اعلان

حكايات المسيحين في شهر الوحدة الوطنية.. "بيشوي" أشهر صانع تمر هندي بالمجان للمسلمين في رمضان.. فرنسيس: "بنصوم زي خواتنا المسلمين ونجمع أموال من الأقباط لشرار وتركيب الزينة"

صورة أرشيفية

«مسلم ومسيحي..إيد وحدة» لم تكن يوما شعارا يتردد بين المصريين، بل مشهدا يتجسد في شهر رمضان من خلال الألفة الوطنية، التى تجمع بين قطبيها مسلمها ومسيحيها، فالجميع يتشارك في الروحانيات والعادات الرمضانية ويتقاسمون موروثاته الإجتماعية، بل وصل الأمر إلى امتناع أقباط عن تناول الطعام والشراب إحتراما لمشاعر شريكهم الوطني.

هنا في مصر، صورة رمضانية متكررة، لا تفرقة بين مسلم ومسيحي، الجميع يزين الشوارع بزينة رمضانية والفوانيس في أيدي الأطفال كافة، وأمام بائع الكنافة تتراص صفوف ممتدة من عمر الطفولة وحتى أرزله، لا يعنيهم المعتقدات الدينية بيد أنهم يشاركون المسلمين فرحتهم بشراء مأكولات وحلوى الشهر المبارك، موائد الرحمن تطعم المقتر والفقير يقيمها كل عام مسلمون يشاركهم أقباط، لا أحد يلتفت للديانة، فالجميع يسارع لنيل المحبة.

«أهل مصر» عايشت أقباط أثناء شراء الفوانيس، منهم إسحق فرنسيس، يقول: «روحانيات رمضان نشعر بها قبلها بأيام، منذ أن كنا صغارا نشارك في صنع الزينة وتعليق الأعلام الملونة التي كان شباب كل منطقة يسهر على قصها وتشكيلها وتلوينها قبل بدء الشهر بأيام، مرورا بتجميع أموال من كل منزل لشراءها جاهزة من المحلات، وكل منزل على حسب قدرته المادية، فمنهم الذي يتبرع بثمن الفانوس ومنهم من يشارك بثمن علم ومنهم من يكتفي بالمشاركة بالمجهود في صنع الزينة لكن الجميع يشارك، فلا يوجد شارع في أي منطقة إلا وتزين بالأعلام والفوانيس الرمضانية».

«ذكريات كثيرة لا تنسى عن رمضان زمان» يقولها «فرنسيس» ملتقطا أنفاسه بعمق، ليتحدث عن حبه للشوارع المصرية أثناء صلاة التراويح، ولقاء الأصدقاء على المقاهي وفي النوادي بعد انتهاء الصلاة حتى قبيل السحور، وإن لم يتبق وقتا كافيا يتناول الجميع وجبة السحور على عربة الفول، قائلا: «المسيحي يتسحر زي المسلم لأننا كلنا صايمين، فممنوع الفطار أو شرب السجائر حتى أذان المغرب»، أما عن أكلات رمضان، فيبتسم قائلا: «أحلى الأكلات في رمضان خاصة الخشاف وقمر الدين والأجمل من كل ذلك لمة رمضان تختلف عن أي تجمع».

ويتابع: «اتناول السحور يوميا حتى أتمكن من الامتناع عن الأكل والشرب وتدخين السجائر في نهار رمضان، الحقيقة أنني اعتدت ذلك منذ أن كنت طفلا صغيرا واكتسبت الأمر من والدي الذي كان دائم المحافظة على مشاعر وحب اخواتنا المسلمين».

عن ذكريات الطفولة قال:«اختلف رمضان حاليا عن زمان كثيرا، لكن نحن صانعي الفرحة، شهر العبادات أيضا يجمع النسيج الوطني وننسى معه أننا مسلم ومسيحي، فكنا أطفال في الصعيد وتحديدا محافظة المنيا، وعمي كان من أشهر صانعي أفران الكنافة البلدي، وكنا نسهر معاه، وحاولت كثيرا أن أقوم بعمله لكن حتى رش الكنافة له متخصصين، رمضان زمان كان له فرحة كبيرة خاصة عند الأطفال، وكنا ننتظر عمو فؤاد وبوجى وطمطم وبكار وعالم سمسم وألف ليلة وليلة وفوازير شريهان».

