لم يخلو مشهد نكسة يونيو من الأبطال بالرغم من الحزن والألم الذى أصاب المصريين فى تلك الأيام.
ومن هؤلاء الأبطال الفريق "سعد الدين الشاذلي"، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر 1973، وواحد ممن تعرض اسمهم للتغييب طوال الأعوام الماضية، لا يعرفه الكثيرون من الجيل الحالي، ولكن الجيل القديم حينما تسأله عنه فسيجيب بكل وضوح "آه ده بتاع الثغرة"، والعقل المدبر للهجوم المصري على خط الدفاع الصهيوني المنيع "بارليف".
أثبت الشاذلي وجوده في نكسة 1967 عندما كان برتبة لواء ويقود وحدة من القوات المصرية الخاصة مجموع أفرادها نحو ١٥٠٠ فرد والمعروفة بمجموعة الشاذلي في مهمة لحراسة وسط سيناء.
ووسط أسوأ هزيمة شهدها الجيش المصري في العصر الحديث وانقطاع الاتصالات مع القيادة المصرية وكنتيجة لفقدان الاتصال بين الشاذلي وبين قيادة الجيش في سيناء، فقد اتخذ الشاذلي قرارا جريئا فعبر بقواته الحدود الدولية قبل غروب يوم 5 يونيو وتمركز بقواته داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بنحو خمسة كيلو مترات وبقى هناك يومين إلى أن تم الاتصال بالقيادة العامة المصرية التي أصدرت إليه الأوامر بالانسحاب فورا، فاستجاب لتلك الأوامر وبدأ انسحابه ليلا وقبل غروب يوم 8 يونيو في ظروف غاية في الصعوبة، باعتباره كان يسير في أرض يسيطر العدو تمامًا عليها، ومن دون أي دعم جوي، وبالحدود الدنيا من المؤن.
واستطاع الشاذلى بحرفية نادرة أن يقطع أراضي سيناء كاملة من الشرق إلى الشط الغربي لقناة السويس (نحو 200 كم)، وقد نجح في العودة بقواته ومعداته إلى الجيش المصري سالما، وتفادى النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر بنسبة 10% إلى 20%، فكان آخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء
هناك أيضا أحد ضباط المجموعة 39 قتال، مختار نوح، وكانت بداية انضمامه إلى القوات الخاصة عقب تخرجه في الكلية الحربية، وكحال معظم كتائب الصاعقة الأخرى في هذا الوقت فقد انتقلت تلك الكتيبة إلى اليمن للمشاركة في الحرب الدائرة هناك، وبعد انتهاء الفترة المحددة للكتيبة في اليمن، عادت مرة أخرى إلى مصر وتمركزت بشرم الشيخ، حين بدأت علامات التوتر بين مصر وإسرائيل وغلق خليج العقبة، وسحب مراقبى الأمم المتحدة من على الحدود في مايو 1967.
ثم جاء الصباح الدامي لصباح 5 يونيو 1967 الذي لم يشعر بأحداثه نوح ورفاقه على العكس من آلاف الضباط والجنود في القوات المصرية، فقد كانت شرم الشيخ هدفا ثانويا وليس له أولوية في الهجوم الإسرائيلى الأولى، فانسحبت الكتيبة إلى الإسماعيلية وتعجب نوح وزملاؤه من ذلك القرار، ولكن حينما وصلوا إلى الإسماعيلية بدأ الهجوم الإسرئيلي الذي دفعهم إلى التراجع لبورسعيد وحدثت معركة رأس العش التي استطاعت فيها فصيلة صاعقة أن تصد قوات للعدو تحاول التقدم لاحتلال بورفؤاد.
وحين فشلت قوات العدو بدأت فى الانتشار في مواقع على القناة، فتم تكليف النقيب نوح بالدفاع عن ثلاث مواقع فاستطاع تدمير أول سيارة للعدو وتدمير عربات النصف جنزير وإحدى الدبابتين وفرت الأخرى هاربة، ولم يمر وقت طويل حتى هاجم طيران العدو الموقع بقنابله، فجمع نوح أفراد السرية للتحرك إلى الملاحات في الضفة الغربية لقناة السويس، لتجنب قصف العدو دون خسائر، وكان بالقرب من الموقع قوة تابعة لحرس الحدود رفضت أن تتجه إلى منطقة الملاحات، فهاجمها طيران العدو وأحدث بها بعض الخسائر.
اللواء إبراهيم الرفاعي أسطورة الصاعقة، اسمه يثير الرعب في قلوب الإسرائيليين، لما عرف عنه من رغبة جامحة في التضحية فداء لوطنه، لفت الأنظار إليه بشجاعته وجرأته المنقطعة النظير، فهو ضابط مقاتل من الطراز الأول، لذلك أطلق عليه "أسطورة الصاعقة المصرية" و"أسد الصاعقة".
صُدم الرفاعي بشدة عام 1967 بعد نكسة يونيو، ومن شدة حزنه أصيب بقرحة حادة في المعدة، وبالرغم من ذلك ظل يقاتل ويحارب، وكان بعد نهاية كل عملية يشتاق لعملية أخرى ليحقق من خلالها حلمه وهو خروج الإسرائيليين من مصر، ولأن "الرفاعى" كان يحسن اختيار العناصر التي تقاتل معه، أصبحت المجموعة التي يقودها محط أنظار الكثيرين من أبناء القوات المسلحة، وكان العمل تحت قيادته شرفا يسعى إليه كثير من رجال القوات المسلحة.
كان قائد الوحدة 39 التابعة للمخابرات الحربية فرع العمليات الخاصة، وقام بتنفيذ أكثر من 72 عملية فدائية خلف خطوط العدو في حرب 67 وحرب الاستنزاف وكذلك في حرب أكتوبر، كانت نيران مجموعته أول نيران مصرية تطلق في سيناء بعد نكسة 1967، فقد نسف هو ومجموعته قطارا للجنود والضباط الإسرائيليين عند منطقة "الشيخ زويد" وكانت هي أولى العمليات التي قام بها الرفاعى ومجموعته، وفى عام 1968 كان الرفاعى ومجموعته أصحاب الفضل في أسر أول ضابط إسرائيلى وهو الملازم الإسرائيلى "دانى شمعون" والعودة به إلى القاهرة دون إصابات.