حاضر الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بسيناء، ووجه بحرى تحت عنوان "الحصون البيزنطية بسيناء"، ضمن فعاليات الندوة التى عقدتها لجنة الآثار ومقررتها الدكتورة علا العجيزى تحت عنوان " تاريخ مصر العسكرى عبر العصور" بالمجلس الأعلى للثقافة فى ذكرى تحرير سيناء تحت رعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة.
تناولت المحاضرة دور الإمبراطور جستنيان فى القرن السادس الميلادى فى حرصه على تحصين مداخل سيناء وبنائه عدة نقاط للحراسة على رؤوس التلال الهامة بين العريش ونخل بوسط سيناء للدفاع عنها ضد أخطار الفرس الذين احتكروا تجارة الحرير فأمّن الطرق ما بين مصر وفلسطين وتحكم فى طرق التجارة القادمة من الهند والدول العربية والمتجهة إلى أوروبا وأن دير سانت كاترين أشهر أديرة العالم أنشئ كدير محصّن لنفس الغرض.
وأكد الدكتور ريحان أنه لولا الحصون الدفاعية الذى أنشأها جستنيان بسيناء فى القرن السادس الميلادى لكان الغزو الفارسى قد تمكن من مصر أثناء حكم الملك الفارسى كسرى الأول (531- 579م)، وتضمنت المحاضرة أربعة مواقع أثرية هامة بسيناء وهى حصن ودير الوادى بطور سيناء وحصن الفرما بشمال سيناء وحصن جزيرة فرعون بطابا وحصن ودير سانت كاترين وحصن رأس راية بطور سيناء.
"حصن ودير الوادى"
أشار الدكتور ريحان إلى أن حصن ودير الوادى بطور سيناء مسجل بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 987 فى 30 مارس 2009 باعتبار منطقة حفائر دير الوادى بقرية الوادى بمحافظة جنوب سيناء من الأراضى الأثرية وقد أنشئ كحصن رومانى أعيد استخدامه كدير محصن فى عهد الإمبراطور جستنيان فى القرن السادس الميلادى متوافقًا مع خطة جستنيان الحربية لإنشاء حصون لحماية حدود الإمبراطورية الشرقية ضد غزوات الفرس كما أعيد استخدامه كأحد الحصون الطورية فى العصر الفاطمى كما ورد فى عهود الأمان من الخلفاء المسلمين المحفوظة بدير سانت كاترين كما عثر به على تحف منقولة هامة من العصر الفاطمى.
وأشار " ريحان " إلى أن حصن ودير الوادى بطور سيناء تحفة معمارية فريدة يقع بقرية الوادى التى تبعد 6كم شمال مدينة الطور ويجاوره على بعد 200م بئر ذو مياه عذبة يطلق عليه بئر يحيى وعلى بعد 3كم من هذا الدير يقع حمام موسى ذو المياه الكبريتية الدافئة، بنى فى عهد الإمبراطور جستنيان فى القرن السادس الميلادى، كشف عنه فى حفائر منطقة جنوب سيناء منذ عام 1985 وحتى 1993وظل عامرًا حتى العصر الفاطمى ثم تحول إلى مقبرة للمسيحيين من طائفة الروم الأرثوذكس القاطنين بالمنطقة
وأشار الى ان الدير بنى بالحجر الجيرى والرملى المصقول والمشذب جيدا وهو الدير الوحيد بسيناء الذى يحتفظ بكل عناصره المعمارية من القرن السادس الميلادى حتى الآن حيث أن دير سات كاترين أضيفت عليه عدة تجديدات، تخطيطه مستطيل92 م طولاً 53م عرضاً له سور دفاعى عرضه متر ونصف ويخترقه ثمانية أبراج مربعة ويحوى أربعة كنائس ومعصرة زيتون من حجر الجرانيت الأسود وبئر للمياه اسطوانى الشكل ورحى لطحن الحبوب يجاورها فرن مستدير لعمل الخبز.
"حصن الفرما"
وعن الفرما يشير الدكتور ريحان إلى أنها تضم آثارًا عديدة رومانية ومسيحية وإسلامية لوقوعها على أحد فروع النيل وهو الفرع المعروف باسم بيلوزيان نسبة إلى مدينة بيلوزيوم (الفرما) وباقى مصبـه كان يقع بقربها وقد كشف بالفرما عن قلعة لها سور كبير مبنى بالطوب الأحمر ومسرح رومانى بالطوب الأحمر والأعمدة الجرانيتية، وبنيت مدرجاته بالطوب اللبن وغطيت بالرخام الأبيض يتسع لحوالى تسعة آلاف متفرج وهو المسرح الرومانى الوحيد المكتمل للعناصر المعمارية حيث أن مسرح الإسكندرية صالة استماع فقط.
ويتابع بأن الفرما تضم أيضا خزانات مياه ومنطقة صناعية لصناعة الزجاج والبرونز والفخار والعديد من الكنائس حيث تعتبر مدارس فنية فى طرز العمارة المسيحية ومنها كنائس بيلوزيوم والمعمودية وكنائس تل مخزن وكنيسة كبرى ذات تخطيط متعامد وتضم الفرما قلعة حصن الطينة على البحر المتوسط الذى بناها الخليفة العباسى المتوكل على الله وتولى بناؤها عنبسة بن اسحق أمير مصر فى سنة 239هـ 853م عندما بنى حصن دمياط وحصن تنيس.
وقدم الدكتور عبد الرحيم ريحان رؤية لتطوير منطقة الفرما ضمن مشروع تطوير شرق بورسعيد على أن يشمل التطوير إحياء محطات رحلة العائلة المقدسة من رفح إلى الفرما بأعمال ترميم للآثار المكتشفة على طول الطريق وإعدادها للزيارة كمواقع للسياحة الثقافية والدينية وتزويدها بالخدمات السياحية وتمهيد الطرق لتيسير الدخول للموقع الأثرى بالفرما والذى يبعد عن الطريق الرئيسى طريق القنطرة – العريش 5كم وإنشاء ميناء بحرى بها ومطار والترويج لها داخليًا وخارجيًا لإنعاش منطقة شمال سيناء سياحيًا لتكون سيناء بأكملها جنوبها وشمالها منطقة جذب سياحى لتحقيق منظومة تكامل المقومات السياحية بسيناء من سياحة آثار وسياحة دينية ورياضات بحرية علاوة على السياحة العلاجية والبيئية وتحويل هذه المحطات لمراكز تجارية وصناعية كما كانت فى سابق عصرها.
ويوضح أن شمال سيناء كانت فى الماضى محطات للتجارة بين الشرق والغرب من القرن الأول حتى القرن السابع الميلادى وكان بها أنشطة تجارية محلية وبعضها كانت موانئ هامة وبعضها كانت نقاط عسكرية لحماية قوافل التجارة وطريق الرحلة المقدسة للمسيحيين إلى القدس عبر سيناء وبعضها كانت نقاط جمارك وكان بها صناعات مثل النسيج والزجاج وبناء السفن والصيد وحفظ الأسماك وكانت تمثل مراكز تجارية للتجارة مع فلسطين وشمال أفريقيا وقبرص وآسيا الصغرى واليونان وإيطاليا
"الحصن البيزنطى بجزيرة فرعون"
وألقى الدكتور ريحان الضوء على الحصن البيزنطى بجزيرة فرعون بطابا الذى أنشأه الإمبراطور جستنيان لحماية التجارة البيزنطية وقد تم الكشف عن كنيسة بيزنطية داخل الجزيرة حفظت كاملة حين إنشاء صلاح الدين الأيوبى لقلعته الشهيرة على الجزيرة عام 567هـ 1171م.
وقد أنشأ جستنيان فنارًا وسط هذا الحصن الفنار فوق التل الجنوبى بجزيرة فرعون لإرشاد السفن التجارية عند رأس خليج العقبة وترك حامية من الجنود لإدارة وحراسة الفنار لذلك أنشأ لهم أماكن معيشة وغرف حراسة حول هذا الفنار فى مبنى محصّن، مساحة المبنى 22م من الشرق للغرب، 13م من الشمال للجنوب، مبنى من الحجر الجرانيتى المقطوع من نفس التل وبلاطات من الحجر الجيرى فى الأسقف، موقع الفنار وسط المبنى مساحته 7.5م طولًا،4.80م عرضًا، على يمينه سكن خاص لقائد الحامية البيزنطية وعلى يساره غرف حراسة وإقامة للجنود ولقد أعيد استخدام هذا المبنى فى عهد صلاح الدين كتحصين جنوبى لقلعته وأحاطه بسور دفاعى، والمبنى من الخارج كان مغطى بالملاط ويتضح ذلك من بقايا الملاط بالجدار الغربى وهذا يدل على أهمية المبنى المخصص لقائد الحامية ويقع غرب هذا المبنى غرف سكن الجنود وأبراج الحراسة.
"حصن ودير سانت كاترين"
ويؤكد الدكتور ريحان أن الإمبراطور جستنيان لم ينشئ دير سانت كاترين أشهر أديرة العالم على أساس دينى صرف ولكنه جزءً من خطته الحربية، فلقد قام ببناء تحصينات على الحدود الشرقية للإمبراطورية من حدود سوريا إلى شمال أفريقيا لتحمى طرق التجارة ضد قبائل الصحراء والجبال الوعرة ، ونماذج الحصون هذه أصبحت هى النموذج للأديرة الكبيرة حتى ولو لم تكن هناك ضرورة حماية عسكرية للمكان وإن كان السبب المباشر لبناء دير سانت كاترين هو الإستجابة لمناشدة الرهبان حول الجبل المقدس ولكنه وجدها فرصة لتحقيق أهدافه الأبعد من ذلك وهى تأمين الحدود الشرقية للإمبراطورية والدفاع عن مصر ضد أخطار الفرس لذلك حرص على تحصين مداخل سيناء وبنى عدة نقاط للحراسة على رؤوس التلال الهامة بين العريش ونخل بوسط سيناء
و تأمين طرق المواصلات بين مصر وفلسطين وإعاقة أى هجوم على فلسطين حيث كانت تنقل البضائع من أثيوبيا إلى فلسطين عن طريق سيناء
"تل راية"
كما تطرق الدكتور ريحان فى محاضرته إلى تل راية على بعد 10كم جنوب مدينة طور سيناء على ساحل خليج السويس والتسمية جاءت نسبة لأحد شيوخ البدو وهو الشيخ راية وله مقام بها ولا علاقة لها باسم رايثو ونجد كثير من أسماء الأماكن بسيناء ارتبط بمقبرة لأحد شيوخ البدو مثل منطقة الشيخ محسن قرب كاترين بل أن تسمية أشهر الأودية بسيناء بوادى الشيخ نسبة إلى الشيخ صالح المدفون على جانبه الأيمن وله مقام معروف خطأ باسم مقام النبى صالح يبعد 7كم عن دير سانت كاترين، وتل راية مسجل أرضًا أثرية بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3340 لسنة 1999.
وأوضح الدكتور ريحان أن منطقة راية هى موقع ميناء المدينة ويبعد 10كم جنوب طور سيناء ويقع تل راية فى النهاية الشمالية لمدخل أو بوغاز صغير وأرضية الموقع مستوية وترتفع قليلاً فى الجزء الشمالى الشرقى من خط الساحل، أما حصن رأس راية فيقع على بعد 200م من خط الساحل ويرتفع 10م فوق مستوى سطح البحر وهو حصن مربع أضلاعه من 78 إلى 78.5م له سور يتخلله سبعة أبراج دفاعية بالإضافة لبرجى المدخل، والأبراج مربعة ضلعها 8.5م وتم كشف البوابة الرئيسية فى الجدار الشرقى والتى تؤدى لشارع أوسط وشوارع جانبية، ولهذا الحصن بابين الأول باب سقاطة كما يتضح من العضاضتين على جانبى المدخل والباب الثانى باب يفتح لداخل الحصن وبين البابين مساحة مستطيلة على جانبيها مقاعد لجلوس الحراس، كما تم كشف مسجد وخزان مياه بالحصن