لاحديث في الشارع المصري خلال الوقت الراهن سوى على سد النهضة الإثيوبي، الجميع ينتابه شعور بالقلق والخوف تجاه التوابع المترتبة على هذا السد، وازدادت وتيرة المخاوف بعد أن خرج وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور، في أبريل الماضي، ليعلن فشل الاجتماع الثلاثي مع مصر وإثيوبيا الذي احتضنته العاصمة السودانية "الخرطوم"، بشأن أزمة سد النهضة، لافتا إلى أن المسائل الخلافية تحتاج إلى وقت أطول.
غير أن اجتماع الأمس، حمل معه بادرة أمل جديدة للقاهرة، ونتيجة نوعية في هذا الملف الذي استمرت المفاوضات فيه أكثر من سبعة أعوام، شهدت تماطل وتعنت إثيوبي تارةً، ونوايا حسنة تارةً أخرى، إذ وقعت كل من القاهرة والخرطوم وأديس أبابا على وثيقة مخرجات الاجتماع التُساعي لسد النهضة، والتي وصفتها مصر على لسان وزير خارجيتها بأنها "إيجابية وتنسجم على ما اتفق عليه قادة الدول الثلاثة خلال اجتماعهم في وقت سابق".
وتضمنت هذه الوثيقة خمسة نقاط لعل أبرزها؛ الاتفاق على عقد قمة دورية ثلاثية على مستوى الرؤساء بالتناوب بين عواصم الدول الثلاثة، كما اتفق وزراء الدول الثلاثة على أهمية المُضي في إنشاء صندوق للبنية التحتية يتضمن مقترحات حول مشروعات تعاون مشترك في مجال التنمية والبنية التحتية.
كما شدد الحضور على أهمية إنشاء مجموعة علمية بحثية مهمهتا الرئيسية الاتفاق على سيناريوهات محددة تتعلق بقواعد الملء والتشغيل للسد طبقا لمبدأ الاستخدام العادل والمنصف للموارد المائية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع أي ضرر على أي من الدول الثلاثة.
ومن المُقرر أن تستضيف القاهرة، خلال يومي 19 و19 مايو الجاري اجتماعًا جديدًا، بحضور وزراء الخارجية والري ورؤساء المخابرات في الدول الثلاثاء لاستكمال مشاوراتهم.
نواب في البرلمان، أكدوا أن وثيقة "مخرجات الاجتماع التُساعي" بشأن سد النهضة، تُعد تطورًا نوعيًا في هذا الملف الحساس التي حاولت أديس أبابا تتعامل معه بسياسة التعنت وفرض الأمر الواقع، وهو ما لاقى انتقادًا واسعًا من جانب مصر، التي كشرّت عن أنيابها وخرج وزير خارجيتها بعد إعلان فشل المفاوضات ليعلن أن مصر ستبحث عن وسائل بديلة ولديها من الأدوات ما تحافظ به على حقوقها.
" مياه النيل.. مسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر.. أنا بطمنكم محدش يقدر يمس مية مصر- مية مصر موضوع مافهوش كلام.. إلخ".. بهذه الكلمات رد النائب اللواء جمال عبدالعال، عضو مجلس النواب وعضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان على كل ما يُثار في الشارع المصري من قلق ومخاوف.
وتابع : "أن مياه النيل مسألة أمن قومي بالنسبة لمصر وخط أحمر لا يقدر أحد أن يمسه ومصر تسطيع الحفاظ على حقوقها التاريخية في مياه النهر، كما أنها تملك أوراق ضغط قوية لم تستغلها حتى الآن".
وأشار إلى أن وسائل الإعلام المُعادية لمصر تلعب دورًا في بث روح القلق في الشارع المصري وهي وسائل معروفة انتماءاتها وميولها وتسعى أن تجعل الشعب المصري يعيش في حالة قلق دائمة.
ويرى النائب اللواء ممدوح مقلد، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، أن مصر سلكت طريق المفاوضات منذ اليوم الأول، وإن شاب هذا الطريق محاولة لتعنت من جانب إثيوبيا، فمصر تستند إلى أوراق أخرى تمكنها من الحفاظ على حقوقها .
وحول ما إذا لم تسفر هذه المفاوضات عن أي جديد ، أكد "مقلد" أن وثيقة "مخرجات الاتفاق" بشأن السد، بداية لمرحلة جديدة من المفاوضات، إذ من المتوقع أن يصاحبها الاتفاق على آليات جديدة مشتركة للتعاون فيما بينهم خلال الفترة المقبلة.
ويضيف: "علينا ألا نسبق الأحداث ونحكم على هذه المفاوضات بأي نتيجة، لكن نود أن ننوه هناك أدوات أخرى قد نسلكها إذ تعرضت هذه المفاوضات لتعثر منها اللجوء إلى مجلس الأمن باعتباره الجهة المنوطة بحفظ الأمن والسلم الدوليين، ففشل مفاوضات سد النهضة سيسبب ضررا لمصر وهو ضرر متعلق بالأمن القومي لها، وقد يصيب المنطقة ويمس أمنها وكذلك أمن منطقة القرن الإفريقي وهنا يظهر دور مجلس الأمن.
واعتبر النائب اللواء محمد سعيد الدويك، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، صدور وثيقة مخرجات الاجتماع التُساعي بشأن سد النهضة الإثيوبي عقب انتهاء اجتماع وزراء الخارجية والري ورؤساء أجهزة المخابرات في مصر والسودان وإثيوبيا، تُعد بمثابة صفحة جديدة في تاريخ المفاوضات، وبادرة أمل نحو الوصول إلى حلول مُرضية لجميع الأطراف من باب "لاضرر ولا ضرار" لأحد من الدول الثلاثاء، وهو جهد يُحسب للقيادة السياسية أولًا التي تتعامل مع هذه الملف بحكمة بالغة، ولجهود وزارة الخارجية.
ويضيف أن الاتفاق على عقد الاجتماع المقبل في العاصمة المصرية القاهرة، يحمل معه رسائل عدة أهمها أن مصر متمسكة بحقوقها ولن تتهاون فيها.