الأملاك "المنهوبة" في السكة الحديد.. الاستيلاء على 15 فدانا بالإسكندرية.. قطار "الغزل" بالغربية تحت سيطرة العربجية.. ومزلقان للبيع بالفيوم (صور)

كتب :

كتب: فاتن بدران ـ شيماء السمسار ـ أحمد مرجان وإبراهيم الأسمر ـ محمد أحمد

«خطوط متهالكة وقطارات يعلوها الصدأ وقضبان يمر عليها الإهمال وخسائر بالمليارات وثروات منهوبة».. ما سبق يلخص واقع الحال المر داخل منظومة نقل الركاب في السكة الحديد، والتي عجزت كل الحكومات عن تطويرها وتحديثها بزعم نزيف الخسائر وتدنى سعر الخدمة الذي يعرقل أي عمليات للتطوير والاستعانة بالتكنولوجيا.

مسئولو السكة تناسوا خلال تقديمهم لأعذارهم عن عدم تحديث هيئة السكة الحديد والخطوط التابعة لها، عن كنوز «الهيئة» المنسية والتي تركت نهبا للصوص وواضعي اليد والبلطجية، فأهدر الاستيلاء عليها مليارات على خزينة الدولة، فضلا عن عدم الاستغلال الأمثل لتلك الكنوز المدفونة تحت الأرض أو الملقاة على جانبي شريط السكك الحديدية، والتي كان عائدها كفيلا بتمويل تطوير وتحديث قطارات السكة الحديد بكافة الخطوط.. «أهل مصر» تتبعت مصير ثروات السكة الحديد، لتقف على حجم الجريمة والاهمال الذي يقع كل يوم في حق المال العام.

ـــ الاستيلاء علي 15 فدانا من حرم السكة الحديد بالإسكندرية

احتلت محافظة الإسكندرية نصيبا وافرا من حيث التعديات علي حرم السكة الحديد، حيث انتشرت ظاهرة إنشاء الأكشاك المخالفة والعشش السكنية علي جانبي محطة القطار وداخل حرم السكة الحديد، فضلا عن انتشار حالات سرقة قضبان وفلنكات السكة الحديد.

وتعتبر مناطق (المندرة، والعصافرة، ومحرم بك، والحضرة، والعامرية)، الأكثر من حيث حالات التعدي علي حرم السكة الحديد، حيث يلجأ الأهالي إلي إنشاء عقارات عشوائية وتوصيل المرافق بشكل بدائي، وسرعان ما تتحول تلك المناطق لأبرز الأماكن العشوائية غير الآمنة.

وانتشرت ظاهرة التعدي علي حرم السكة الحديد علي طول الخط الداخلي لقطار أبو قير، والذي يمر بمختلف أحياء المحافظة، فيما تشهد منطقة المندرة، شرقي المدينة، انتشارا كبيرا للتعديات على حرم السكة الحديد وبناء الأكشاش وتم تحويل المنطقة التي تقع بين محطة المندرة ومحطة العصافرة إلي سوق للخضار والفاكهة والباعة الجائلين، مما يؤدي ذلك إلي حجب الرؤية والتسبب في وقوع العديد من الحوادث المتكررة.

كما انتشرت خلال الآونة الأخيرة ظاهرة اختفاء قضبان السكة الحديد نتيجة تعرضها للسرقة، كما تعاني محطات السكة الحديد من الإهمال الشديد الذي تسبب في العديد من المشكلات مثل اختفاء قضبان السكة الحديد تحت أكوام القمامة، بالإضافة إلي تهالك هذه القضبان وانتشار مياه الصرف وغيرها من المشكلات، الأمر الذي ينتج عنه وقوع العديد من حوادث القطارات بالإسكندرية وحصد أرواح العديد من المواطنين الأبرياء.

فيما اشتكي عدد من سائقي القطارات من عدم وجود فلنكات جديدة منذ سنوات طويلة لتثبيت قضبان القطار مما بتسبب في خروج القطار عن المسار، وأيضا من قيام عدد من الباعة الجائلين بالتعدي على أملاك السكة الحديد والاستيلاء على الأرض المخصصة لذلك والبناء عليها.

وشهدت محافظة الإسكندرية مؤخرا وقوع العديد من حالات سرقة لكميات كبيرة من فلنكات وقضبان السكة الحديد والتعدي علي أملاكها، حيث سبق الاستيلاء والتعدي علي أرض جمعية السكك الحديدية والتي تبلغ مساحتها 15 فدانا، كما تمت سرقة كميات كبيرة من قضبان وفلنكات السكة الحديد تزن 10 طن حديد، عثر عليها في أرض فضاء.

وفي ذات السياق، شنت مديرية أمن الإسكندرية مؤخرا حملة مكبرة بقيادة اللواء مصطفي النمر، مدير الأمن، لتنفيذ 21 قرار إزالة «إداري» صادر من الهيئة القومية لسكك حديد مصر، بإجمالي 97 حالة تعد واقعة على أملاك الهيئة، بطول 3.5 كيلومتر بطول حرم السكة الحديد، في منطقة عزبة الرحمة، دائرة قسم شرطة سيدي جابر.

وتعينت الخدمات الأمنية اللازمة قوات نظامية، سرية، بالإشتراك مع ضباط الإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات؛ لتأمين اللجنة المشكّلة من الهيئة أثناء عملية الإزالة، وأسفرت الحملة عن تنفيذ 20 قرارا عبارة عن إزالة «أسوار، محلات، أكشاك»، وتم إرجاء تنفيذ قرار "واحد" صادر ضد شركة مصر للألبان وآخرين "عقارات مشغولة بالسكان"؛ لحين صدور قرار إخلاء؛ وتحرر محضر بعملية الإزالة.

ـــ في بني سويف.. «مهمات السكة الحديد» ثروات مدفونة تحت الأرض 

«قواطع حديدية وفلنكات خشبية وعربات قطارات».. ثروات هيئة السكك الحديدة التى أهدرتها أيدي الإهمال، بعد خروج الخطوط الداخلية من الخدمة، فدُفنت مسارات السكة تحت الأرض منذ حوالى 25 عامًا تعلوها القمامة ويقام عليها أسواق للخضار نهارًا، ويصبح والمحطات الملغاة، التى أصبحت ملجيء للبطجية والخارجين عن القانون ليلا.

ووسط غياب أمنى وإهمال وتجاهل لتلك الثروات، يتم سرقة أطنان الحديد وثروات الهيئة، أو تهدر بعد دفنها فى التراب إثر مرور عقود طويلة عليها وهى ملقاة على جانبى الطرق بالقرب من السكك الحديدية وبالتالى تنتهى مدتها الافتراضية الصالحة للعمل ويغزوها الصدأ، وتبلغ قيمتها بالمليارات.

يقول سالم بدوي، فلاح من قرية قاي، بمركز إهناسيا، إن الحكومات المتعافبة أغفلت الإستفادة من تلك الثروات، التى كان يمكن للحكومة من خلالها توفير الأموال اللازمة لتطوير هذا المرفق الحيوى الذى يخدم المصريين من أقصى الشمال أقصى الجنوب، وشرقا وغربا، إضافة إلى إعادة هيكلة قطاع السكة الحديد دون أن يكون ذلك عبئا على الدولة، أو اضطرارها إلى الاقتراض من البنوك، فى وقت وصلت فيه ديون السكة الحديد إلى 27 مليار جنيه.

وقال بلال سيد، تاجر، إن خردة السكة الحديد مميزة، خاصة حديد القضبان الذى يعتبر أنقى أنواع الحديد، لذلك يدخل فى الكثير من الصناعات المعدنية وأساس صناعة الحديد والصلب، ويشارك تجار الخردة فى مزادات هيئة السكة الحديد لشراء حديد القضبان وبيعها لمصانع الحديد والصلب، بدلًا من تركها عرضة للسرقة والنهب تحت أعين مسئولي الأجهزة المعنية.

وفى مركز اهناسيا، قرية المعصرة، وعلى مزلقان السكة الحديد، التقينا الحاج بدوى بهلول، تاجر خردة، وقال إن حديد القضبان يباع للمصانع التى لديها أفران ويتم تقطيعها إلى كتل تتراوح الواحدة منها بين 50 و100 سنتيمتر قبل دخولها الفرن، ثم يعاد تشكيلها ويصنع منها البوابات الحديدية والشبابيك، وتشارك أيضا فى حديد التسليح، وأرجع سبب اعتبار حديد القضبان خردة مميزة هو أنه خردة ثقيلة أى وزنها ثقيل ولا تخرج إلا بفواتير من هيئة السكة الحديد، ويصل سعر طن خردة حديد القضبان لـ 4100 جنيه.

من جهته قال مصدر بهيئة السكة الحديد - فضل عدم ذكر اسمه - إن سرقة القضبان زادت بكثرة خلال فترة ثورة 25 يناير 2011 وما تلاها، ومنها كميات من خط "اهناسيا ـ بني سويف" ، بالإضافة إلى المخازن التى تمت سرقتها، ويعتبر هذا مسئولية شرطة النقل والمواصلات، وعلى المحليات مسئولية تنظيف الخطوط التابعة للسكة الحديد غير المستخدمة وحمايتها من الإندثار تحت الأرض.

وأوضح عبدالفتاح فكرى، نقيب العاملين بهيئة السكة الحديد، أنه يتم وضع قضبان سليمة على خطوط السكة الحديد، تجنبا لحدوث إصابتها أو الطوارئ او الحادث التى تخل بالجودة نفسها، فيتم إزالة غير الصالح منها وتركيب قضيب صالح سريعا، وأن من يحكم على صلاحية القضبان هم مهندسون متخصصون فى هيئة سكك حديد مصر، مشيرا إلى أن خردة السكة الحديد تدخل عائدا ماديا كبيرا للهيئة، لافتا أن ورش الصيانة والتجريدات يخرج منها خردة، ويتم تصنيفها من خلال لجان فنية ثم عمل مزاد عليها.

وأوضح أنه منذ فترة قريبة تم بيع 23 ألف طن حديد قضبان بـ 50 مليون جنيه، ولكن هذا المبلغ لا يمثل شيئا لاحتياجات منظومة السكة الحديد التى تحتاج مبالغ بالمليارات، فقطع الغيار تستورد بالعملة الصعبة.

ـــ "المال السايب" في الغربية

محطات سكك حديد محافظة الغربية أحد وجوه التعدى السافر من قبل الأهالى على أملاك الدولة بل واستهتارهم بأرواحهم وأرواح من حولهم، حيث سجلت المحافظة خلال عام واحد رقما قياسيا فى عدد وفيات حوادث القطارات، وذلك لتعدى البائعين وأصحاب العشش على أراضى الهيئة ، بل تخطى الأمر مجرد التعدى بل ووصل لعمل فتحات غير قانونية بالجدران العازلة للمرور.

يقول عادل السيد، أحد سكان منطقة الرجبى المقابلة لمحطة قطار غزل المحلة «عانينا كثيراً من تكاسل هيئة السكك الحديدية، فبعد استبدال "فلنكات" القطار، لا يجد العمال لها مكان إلا إلقائها عى جانبى المحطة بامتداد سور شون القطن، إلى أن تراكمت مكونة حاجزا خرسانيا مهدد بالانهيار بين لحظة وأخرى، كما يستخدمه البلطجية فى الأختباء ليلاً ووصل بهم الأمر للمارسة الأعمال المنافية للأداب».

وأضاف «السيد» أن أصحاب عربات الكارو استغلوا القضبان القديمة والحديد فى عمل عشش ومستعمرات سكنية على امتداد خطوط السكة الحديد، حتى انهما بنوا حظائر لحيواناتهم وهو الأمر الذى نشر الأوبئة والأمراض ، وتكونت أكوام القمامة وزحفت الحشرات والثعابين إلى منازل المواطنين، ناهيك عن الألفاظ القذرة التى تسمعها الفتيات والسيدات والمضايقات من "العربجيه" .

على صعيد متصل تقول «نجلاء محمد»، إحدى العاملات فى شركة مصر للغزل والنسيج: «لا نجد مفرا للوصول إلى منازلنا يومياً إلا قطار الغزل ، والذى يمر على كافة القرى والعزب المجاورة ، حيث يبدء رحلته من مدينه المحلة الكبرى بمحطة الغزل ليمر بنا عل أسوء وأقبح المناظر التى قد نراها يومياً ، عندما تنظر من شبابيك القطار ترى اسطبلات وحظائر للحمير والخيول وعشش أيواء ، وفى أحد المرات صادفنا مجموعه لصوص يشعلون النيران فى القضبان القديمة وفكها لسرقتها».

أشرف محروس، أحد سكان الرجبى قال بدوره إن الباعة الجائلين افترشوا القضبان وسيطروا على المزلقان والمحطة بالكامل، حيث تصادف منذ شهر حريق بأحد الجرارات داخل المحطة ، الأمر الذى أثار الذعر بين الركاب وتسبب فى خروجهم دفعة واحده من القطار ليتصادموا بالباعة على القضبان، وأدى التدافع لسقوط عدد من الركاب تحت الأقدام.

ومن مزلقان الغزل إلى المحطة الرئيسية بمنطقة الشعبية والتى تعد من أكبر محطات السكك لحديد، فلم تسلم هى الأخرى من التعدى، حيث قام عدد من المنتفعين بتقسيم حرم السكة الحديد وبناء بلوكات خرسانية كجراجات خاصة ، هناجر لتخزين السيراميك، والبعض الأخر استغل الأراضى لعمل حدائق خاصة أمام منازلهم.

يقول أكرم فايز، صاحب محل مقابل للمحطة: «بدء الأمر بتنظيف حرم السكة الحديد فساعدنا جميعاً فى ذلك ، لكن بعد فترة تطور الأمر لعمل حدائق ثم بناء أسوار وتقسيمها كجراج وأنتهى الأمر ببناء هناجر خرسانية للتخزين ، وكل ذلك على مراء ومسمع من الحى، وقدمنا كثير من الشكاؤى لكن "لا جديد تحت السماء".

أما قرية الدلجمون التابعة لمركز كفر الزيات فضربت كافة القوانين عرض الحائط، فشلت الأجهزة التنفيذية فى نقل السوق العمومى للخضراوات بقرية الدلجمون، المقام على شريط السكك الحديدية، دون اتخاذ أى تدابير أمنية لحماية أرواح المواطنين، حيث باءت كل المحاولات فى نقل الباعة إلى مكان آخر بالفشل، حتى بعد صدور قرارين بإزالة السوق.

وأضاف عامل «يمر القطار بين الباعة بكل هدوء دون أن يتحرك لهم ساكن "قلوبهم ماتت" ، على الرغم ماتسببه فى العديد من الحوادث البشعة إلا أنهم لا يتعظوا».

ـــ مزلقان للبيع في الفيوم

خطوط السكة الحديد بالفيوم، تعانى من الإهمال على مدار 28 عاما، منها تهالك قضبان السكة الحديد بالمحافظة وحوادث القطارات المتكررة، وقضية نقل محطة قطار السكة الحديد من وسط مدينة الفيوم أمام قصر الثقافة إلى خارج الكتلة السكنية عند قرية الزملوطي أو قرية العامرية أو العدوة ، التي باتت حوادثها تحصد العديد من أرواح المواطنين، دون حدوث أى تطوير للعديد من المزلقانات حتى الآن، وخاصة في الأونة الأخيرة.

وبالرغم من حالة الإهمال واللامبالاة من قبل هيئة السكك الحديدية ووزارة النقل والمواصلات، إلا أن المطالبين بنقلها تناسوا أن نقل محطة القطار يستلزم الحفاظ على محطة السكة الحديد التي أنشأها الخديو إسماعيل، كونها تعتبر من أبرز معالم مدينة الفيوم، بالإضافة إلى أثرية المبني وعراقته وتاريخ الفيوم المنحوت على جداره ، واقترح المطالبون أن يتحول المبني الأثري إلى متحف للوحات وجوه من الفيوم المتناثرة بين متاحف الدولة.

ودفع الجدل الكثير حالة من الاهمال الصاخب وعدم التطوير، بل ووقف محطات ورفع الفلنكات الخاصة بقضبان القطار المار بمركزي سنورس وابشواي منذ سنوات بحجة الحوادث المتكررة وهلاكها وخسارة الدولة من انشائها، فضلا عن محطة السكة الحديد بمدينة الفيوم، التي ترجع قصتها إلى وقت أن قرر الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء وقتها نقل المحطة، إلى منطقة الزملوطي الموجودة خارج المدينة، ولكن كانت هناك مشكلة، تكمن في أن نادي قارون الرياضي استولي على مساحة 5 أفدنة كانت مخصصة للمحطة بعد نزع ملكيتها من الأهالي .

وامتد الإهمال إلى مزلقان محطة العدوة الشرقى بالفيوم حيث يتم استخدام سلسلة خاصة بتقييد الحيوانات الأليفة في غلق المزلقان؛ ولا يمكن رؤيتها لسائقي السيارات أو المارة من بعيد لعبور المزلقان .

الغريب في الأمر أنه بعد إلغاء خط السكة الحديد القديم المار بقرية اللاهون والتي تعرف بـ«المنشية» على حدود الفيوم وبني سويف حتى محطة الواسطى ، تم التعدي من قبل الأهالي على الأرض الخاصة بالسكة الحديد وفلنكات وعربات القطارات المتهالكة، وبنى العديد من الأهالي على القضبان ووضع ايديهم عليها بالعنوة ومنتفعين بأراضي السكة الحديد، ومنهم من قام بالحفر وسحب التربة، التي تحمل شريط القطار ، دون رادع.

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً