سوق "حوض الدلالة".. قبلة محبي الأكل الفلاحي في بني سويف (صور)

مع بزوغ ضوء النهار يومي السبت والثلاثاء من كل أسبوع، يكتظ سوق "حوض الدلالة" بالعشرات من السيدات الآتي يتوافدن على السوق من قرى محافظة بني سويف، والمحافظات المجاورة منهن من تأترى من قري الفيوم وأخريات يأتين للسوق من المنيا، وغيرهن تحمل فوق رأسها "طشت" مملء بخيرات ريف "الصف وأطفيح" التابعتين لمحافظة الجيزة، كلهن يمتهن عملًا واحدًا "صنيع الجبن والمش والفطير والزبدة والفريك والكشك والباتو"، وغيرها من أصناف الأكلات الريفية، التى تعرض بالسوق خلال اليومين، فأصبح سوق "حوض الدلالة" بمدينة بني سويف، قبلة لراغبي الأكل الفلاحي. التقت "أهل مصر"، بالحاجة نوارة سليمان، أو "أم بدوي" كما تحب أن يناديها زبائنها، فأكدت أنها تخرج من منزلها مع طلعة شمس صباح يومي السبت والثلاثاء من كل أسبوع، تخرج من منزلها بقرية "بيلفيا" التابعة لمركز بني سويف، حاملة بضائعها فوق رأسها وابنتها الصغيرة على يدها، تسير بهدوء وتندثر وسط زحام الناس والمواصلات متنقلة من سيارة لأخرى لتنقلها لذلك المكان المزدحم بالمارة التي اختارته ليكون الموقع المناسب تبيع فيه منتجاتها، للزبائن المترددين دائمًا على سوق "حوض الدلالة" بمدينة بني سويف.وأضافت "أم بدوي"، أقضي الليلة السابقة للسوق أعجن وأخبز العيش والفطير المشلتت، لأساعد زوجي في مصاريف الحياة، أخرج يوميًا بعد صلاة الفجر مباشرة، إلى الأسوق الأسبوعية التي أبيع فيها بضائعي "بيلفيا وإهناسيا والفشن وحوض الدلالة وترعة البوصة"، أفترش منطقة جانبية من السوق المحدد وأفرض بضائعي "خبز وفطير وجبن قريش وجبن قديم" في انتظار رواد السوق ممن ينتظروا بضائعي أسبوعيًا.وعلى الجانب الآخر من مدخل منطقة السوق، تجلس "أم سيد" تلاعب رضيعها وتنادي على زبائنها "الخبز البيتي.. بعجين الفلاحة"، توجهنا إليها وسألنا عن بلدتها، وعن سبب إقدامها على تصنيع الخبز البيتي وبيعه، فبادرتنا بردها: "من بلاد الله وبسعى على آكل عيشي"، وعندما طالبنا منها التوضيح للنشر صحفيًا، أكدت أنها من قرية "البرانقة" التابعة لمركز الفشن، جنوب بني سويف.وتابعت "أم سيد": لم يكن حلمي العمل ولكن ضيق الحال جعلني أهرول من الصباح الباكر لمد يد العون لزوجي الذي يعمل "نجارًا"، ولم يكن لدي أي إمكانية للعمل بمهنة بعينها، فاخترت أن أستغل قدرتها على صناعة الخبز "البيتي" الذي يعشقه الكثيرون ولا يجيدون خبزه، لأسعى من خلال هذه المهنة إلى مساعدة زوحى وكلى ثقة أن الله لن يتركني لأنى أسعي لكسب رزقي بالحلال.وواصلت: منذ ذلك اليوم الذى مر عليه أكثر من 3 سنوات وأنا أخرج من بيتي فجرًا أستهدف سوقًا أسبوعيًا بمدن وقرى المحافظة، وأعود عصرًا لأستكمل مهامى كزوجة وأم لـ5 أطفال، فأسرع لتجهيز وجبة الغداء وتنظيف المنزل، ثم أنام مبكرًا لأستيقظ بالثانية بعد منتصف الليل والعالم نائم لأبدأ بإعداد وعجن الخبز لليوم التالي.ولم تكن تلك الابتسامة التي ترتسم على شفاه نورا دائما، قادرة على أن تغير معاناتها من صعوبة الأحوال وارتفاع الأسعار المستمر الذي جعلها تشتري المواد الخام من دقيق وغيره بأسعار مرتفعة تجعل العائد لها ضعيفًا جدًا قد يصل في بعض الوقت لعدم حصولها على ربح خاصة مع الزيادة المستمرة.وبجوار مدخل إحدي العمارات بمنطقة السوق تجلس سيدة ريفية، في العقد الخامس من عمرها، يعتلي وجهها ابتسامة ممزوجة بتعبيرات الرضا، وأمامها إنائين كبيرين مملؤان بالجبن الفلاحي وصينية عليها رقائق الفطير المشلتت وقفص خشبي يحتوى على كميات كبيرة من البيض، توجهنا إليها، وسألناها "اسمك ايه يا حاجة، ومنين وبتيجي الساعة كام، البضاعة دى بتصنعيها بأيديكي ولا بتشتريها؟؟"، فردت قائلة:" أسمي زينب، من الفيوم، وأنا مثل العشرات من نساء قريتي "فيديمين" نرتاد الأسوق بالفيوم وبني سويف، لبيع ما نصنعه بآيدينا من "زبدة وجبن ولبن رايب وفطير وعيش فلاحي" فضلاً عن البيض والفراخ والبط، ده أكل عيشنا يا ابني أتعودنا عليه وعلى تعبه وشقاء من سنين".وأوضحت الحاجة زينب: "بيع الجبن والزبدة والبيض هو العمل المناسب للسيدات خاصة سيدات الأرياف، والعمل يطلب منا تحمل المسؤولية والمشقة والتعب، التي يتحملها أي رجل بالسوق، تعودت على الشقاء منذ صغري لحرث الأرض مع والدي وجمع المحصول، وعندي 3 أولاد، بصحى مع بداية شروق الشمس، بحثًا عن لقمة العيش، وبتحشر أنا وبضاعتي وميزاني في عربية نقل علشان نروح بني سويف أنا والبائعات معي، ونتوكل بعد الفجر على الله علشان نوصل قبل الساعة 7 صباحًا، ونبيع بأرخص الأسعار، علشان منرجعش بالزبدة والجبنة مرة تانية للبلد، وتبقى الحاجة كل يوم طازة".وتجلس "أم علي" بائعة "مِش فلاحي" ممسكة بيدها ملعقة من الحديد لتقليب المش: تقول: "أكل العيش مر بس حنعمل إيه؟ لازم نشتغل علشان بنجري على عيالنا، وكله علشان خاطر العيال وتعليمهم، أنا عندي 7 عيال لازم أربيهم أحسن تربية وأشوفهم دائمًا أحسن".على الجانب الآخر، طالب أهالى منطقة سوق "حوض الدلالة" المهندس شريف حبيب، محافظ بني سويف والمحاسب محمود المغربي، رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة بني سويف، نقل السوق من المنطقة، حيث أشار "ياسر عبدالرشيد" أحد أهالى المنطقة، إلى أن السلوك السيئ للباعة ومحلات الجزارة، أصاب الأطفال بالأمراض، نتيجة إلقاهم المخلفات وتراكمها لأيام، ناهيك عن التلوث السمعي والبصري لسكان المنطقة، لافتًا إلى أن قرار المحافظ بتحويل شقق الأدوار الأرضية بالعمارات من سكني إلي تجاري، هو سبب المشكلة، خاصة مع عدم المتابعة من الأجهزة المعنية بشئون البيئة والصحة والمرافق وغيرها من القطاعات التي تشاهد هذه المشكلة دون أن يتحرك لهم ساكنًا.من جانبه قال المحاسب محمود المغربي، رئيس مركز ومدينة بني سويف، إن الأجهزة التنفيذية بالوحدة المحلية تتابع سوقي حوض الدلالة، ومحي الدين بشكل يومي، ونتعامل مؤقتًا من الوضع بحملات إزالة ورفع الإشغالات، لافتًا إلى أنه تواصل مع الأجهزة المعنية لتوفير منطقة بديلة أو قطعة أرض مناسبة، خارج الكتلة السكنية، لنقل السوق إليها، ولكن يعيقنا عدم توافر المكان حاليًا، حيث نراعي فى اختياراتنا ظروف الأهالي بعد اختيار منطقة بعيدة عن المدينة يصعب وصول الأهالي إليها.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً