ضم كتاب "الكيس الأسود" مجموعة من القصص القصيرة (15 قصة قصيرة) للقاص "حسام أبوالعلا" نشرت فى 2018.
كم هي كاشفة خبيثة ؟ وكم هي معبرة شفيفة ؟ ﺇنها القصة القصيرة، ذلك الفورم الفني الذي مارسه الأدباء منذ زمن بعيد، وﺇن بدا مختلفًا شكلا كما فى النوادر العربية القديمة، وما زالت تحمل من الخصائص، ما جعلها قادرة عن كشف السرائر والأحوال بأقل عدد من الكلمات.
وهي ما قدمت الكاتب اﻹنسان المتعارك مع الواقع الحياتي اليوم بنظرة رومانسية هادئة ومستقرة.. يعرف ماذا يريد من قلمه وﺇلى أين يذهب؟
تتشكل المجموعة من قصص ما بين الثلاثمئة كلمة وأكثر، تحت عناوين من كلمة مفردة أو فى كلمتين: المفردة (جحود- دنيا-الفراق-الغفران- شروق..). أما العناوين في كلمتين (الكيس الأسود- رحلة العمر-اﻹبتسامة المفقودة- ليلة العيد..). بتلك العناوين المحددة والمختصرة يوجز القاص فكرته من متن القصة.
ها هي ذي قصة "الكيس الأسود" التي تحمل المجموعة العنوان نفسه، تعبر عن تلك الروح المعطاءة فى صمت وبقدر المستطاع بدون ﺇفتعال ولا ضجيج، حيث كانت الأم ترسل ابنها بالكيس الاسود لتلك المرأة المعوزة وأطفالها. فلما ماتت أو ماتت الأم والسيدة معًا، حاول الابن البحث عن ابناء العجوز لتوفير الكيس الأسود.. لكن ابن العجوز أخبره أنه فتح محلا لبيع البقالة ولم يعد في حاجة ﺇلى الكيس الأسود شاكرًا.
أظن أن تلك القصة هي النموذج والمثل لمجمل القصص التى تتشكل منها المجموعة، وقد أحسن الكاتب أن جعلها عنوانًا للمجموعة.
كما كشفت القصص عن حرص القاص على بيان وﺇبراز تلك الروح الرومانسية بين الأفراد فى تلك الحياة التى تموج بالمشاكل والأحداث، وهو ما كشف عن توظيف "الموت" فى أكثر من قصة للكشف عن دواخل الأفراد.. وليس هناك أكثر من تجربة موت الأحبة ﻹبراز ما نعانيه، بل ما يجب أن نواجهه بالحب والتعايش في سلام.
من تلك القصص التى وظفت الموت: (الكيس الأسود- رحلة العمر- اﻹبتسامة المفقودة-ﺇغتصاب)
قصة "رحلة العمر" المثال السريع مع الموت، حيث مات الزوج الشاب عن زوجة صغيرة وابناء في حاجة ﺇلى الرعاية، ولم تمر الأيام سدى، فقد عملت بمستشفى خاص وربت أولادها مع كل تلك التناقضات التى مرت بها والمشاكل.. ولم تذهب سدى، فقد حصلت على جائزة الأم المثالية، تقديرًا وعرفانًا لما قدمت.
ولا يقل ﺇهتمام القاص عمدًا أو عن غير عمد عن اﻹلتفات ﺇلى تجربة المرض، وهي تجربة المأساة عندما يكون المرض عضال أو المال اللازم للعلاج شحيح. بعض تلك القصص: (دنيا - الكهلة - اﻹبتسامة المفقودة وغيره)
ففى قصة "اﻹبتسامة المفقودة"، تمر على الأطفال تجربة قاسية بعد تم طلاق الأب والأم ثم ماتت الجدة التى ترعاهم.. ومع كل القسوة التى نالوها من الوالدين كافحوا حتى حققوا خطوات من الحياة الكريمة. أما وقد مرضت الأم بعد موت زوجها وفشلت تجارته، طلبت من ابنها ووصته أن يستلم خطابًا لا يفتحه ﺇلا بعد وفاتها. فلما ماتت فتح الخطاب، لم يجد سوى كلما قلبلة (سامحوني يا أولادى).
ﺇذن هو الألم الشفيف الذي يكسو أجواء القصص، حيث تلاحظ أن بقية القصص تقص عن الفراق بين الأحبة بسبب قلة الحيلة أو الفقر، مثل قصة (شروق) وفيها يتقبل الشاب رفض حبيبته الزواج منه، فيسافر ويعود بثروة يفتح بها مشروعه التجاري، وتمر الأيام ليرى ابنة حبيبته تجيء كى تعمل بشركته، ويوافق.
كما نقرأ حول فكرة اﻹخلاص أيضا، كما فى قصة (ولي العهد) وفيها لم ينجب الزوجين، ويفيد الطبيب أن المشكلة الطبية عند الزوج، لكن الزوجة الحبيبة ترفض اﻹعلان عن ذلك، وتتولى مهمة تربية ابن شقيق زوجها لسد حاجة الأمومة عندها.
ربما ما يكمل مجمل تلك الخصائص الجمالية فى تلك المجموعة، وهي المجموعة القصصية الثانية للكاتب، ما تلاحظ فى الآتي:
جاء اﻹهداء فى صفحة وسطور قليلة من بعد من صياغة شعرية أقرب ﺇلى النظم الشعري فى التعبير عن حبه لأبيه، ويقول: (أبي الحبيب.. لم تطاوعني الكلمات أن توفيك حقك.. يا نبع الحب والعطاء)
الدرامية بروحها وخصائصها المباشرة، تجلت فى صياغة القصص، ولعلها السبب الخفي وراء تعاطف القاريء مع كل شخصيات قصص المجموعة، خصوصًا أن تلك الشخصيات المهزومة تبدو دومًا على درجة ما من المقاومة، سواء فى مواجهة الموت أو المرض أو حتي الغدر من الحبيبة.
ووضح للقاريء ما للأسلوب والصياغة من دور بارز فى جلاء الحالات الشعرية، والروح الرومانسية، للتعبير عن فكرة أفكار الألم، نعم الألم هو البوصلة الخفية الظاهرة وراء أفكار مجمل القصص ومفرداتها المنحوته بدقة من خلال الحكائية الجذابة للكثير من القراء.