دائماً ما تتزين قبور الأموات بالزهور والورود وإذا كان المتوفي فقيرا، تجد على باب قبره "حزمة من النعناع" أو نبات صبار، لكن ذلك القبر الذى نراه حمل "حزم من أوراق وأفكار" ، تزينت جدرانه بقصاصات ورق وأوراق قطعت من كشاكيل محاضرات وأحيان أخرى من مفكرات صغيرة لكنها حملت كثيرا من الألم والوجع، إنه قبر "العراب" دكتور أحمد خالد توفيق ابن مدينة طنطا، حيث يرقد داخل تلك القبه الحجرية ممدد فى ثبات أبدى، كبائع كتب داخل كشك على رصيف أحد المحطات، التى اعتاد قراءه شراء أعماله منه، لكن تلك المرة حضر الكاتب ولم تحضر الكتب، حضر الجثمان لكن الروح سلمت الأمانه، فتجولت كاميرا "أهل مصر" داخل تلك المقبرة.
يقول "عم محمد" حارس مقابر منطقة قحافة الذى يرقد داخلها جثمان العراب: فى العادة تغلق أبواب المقابر طوال الأسبوع، ولا تفتح إلا يوم الخميس كى يزور الأهل المتوفى، إلا ذلك المدفن الذى لم تغلق أبوابه حتى بعد مرور تلك الفترة على وفاته، فتقريبا يأتى يومياً فوج من طلاب الجامعة والشباب لزيارة قبره، ولصق أوراق على قبره والدعاء له.
وأضاف: "فوجئنا يوم الجمعة الماضية بشخص يحمل رخامة كتب عليها "جعل الشباب يقرأون"، وحين بدأنا فى تركيبها سمعت أن من صنعها يدعى "مارك" أحد شباب مدينة الإسكندرية، وكان من قراء دكتور أحمد، فذلك الرجل لم أجد مثله، فكم محبيه لا يحصى ومن كل حد وصوب.
ومن باب المقبرة، تحركنا لداخل القبر المعلق داخله مئات من الوريقات كتب على أحدها "سنلتقى خلف الجدار"، وأخرى كتب عليها بيد مرتعشة "شكراً للطفل بداخلك الذى لمس الطفل بداخلنا وصنع جيلا كاملا" ، وفى أحد الزوايا المختفية كتبت "سنلتقى حين تحترق النجوم" ، وكثير من من مقتطفات كتب العراب.
وقالت "هالة جبر" طالبة بكليه الطب جامعة طنطا: دائما ما كانوا يلقبوننى "دودة كتب" لكثر مقتنياتى من كافة العلوم، حيث اعتدت منذ صغرى أن أقرأ أى شئ يقع تحت يدى، وكعادة الفتيات الصغيرات يذهبن لمحلات الحلوى، وكنت أنا أشترى الكتب، حتى وقعت فى يدي أحد كتب دكتور أحمد خالد، ومن يومها وقعت فى شرك عشق كتاباته وبدأت فى اقتناء الطبعات الأولى، وودت أن أقابله ذات يوم كى يهدينى إحداها، وأكملت بحسرة: "كنت أظنه باق للأبد لكنه غافلنا جميعاً وذهب داخل ذلك القبر الموحش، لكننا سنزوره دائما ونلتقيه داخل رواياته".