الأم هي المعجزة التي وهبها الله عز وجل للبشرية، هي من تعبت لتحتضن جنينها بعد احتوائه تسعة أشهر بعد الثِقل الذي صاحبها أثناء الحمل، لم تتأثّر بما تركه الحمل من علاماتٍ مزعجةٍ على جسدها وما رافقه من سهرٍ طويل، فهي التي لم تشتكي بل قابلت بالحب، ولكن عندما يكون على الأم العمل وتربية الأبناء بعد وفاة الزوج كما كانت تفعل مع أخواتها بعد وفاة الوالد لتربي ثلات أخوات لها وأربع أولاد وكل هذا وهي مصابة بمرض شلل الأطفال منذ الصغر.
في أحد الأحياء الشعبية عاشت "جمالات" الخمسينية، حياة قاسية عندما تراها ترى معالم الزمن عليها تلبس الأسود وتستند على عكازها مصابة بمرض شلل الأطفال منذ صغرها، وتحملت هذة المرأة الصعاب في معاناة منذ صغرها عندما مات والدها لتكون الأخت الكبرى وتتحمل مشاق العمل وتربية أخواتها، ليكونوا ذو مراكز في المجتمع ولم تتطلب منهم أية مقابل سوى تفوقهم التي تسعى له ليخرج من تحت قدميها فتيات تخرجن بمؤهلات عالية، إحداهما خريجة كلية الإعلام والآخرى خريجة خدمة اجتماعية.
وعندما أتى لهن النصيب ما كان عليها إلا تزويجهن، ولأنها لم تكن تمتلك المال، اضطرت إلى الحصول على قرض لكل واحدة منها ولم ترضى لهم بأي عريس، وتضيف بفخر تستحقه بكل تقدير: "واحد أزهري والتاني عسكري".
وتحكي "جمالات" أنها بعد زواج أخواتها تقدم لهن عريس فما كان منها الا الموافقة عليها متمنية أن يأتي رجل لتستريح وهي تضع عليه بعض أحمالها ليتقاسموها وليرزقها الله بأولادها ثلاث بنات وولد لتنعم الأسرة بالحب والحنان، ولكن القدر قال كلمته لتستمر معاناة هذه الأم بمرضها زوجها وتعسفه عن العمل لتبدأ الزوجة في النزول للعمل مرة أخرى وتبكي وهي تتذكره، فما زال بعد كل هذه السنين تتآلم لفرافه، وتعمل صباحًا لتكون هي الأب صباحا في العمل والأم ليلا في المنزل.
وتحكي جمالات": "بعد وفاة جوزي عمري ما فكرت أيأس أو أوقف تعليم ولادي أو حتي ينزلوا يشتغلوا، لا كان عندي عزيمة قوية أخليهم حاجه لأني مليش غيرهم"، وتعيد قصتها مع أخواتها مرة أخرى ولكن مع أبنائها ليتخرجوا اثنين من كليات التمرض وتكمل المسيرة معهم وهي تاخذ ٣٠ جنيهًا من البوسطة وعندما أرادت أن توجه كلمة لأمهات أضافت، أنهن عليهن عند اليأس مع الأبناء واحتوائهم ومصاحبتهم فهي كانت مصاحبة جدًا لجميع الأولاد وخاصة البنات.
وتحكي فتقول "إنها في المساء تعود إلي منزلها وتقوم بتحضير وجبة العدس أو البصارة والتي تكلفها نحو 15 أو 20 جنيهًا وأيضًا وجبة الأرز والسلطة فقط".
تبتلع "جمالات" ريقها وكأنها تبتلع معه مرارة الظروف وقسوتها ثم تتابع الحديث فتقول: "بيتي بيقع المجاري طفحت في البيت من تحت وحولنا نوصل صوتنا لحد ومحدش بيسمعنا وانا مش معايا اعمله.
وتضيف باكيه: "أنا آسفة جدًا أنه بسبب بيتي معرفتوش تسجلوا معايا في بيتي بس غصب عني"، 15عامًا أو أكثر قصتها في العمل لم تشك التعب أو الضيق ولم تطلب سوى الستر لبيتها وأفراد أسرتها والتخلص من هموم الدّين قائلة :"عايزه بيتي وولادي يبقو مستورين واسد الدين اللي عليا".