.. وضع أبو بكر البغدادي يده على الكثير من الإمكانات في الأراضي التي يسيطر عليها، من الرقة في سورية إلى الفلوجة في العراق، من حقول نفط، ومخازن أسلحة، وأموال مصارف.
لكن الثروة الحقيقية التي في عهدته هي آلالاف من الأطفال الذين تستقطبهم معسكرات خاصة، على الطريقة «الإنكشارية»، بعضهم أيتام وآخرون أبناء «سبايا»،حتي يكونوا مخزون استراتيجي للتنظيم.
والطريقة الإنكشارية تعني بالتركية الجيش الجديد أو الجنود الجدد،وهم أقوى فرق الجيش العثماني، وأكثرها تدريبا وإعدادا وتسليحا،و كان يتم جلبهم وهم صغار إما بالمال أو عن طريق السبي من المدن المفتوحة من قبل الجيش العثماني.
وهو ما يفعله «داعش» علي أرض الواقع، حيث نشر في العدد الرابع من مجلته «دابق»، الصادرة في الرقة، مقالًا تحت عنوان «إحياء الرق قبل قيام الساعة»، فصل فيه المبررات الدينية لإعادة العمل بنظام الرق، مبررًا بذلك سبي النساء والأطفال الإيزيديين، ومعترفًا بتعامل «التنظيم»، مع هذه الطائفة بما أقره غالبية الفقهاء في كيفية التعامل مع المشركين بعد أسرهم، فتم اقتسام نساء الإيزيديين وأطفالهم بين مقاتلي «داعش» الذين شاركوا في العمليات، بعد نقل خمس السبي إلى سلطة الدولة ».
وأضاف المقال أن «سبي هذا العدد الكبير من أسر المشركين ربما يكون الأول منذ اتباع هذا الأمر الشرعي ».
معسكرات شرعية
خلف تبريرات «داعش» حقائق كشفها شهود من أهالي الموصل، تحدثوا عن نقل التنظيم مئات الفتيان والأطفال، معظمهم أيتام وبعضهم تم استقطابهم، أو انتزاعهم من عائلاتهم، إلى معسكرات تدريب خاصة خارج المدينة، لعزلهم عن العالم الخارجي وتدريبهم وفق الطريقة الإنكشارية.
وفي الأفلام والصور التي يعرضها «داعش» لعمليات الإعدام أو التمثيل بالجثث، أطفال تتراوح أعمارهم بين (10 و13) عام، يشهدون عمليات القتل، أو يشاركون فيها.
وفي مايو 2016 نشر الجناح الإعلامي للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر"، فيديو جديدًا بعنوان "على خطى والدي"، ومدته 14 دقيقة في محاولة لجذب المواطنين الفرنسيين إلى صفوفه، وأظهر طفلين أكبرهما لم يتجاوز الـ12 عامًا، وهما يتلقيان دروسًا في إحدى القاعات ويتدربان على حمل السلاح والرماية.
واصطحب عناصر التنظيم الطفلين الفرنسيين إلى منطقة نائية لتنفيذ الإعدام بحق جندي في صفوف الجيش السوري بعد أسره، وشخص آخر بتهمة العمل لصالح القوات السورية والتجسس على التنظيم.
ووجه الطفل الأكبر، خلال التسجيل، بلغته الفرنسية، رسالة تهديد للسلطات في فرنسا جاء فيها: " أقول لفرنسا سوف نقتلكم كما قتلتم إخواننا في أراضي الدولة الإسلامية.. اليوم في الشام وغدا في باريس".
وفي نهاية الفيديو، استعد الصبيان لإتمام عملية الإعدام بإطلاق النار على رجلين أطلق عليهما "جواسيس"، وفور قولهما "بسم الله" قاما بإطلاق النار.
ونشر التنظيم في يوليو 2014، شريطًا لمعسكر تدريب في الرقة لأطفال يتدربون على تنفيذ هجمات انتحارية بأحزمة ناسفة.
وفي سبتمبر 2014، بُث من الموصل تسجيلًا لطفل يلقي خطبة في أحد المساجد يحض فيها على الالتحاق بمقاتلي البغدادي، ويطالب الأطفال بالولاء المطلق للخليفة، ويتوعد أعداء «داعش» بالذبح، فيما نشر في الشهر نفسه صورة طفل قتل خلال تنفيذه عملية في سورية.
وتم نشر تسجيلًا لصبي انتحاري أطلق عليه اسم أبو الوليد العراقي يفترض أنه نفذ عملية في حي الشعلة في بغداد، في نوفمبر2014، وقال متلعثمًا: «أسلم على أبي وشيخي أبا بكر البغدادي»، ودعا القاعدين إلى «الالتحاق بالجهاد»، لكن اللافت أنه شدد على التوجه إلى المقاتلين كي يطيعوا أمراءهم،وحرص التنظيم على عدم إظهار وجه الصبي.
وبثت حملة «الرقة تذبح بصمت» فيديو لمعسكرات تدريبية أنشأها تنظيم «داعش» في نوفمبر 2014، ويظهر فيه أطفالًا سوريين ملثمين يهتفون لـ«داعش» ويبايعون البغدادي، وينشدون أغاني لـ«الدولة الإسلامية»، ويرتدون قمصانا بيضاء كتب عليها أشبال الخلافة.
يذكر أن «داعش» خصص «المعسكر الشرعي للأشبال» للأطفال دون سن الـ(16)عامًا، ويتواجد تحديدًا في مدينة الطبقة في الريف الغربي لمحافظة الرقة، حيث يحوي في كل دفعة ما بين ( 250 و350 ) طفلًا، يقوم «داعش» بتجنيدهم وتدريبهم على استخدام السلاح والقنابل، وإعداد المفخخات والمتفجرات.
ويدخل الطفل غالبًا في دورة تدريبية مدتها (45) يومًا، لتهيئته فكريا بأدبيات التنظيم، ثم ينتقل بعدها لمعسكر حربي مدته (3) أشهر، يتم تدريبه خلالها على كافة أنواع الأسلحة والقنابل، ويقسم الأطفال إلى أقسام يختارها المدربون، منها قسم الانتحاريين، وقسم مصنعي القنابل، وقسم المقاتلين وهكذا، وينتقل الطفل بعدها إلى الجبهات للقتال.
كوميديا القتل
تجنيد الأطفال ليس مشروعًا جديدًا لـ «داعش» فهو امتداد لمشروع «طيور الجنة» الذي انتشر في ديالى، وشمال بغداد في نهايات تزعم أبو عمر البغدادي للتنظيم، لكن الزعيم الجديد أو «الخليفة»، غير اسمه إلى «أشبال الخلافة».
وتفيد المعلومات بأن مشروع «أشبال الخلافة» يختلف عن المعسكرات «الإنكشارية»، فالأخير يتبنى الأطفال الأيتام، والمعزولين عن عائلاتهم، أو الهاربين أو المنتزعين منها، بينما الأول يشمل تجنيد الصبيان من المناطق التي يحتلها التنظيم، ومن عائلات محددة، في إطار مفهوم «خمس الخلافة»، ويتم إعداد هؤلاء ليكونوا قادة التنظيم مستقبلًا، وزيادة خزينة الانتحاريين بالمتطوعين.
ويظهر التنظيم في منشوراته الرسمية رعاية فائقة للأطفال، حيث نشر تسجيلا، تحت عنوان «صواريخكم لن تسكت ابتسامات الأطفال»، علي لسان أحد عناصره ويبدو من لهجته أنه غير عراقي، وهو يعتني بمجموعة من الأطفال في إحدى الحدائق، ويلقنهم مبادئ التنظيم بطريقة كوميدية، فيما ترفرف راية «داعش» السوداء فوقهم.
مافيا إسرائيلية
وكانت صحيفة «التايمز» البريطانية قد نشرت تقريرًا عن قيام تنظيم «داعش» ببيع الأطفال والنساء لتمويل حروبه، لكن مواقع عربيةً كشفت ما هو أخطر من ذلك، حيث تقول هذه المواقع إن «داعش» يبيع أطفال العراق وسوريا لإسرائيل، ويصل سعر الطفل الواحد إلى (10) آلاف دولار أمريكي.
وأن عمليات البيع تتم بالتنسيق مع وسطاء يرتبطون بمافيا إسرائيلية تشتري الأطفال الرضع فقط، وتبيعهم لأسر داخل إسرائيل ليس لديهم ابناء.
وأوضح التقرير أنه يتم تهريب الأطفال من سوريا حيث يتولى الوسطاء تسليمهم للمافيا الإسرائيلية التي تـنقلهم بدورها إلى داخل تل أبيب.
وتدير هذه العصابة، بحسب المصادر، محاميةٌ إسرائيلية تتمتع بغطاء من بعض الحاخامات لزيادة عدد الإسرائيليين.
صحيفة «التايمز» البريطانية كشفت عن سوقٍ لتجارة البشر أقامه«داعش»، في منطقة القدس بمدينة الموصل العراقية، يباع فيه الأطفال والنساء مقابل مبالغ مالية تمثل أحد مصادر الدخل والتمويل لمقاتليه.
وبحسب الصحيفة فإن سوقًا آخر أقيم في مدينة الرقة، وليس في الموصل فقط، وفي كليهما يباع الأطفال والنساء من الطائفتين الإيزيدية والمسيحية والأقليات الأخرى.
دروع بشرية
وأكدت تقارير صادرة عن منظمات عالمية وحقوقية تعنى بشؤون الأطفال واللاجئين، انتشار ظاهرة تجنيد الأطفال للقتال في سوريا والعراق على يد الجماعات الجهادية المسلحة، وفي مقدمتها تنظيم «داعش».
حيث أشار تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في يوليو 2014 بعنوان «من الغليان البطيء إلى نقطة الانهيار» إلي قيام الجماعات المسلحة بخطف الاطفال وتجنيدهم،وممارسة الضغوط علي النساء لاجبارهم علي القتال في صفوف داعش، والزواج من عناصره.
فيما كشفت منظمة «أنقذوا الأطفال» الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الأطفال في تقرير لها صدر في مارس 2014 بعنوان «الطفولة في مرمى النيران: أثر عامين من الصراع في سوريا»، عن تزايد عدد الأطفال الذين يتعرّضون للخطر المباشر من تجنيدهم من صفوف القوات والتنظيمات المسلحة.
وتحدث التقرير عن تنافس التنظيمات المسلحة المتنازعة في تجنيد الأطفال ممن هم تحت سن الـ (18)عاما كحمّالين، وحراس، ومخبرين أو مقاتلين.
وأشار التقرير إلى إجبار الأطفال على المشاركة في الأعمال القتالية، واستخدامهم في بعض الاحيان كدروع بشرية.
وذكر التقرير أن مركز توثيق الانتهاكات في سوريا والتابع للمعارضة، قد وثق مقتل (17) طفلاعلى الأقل مرتبطين بالتنظيمات المسلحة منذ بداية الصراع،مؤكدًا أن العديد من الأطفال العاملين في صفوف هذه التظيمات قد تعرضوا بالفعل للإصابات الشديدة، أو للإعاقة الدائمة.
دروس دينية
وفي هذا السياق، قال طارق عبدو أحد مؤسسي مبادرة «لا لتجنيد الأطفال أو إشراكهم في العمل المسلح في سوريا»،- وهي مبادرة شبابية سورية تعمل على الأرض لوقف هذه الظاهرة، -إن حمل الأطفال السوريين للسلاح أصبح ظاهرة فعلية ومشهدا مألوفا في المناطق التي تسيطرعليها الجماعات المسلحة، حيث كانت في البدء تتم على شكل حالات فردية ونادرة بسبب اضطرار رب العائلة للتنقل مع عائلته وحمايتها،ومن ثم لايجد سبيلًا الا بتدريب أطفاله علي حمل السلاح، من باب الحماية.
إلا إن الأمر تطور بشكل لافت مع انتشار الجماعات الدينية المتطرفة وخصوصا تلك التابعة لتنظيم الدولة الإسلام في العراق والشام «داعش» وجبهة النصرة وأحرار الشام.
وأوضح طارق أنه تمت مراقبة ورصد هذه التنظيمات وطريقة تجنيدها للاطفال، والتي تبدأ بجمعهم من أجل حضور الدروس الدينية،مع التركيز علي ابناء أعضاء هذه التنظيمات،أو أطفال العائلات المتشددة دينيًا، ومن ثم يتم إشباعهم بالفكر التكفيري، ثم تبدأ عملية الفرز للمهمات التي تتراوح بين جمع المعلومات وصولا إلى حمل السلاح.
فكر متطرف
وأفاد طارق أن المبادرة التي أطلقها مع مجموعة من الشباب السوري تحاول قدر الإمكان نشر التوعية بين الأهالي،وتعريفهم بالتأثيرات السلبية لما يجري، إلا إن التحرك على الأرض بات شبه مستحيل مع الانتشار الكثيف للفكر المتطرف، واعتبار كل من يتناول هذا الأمر من الخوارج والتعرض لأحكام الهيئات الشرعية التي تصل عقوبتها إلى السجن والجلد.
وقال: «إن الجدل حول تعريف الطفولة مع هذه التنظيمات المسلحة شبه مستحيل، كونهم يعتقدون أن الفتى لا يترك مرحلة الطفولة بسن الـ (18)،بل عند مرحلة البلوغ في سن الـ (12 أو 13)عاما».
وأضاف طارق أنه «تم رصد العديد من المخيمات التدريبية التي ينقل إليها الأطفال بعد مرحلة تحفيظ القرآن والدروس الدينية وغرس مبدأ الجهاد في عقولهم، ومن هذه المخيمات مخيم في غوطة دمشق»، بالإضافة إلى تواجد العديد من الأطفال المسلحين في ريف حلب وشمالها، حيث يطلق على المجموعات المتدربة أسماء كثيرة طبقا للفرق التي ينتمون إليها كـ «أشبال الزرقاوي» و«طلائع داعش».
ومن أهم أسباب تجنيد «داعش» للأطفال أنهم يمكنهم التنقل بسهولة وخفة في المناطق الساخنة، ولا يمثلون موضع شك للخصوم أو للجيوش النظامية، كما إن تجنيدهم مبكرا يشكل مخزونا استراتيجيا قائما علي المنهج التكفيري دون جهدٍ وعناء.