وكأن التاريخ يعيد نفسه، بعد أسبوع من الحادث الذي هز أركان الدولة وزلزل حدودها وجهاتها الأربع إضافة إلى الخامسة وهي السماء، حدثت واقعة مشابهة بل أكثر جرمًا هذه المرة أو تكاد، الرابط بين الحادثين كبير، فكلاهما يتعلقان بما عرف إصلاحًا بالشرف، الحادثان وقعا في المنيا، وكأن المسمى له دلالات وإشارات.
الحادث الأول وقع يوم الجمعة الموافق العشرين من الشهر الماضي عندما تعرضت سيدة قبطية تدعى «سعاد ثابت» للتعدي عليها من جانب مجموعة من الشباب قريتها «الكرم» بمركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا في صعيد مصر، حيث ترددت أنباء أنهم قاموا بتعريتها من ملابسها وهو ما ما لم يتطرق إليه شهود الإثبات في تحقيقات النيابة لا من قريب أو بعيد، على خلفية اتهام نجلها بإقامة علاقة غير مشروعة مع سيدة مسلمة من القرية، حتى زوج سيدة الكرمة وهو أحد الشهود لم يتهم أحدًا بتعرية زوجته، أما حادث اليوم فقد وقع في المنيا أيضاً ولكن هذه المرة مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية.
الحادث، سيناريو مكرر من مشهد قيل إنه وقع لـ «سيدة الكرم» على أيدى شباب قريتها، حيث تعود أركان الجريمة إلى قيام مجموعة من البلطجية في إحدى قرى الشرقية، بالتعدي بالضرب على رجل مسن مصاب بعجز جزئي قد يصل إلى حد الشلل في نصفه الأيمن، أما مسرح الجريمة فقد كان بيت من بيوت الله، حيث وقعت فصولها الأولى في المسجد عندما كان يؤدي الحاج عصام صلاة العشاء في جماعة، ففاجأه أحد هؤلاء البلطجية، بتهديده داخل حرم المسجد، ثم تطور الأمر إلى أن قام هذا البلطجي بإطفاء سيجارته في «قفا» المجني عليه داخل المسجد، ثم فوجئ الرجل بدخول أشقاء هذا البلطجي إلى بيت الله ووحملوه إلى الخارج، حيث انهالوا عليه بالضرب.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد من انتهاك حرمة بيت من بيوت الله، أو حتى بعد أن أبرحوا الرجل المسن ضرباً، بل عندما استنجد المجني عليه بأولاده لانقاذه من الهلاك على أيدي هؤلاء البلطجية، خرجت زوجة الشيخ عصام من منزلها الكائن بجوار المسجد، فمثل لهم خروجها من منزلها مبتغاهم في كسر أنف الرجل وإزلاله، حيث تكاتفوا على السيدة العجوز، وانهالوا عليها ضربًا ثم قاموا بتعريتها كلية من ملابسها أمام أهالي القرية، شاهرين أسلحتهم البيضاء في مواجهة الجميع، لإرهاب من يحاول أن يخلص السيدة وزوجها من هلاك محقق.
السيدة بدورها استغاثت بمن حولها، وفي مقدمتهم أبنائها طبعاً، وقالت «واشرفاه»، وعندما غلي الدم في عروق ولديها، على خلفية تعرية أمهم العجوز في قرية يعرف الجميع بعضهم البعض، هبوا لنجدة الشيخ وزوجته، فما كان من البلطجية إلا أن كسروا أنف أحدهما وإحداث عاهة مستديمة في إحدى عينيه، وجرح بالغ في حاجبه الأيسر، أو نجلهما الثاني فقد نال من الضرب جانباً حيث أصيب بتهتك كبير في أحد أصابع يديه ما استدعى إجراء جراحة له حتى يتمكن من الحركة، ولم يسلم شقيق المجني عليه من الإعتداء حيث تعرض للضرب بالأسلحة البيضاء التي تعرف بـ «السنج» كبيرة الحجم، في رأسه، أدت إلى حاجته لعدد كبير من الغرز الطبية.
القصة لم تنته بعد، حيث حاول الشيخ عصام وزجه أن يذهبا لتحرير محضر وإجراء كشفًا طبيًا لإثبات الحالة، بيد أن مستشفى الزقازيق الحكومي رفض ذلك بضغط من أحد أقارب هؤلاء البلطجية يعمل سكرتيراً لنيابة مرور الزقازيق يدعى «ج. » حيث يرهب ويوهم الجميع بأنه يمتلك نفوذًا، وهو ما يستند إليه هؤلاء البلطجية في التمادي بارتكاب جرائمهم ضد أهالي القرية البسطاء الضعفاء الذين لا يملكون سندًا لهم، حيث يحاولون بسط نفوذهم وسيطرتهم على القرية.
الحاج عصام أكد أنه هؤلاء البلطجية يعملون تحت ستار ودعم من قريبهم الذي يعمل في نيابة المرور، وهو ما يغشاه أمناء الشرطة هناك، حيث قال الرجل أن الداخلية لم تحرك ساكنًا بعد طلبه هو وزجه النجدة، منذ وقوع الحادث وحتى الآن، وهو ما دفع البلطجية الأربع وابن عمهم بالتعرض لزوجته مرة أخرى، والتحرش بها، على مرأى ومسمع من الجميع، فارضين كردونًا على الحاج عصام وأهل بيته، حيث لايمكنهم الخروج لمزاولة أعمالهم الزراعية وخاصة بعد تعدي هؤلاء البلطيجة على زوجة الرجل عندما ذهبت إلى أرضهم الزراعية للإطمئنان على حالها وما بها من زرع حيث قاموا بضربها، وتمزيق ملابسها مرة أخرى، بل الأدهى من ذلك أنهم منعوا الحاج عصام من الصلاة في المسجد، المجاور لمنزله، كما لا يشعر أهل بيته جميعًا بمن فيهم الرجال طبعاً بالأمان داخل منزلهم، وحتى على فراشهم في غرف نومهم.
وناشدت زوجة الحاج عصام المكلومة والتي تعرض شرفها للكشف على الملأ أكثر من مرة، الرئيس عبد الفتاح بالسيسي، بالتدخل لحمايتها هي وزوجها وأولادها وإعادة شعورهم المفقود بالأمان، على غرار ما فعله الرئيس مع سيدة الكرم في محافظة المنيا والتي وقفت الدنيا ولم تقعد بعد حادث تعريتها قبل التأكد حتى من صدق هذه الرواية التي لم يشير إليها زوجها نفسه ولم يتهم أحدًا بالقيام بها، وكأن لسان حال زوجة الحاج عصام يقول «الشرف كله سواء».