«فرنسيس» اعتاد كل عام صنع مبادرات الوحدة الوطنية، ففي السنة الماضية نظم مبادرة «إيد في إيد»، وقبل بدء شهر رمضان تنطلق «مبادرته الجديدة» بعنوان «قلب واحد.. بنكمل بعض»، والتي يتولى الإنفاق عليها رجل أعمال مسيحي، وسيقوم بتوزيع شنط رمضانية في منطقة عزبة النخل والمرج والشيخ منصور، والهدف منها هو نشر روح المحبة والإيخاء بين المسلمين والأقباط فضلا عن أنها مساندة رمزية لمحدودي الدخل وأيضا رسالة تهنئة بمناسبة الشهر الفضيل، حسبما قال.

«أنا المسيحي اللي مستني رمضان بفارغ الصبر..اللي مستني الزينة بتاعة رمضان..اللي مستني صوت المدافع والناس بتتجمع على الفطار..مستني مسلسلات رمضان..المسيحي اللي بيفضل يسأل باباه رمضان إمتى؟..المسيحي اللي شايف ان مفيش حاجه اسمها مسيحي ومسلم غير العبادة..المسيحي اللي بيعشق صحابه المسلمين.. شايف إن مفيش حاجة ينفع تفرق بينا..أيوه أنا المسيحي اللي ديني بيقولي كدا لأن الله محبة».. هاشتاج تناقله عدد كبير من الأقباط عبر صفحة «بيشوي اسحاق ميخائيل» على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، يقول عنه: «هي كلمات تمثلني جدا، رمضان حاله في البيوت المصرية لا تفرق بين مسلم ومسيحي، يوم العمل في رمضان أيضا يكون صعب على الأقباط خاصة الإستيقاظ يكون متأخرا بسبب السهر انتظارا للسحور بمشاركة أصدقائنا المسلمين، وفي أول يوم صيام، بمجرد وصولي للعمل أسمع السؤال المعتاد: «إيه يا بيشو صايم ولا زي كل سنة»، أيضا من الثوابت كل عام أنه يمنع الأكل والشرب خاصة في الشارع مراعاة للصائمين".

«بيشوي» القاطن في شبرا يقول إنه لم يجد منطقة تحقق معادلة الوحدة الوطنية والإنسجام العقيدي كهذه، فالجميع ينسى ديانته ويتذكر فقط العلاقات الإنسانية والمحبة المشتركة، وهو ما لا يتوافر في أي منطقة أخرى: «لم يمض عام بيد أن أشارك في تعليق زينة الشارع و الإضاءات الكهربائية، مع الاستماع للأغنية التي تشعرنا بفرحة ونفحات الشهر «أهو جه يا ولاد».

ويتابع: بالنسبة لي رمضان هو رمضان لا شئ اختلف أو فقدت مذاقه، صعوبة أن نجتمع في أيام السنة يسهل تحقيقها خلال الشهر، نسهر سويا من بعد التراويح حتى وقت السحور الذي يجمعنا على عربة الفول، ويدخل الأصدقاء المسلمين للمسجد لأداء صلاة الفجر، ثم يبدأ لعب الكرة والتباري على الوقوف في حراسة المرمى حتى لا يفقد جسده طعام السحور وشرابه في مطلع اليوم، إلى أن تشرق الشمس يعود كل منا إلى منزله للنوم ساعات قليلة والبعض يستعد للتوجه إلى عمله، ويضحك لحظات قائلا: «أيضا عربة الفول لها حكايات خاصة في رمضان عندما تكون مزدحمة فنفترش السيارات المحيطة بالأطعمة وزجاجات المياه، وأحيانا لا يوجد خبز علي عربة الفول فيتبرع البعض بالذهاب لشرائه كلا في دوره، فلان ذهب اليوم، والمرة القادمة غيره، والغاية أن الجميع يتناول السحور».

أما عن عادات «بيشوي» في رمضان فيقول وفي صوته نبرة حزن-: «اعتدت كل عام على تجهيز 7 كيلو تمر هندي وتوزيعه على المارة يوميا في الشارع..فكل صديق يتبرع بمبلغ مالي ونحضر السكر وأكواب بلاستيكية و براميل الماء والتمر هندي، ونقوم بتحضير العصائر وتعبأتها ثم توزيعه قبيل آذان المغرب، إلا أن سبب حزني هذا العام أني لن أشاركهم سوى أسبوعا واحدا لإرتباطي بمواعيد العمل".

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً