استطاع الراحل أسامة أنور عكاشة أن يتسلل إلى وجدان كل من يتابعه، وتحل اليوم ذكرى رحيله فى نفس الوقت الذى اقترب فيه شهر رمضان والذى كان يرتبط بأعمال شهير للمؤلف الكبير.
أطلق عليه عميد الدراما العربية وكان نجاحه التليفزيوني الواضح له أثر كبير في تبني الناقد الراحل عبدالقادر القط لمقولة أن الدراما أصبحت ديوان العرب؛ وشكل ثنائيات فنية ناجحة مع المخرج عاطف الطيب في السينما، والمخرجين محمد فاضل وإسماعيل عبدالحافظ في التليفزيون كما قدم ابنه هشام عكاشة الذي أخرج روايته وهج الصيف.
حصل على العديد من الجوائز وشهادات التقدير من بينها شهادة تقدير عن مسلسل "ليالي الحلمية" في عيد الإعلاميين السابع، وحصل على جائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة.
خلال مسيرته الفنية قدم أكثر من 70 عملا دراميا وسينمائيا، خلاف ما قدم للمسرح وما ألف من روايات ومجموعات قصصية نتذكر منها "الشهد والدموع" والذى تناول الصراع الحاد بين أبناء الأسرة الواحدة، هذا الصراع الذي ورثه الأبناء، وفشلت في مواجهته قصص الحب البريئة بين الأبناء، وهو عمل درامي بديع صُنِفَ كإحدى روائع الدراما المصرية الخالدة.
كان يكتب مقالا أسبوعيا في جريدة الأهرام حيث اشتهر باعتباره كاتب أكثر المسلسلات في مصر والشرق الأوسط شعبية مثل ليالي الحلمية والشهد والدموع، ولعل آخر أعماله التليفزيونية كان مسلسل المصراوية، وقد حاز على جائزة أفضل عمل في الجزء الأول منه والذي عرض في سبتمبر من عام 2007، ويجسد مسلسل «المصراوية» تاريخ الشعب المصري منذ العام 1914.
أثارت تصريحاته ضد سيدنا عمرو بن العاص عام 2004 ضجة حيث وصف "بن العاص" بـ «أحقر شخصية في الإسلام» بل زاد على ذلك واصفًا إياه بأنه «أفّاق»، الأمر الذي دفع الكثيرون إلى المطالبة بمحاكمته بتهمة الإساءة، إلاّ أنه أعرب عن استغرابه من غضب الجمهور ورد فعلهم على وصفه لعمرو بن العاص، قائلًا: «لم يكن عمرو من العشرة المبشرين بالجنة».
وعلل عكاشة وقتها سبب هجومه على سيدنا عمرو بن العاص بأن الكاتب إن أراد تشكيل أي صورة تاريخية ليتم تمثيلها في عمل درامي فإنه سيشكلها كما يراها هو وليس كما هي مثبتة، وهو ما دفع الشيخ خالد الجندي إلى الهجوم عليه قائلًا: "ابن العاص لا يستحق أن يمجد في عمل درامي من تأليفه".
ولعل المسلسل الأطول عند عكاشة والدراما التلفزيونية المصرية كلها هو "ليالي الحلمية"، الذي امتد عرضه في عديد من الأجزاء بين عامي 1987 و1995، وأصبح مع الأيام "فولكلورا" تليفزيونيا له مذاق خاص، حيث كان الخط الدرامي الرئيسي هو الصراع بين سليل الأرستقراطية الغابرة، الرجل المزواج سليم البدري (يحيى الفخراني)، والعمدة القروي الذي يصبح عدوه اللدود سليمان غانم (صلاح السعدني)، وهو الصراع الذي لا يتضمن فقط رغبة كل منهما في الانتصار على الآخر، بما يمثل صراعا بين النزعتين المدنية المتحررة والقروية المحافظة في الوجدان المصري، لكنه يتضمن أيضا إشارة إلى إمكانية وجود كليهما معا، حتى لو تنافسا على الفوز بقلب المرأة المتصابية نازك السلحدار "صفية العمري".
وإذا كان البحث في مسلسل "أرابيسك" يدور في أجواء قلب قاهرة المعز، فإنه في "زيزينيا" يأخذ مجالا أكثر اتساعا، لأنه عن مدينة الاسكندرية "الكوزموبوليتانية"، أي التي جمعت بين ثقافات مختلفة وصهرتها معا في مزيج متفرد، نراه هنا في شخصية بشر (يحيى الفخراني)، والذي حمل أيضا اسم بوتشي، المنحدر من أب مصري وأم إيطالية، لذلك فهو موزع بين هذين العالمين، لكنه أكثر ارتباطا بالعنصر المصري، الذي يتمثل في زوجة أبيه الطيبة آمنة (هدى سلطان)، والجارة اللعوب عايدة (آثار الحكيم في الجزء الأول، وهالة صدقي في الثاني)، ذات الجاذبية الطاغية، والتي تصبح مركزا لاهتمام تنويعات عديدة من الرجال.
كانت مسلسلات "عكاشة" تحمل هما واهتماما في أعماله دائما ما تبحث عن اثارة الحنين الي الماضي من أجل إثراء الحاضر، ومن المؤكد أن ذلك نوع فني وفكري عميق، تصبح معه المسلسلات الطويلة أو ذات الأجزاء ضرورة.
رحل "عكاشة " عن عالمنا في مستشفي وادي النيل بالمهندسين، إثر هبوط حاد في الدورة الدموية في 28 مايو 2010.