدًا عن الفقر المدقع، ولعل كلمات الفنان عادل إمام فى مسرحية «شاهد مشافش حاجة»، لحاجب المحكمة حين علم أنه لديه سبعة أولاد ويتقاضى 7 جنيهات، "اتكل على الله واشتغل رقاصة" نصيحة تسير عليها فتيات اليوم لمعرفتهم أن بالفعل هذا يمكنهم القضاء على مشكلة الفقر.
اتسمت سامية جمال بعزة النفس على الرغم من قلة المال إلا أنها رفضت الهدايا أو العطاءات أيًا كان سببها، فلم تقبل أبدًا أن تتلقى أموالاً من أحد إلا نظير عملها سواء الرقص أو التمثيل، لدرجة رفضها عرض أحد أمراء الخليج أن يهدى لها جناحًا خاصًا فى أحد الفنادق ولكنها رفضت.
عانت "جمال" من طفولة قاسية فى إحدى قرى بنى سويف، حيث توفيت والدتها وهى فى سن الثامنة من عمرها، ليقرر والدهما أن ينتقلوا إلى القاهرة، حيث أقاموا فى أحد الأحياء الشعبية قبل أن تتزوج شقيقتها الكبرى وتبدأ معاناة زينب مع زوجة أبيها.
من هنا بدأت رحلة معاناة "زينب" الحقيقية بعد وفاة والدها حيث عاملتها زوجة أبيها بقسوة وحولتها من ابنة صاحب البيت إلى مجرد خادمة تؤدى أعمال البيت من مسح وتنظيف وشراء المتطلبات من السوق، لتصبح الزوجة الجديدة هى المالكة لكل شىء وتعامل زينب لا كطفلة يتيمة وابنة زوجها ولكن كخادمة تعمل من أجل قوتها فقط، لتقرر زينب الهرب من المنزل.
وانتقلت سامية إلى بيت شقيقتها لتعيش معها ومع أبنائها وكان عمرها وقتها لا يتعدى 13 عامًا، ولكنها اكتشفت بعد انتهاء فترة الضيافة أن الوضع فى بيت شقيقتها لا يختلف كثيرًا عن الوضع فى بيت زوجة أبيها، فهى فى البيتين لا تزيد عن كونها خادمة تشترى مستلزمات البيت من السوق وتقوم بأعمال النظافة وطهى الأكل وترتيب الغرف، وهو مالم ترتضه زينب لنفسها وقررت للمرة الثانية أن تهرب من بيت شقيقتها.
ثم عملت بإحدى الفرق الغنائية حيث انضمت لفرقة ملكة المسارح بديعة مصابنى، وعملت كراقصة فى الفرقة تشارك فى التابلوهات الجماعية الراقصة مع الفتيات خلف بديعة، التى أعجبت بجمالها الأسمر الهادئ وقررت أن تخرجها من بين الراقصات الخلفيات وأن تجعلها تقدم رقصة منفردة فى إحدى الحفلات.
ورغبة من بديعة فى أن تظل هى وفرقتها المسيطرة على على الساحة فقد أسندت مهمة تدريب زينب التى اختارت لها اسم ''سامية جمال'' إلى مدرب رقص محترف، قام بتعليمها بعض الحركات لكى تؤديها على المسرح بحذاء ذى كعب عالٍ وهو ما جعل سامية تشعر بالخوف والرعب فخرجت الرقصة سيئة لتعيدها مصابنى مرة أخرى لصفوف الفتيات الراقصات خلفها.
واستمرت سامية على هذا الحال فترة قبل أن تعود لتلح على بديعة بأن تعطيها فرصة أخيرة، لتوافق الأخيرة شريطة أنه فى حال فشلها ستطردها من الفرقة، فوافقت سامية ولكنها طلبت منها ألا تجعل مدرب الرقص يتدخل فى الرقصة التى تؤديها وأن تتحمل هى التجربة كاملة، وبالفعل قدمت سامية الرقصة التى جعلت من فى الصالة يصفقون لها تصفيقًا حارًا استمر عدة دقائق لتحصد النجاح والنجومية التى فتحت لها أبواب الشهرة والنجومية.
انتقلت إلى عالم السينما فشاركت فى عدد من الأفلام كراقصة تؤدى رقصة فى الفيلم ضمن مجموعة من الراقصات، إلى أن جاءتها الفرصة عام 1941 مع الفنان الكبير فريد الأطرش فى دور ثانوى بفيلم ''انتصار الشباب'' حيث ظهرت فيه فى استعراض غنائى راقص لفت الأنظار إليها.
وانطلقت سامية بعد النجاح الكبير الذى حققه الفيلم لتقدم نفسها كممثلة وليست راقصة، لتحظى بأدوار البطولة، ولتكون مع الفنان فريد الأطرش ثنائيًا فنيًا ناجحًا بدأ بفيلم ''حبيب العمر''، واستمر لخمسة أفلام كانا من أبرز أفلام الأطرش وسامية وهى أفلام: ''أحبك انت''، و''عفريتة هانم''، و''آخر كدبة''، و''تعالى سلم''، و''ماتقولش لحد''.
وفى أوائل السبعينيات اعتزلت سامية عالم الفن وتسبب حرص سامية فى المحافظة على رشاقتها أن تبتعد عن الطعام وتكتفى بالخضراوات والزبادى لتصاب بالأنيميا، وهو ما أدى لدخولها للمستشفى قبل أربعة أشهر من وفاتها حيث كانت تعانى من هبوط حاد فى نسبة الهيموجلوبين بالدم، ما استدعى نقل دم لها.
وبعدما أفاقت سامية من الغيبوبة نصحها الأطباء بتناول الفيتامينات والاهتمام بالتغذية والابتعاد عن النظام الغذائى القاسى الذى تعيش عليه، وهو ما رفضته سامية وتسبب فى إصابتها بجلطة فى الوريد المغذى للأمعاء أدى لحدوث غرغرينا، وتطلب الأمر إجراء عملية استئصال للأمعاء، ولم تتحسن حالتها وبدأت تفقد الوعى تدريجيًا حتى توفيت فى الأول من ديسمبر 1994.