اعلان

الإمام الأكبر: فلسفة الصدفة التي لجأ إليها الملحدون نظرية خيالية وتصور شاذ

الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف

قال الإمام الأكبر، للدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إنَّ فلسفة الصدفة التي لجأ إليها الملحدون لضرب فكرة الألوهية واجتزازها من الجذور، هي نظرية خيالية وتصور شاذٌّ بل مستحيل؛ حيث فنَّدها الفلاسفة بناءً على أنَّ الصدفة تنتهى إلى استحالات عقلية بأن تكون العلَّة معلولًا والمعلول علَّة في نفس الشيء وهنا استحالة اجتماع النقيضين، كما خلصوا إلى استحالة عقلية أخرى وهي أنَّ الشيء وجد من غير مُوجد وهو ما يعرف بمبدأ «السببية، وكلُّ قولٍ يصادم هذا المبدأ الفطريّ المركوز في نفوس النَّاس جميعًا فإنَّ العقل هو أوَّل من يحكم عليه بالزَّيف والتَّدليس.

وأضاف خلال برنامج "الإمام الطيب "أن الدَّليل الرياضي الذي يحيل مقولة الصُّدفة وينسفها من الجذور هو دليل «حساب الاحتمالات»، وملخَّص هذا الدَّليل يقوم على خطواتٍ ثلاثٍ: الأولى أنَّنا نشاهد في الكون انسجامًا مطَّردًا بين كلِّ ظاهرةٍ من ظواهر الطَّبيعة وبين حياة الإنسان، ولو حدث أيّ اضطرابٍ أو تغييرٍ في هذه الظواهر إنَّما يعني توقُّف هذه الحياة ونهايتها الفوريَّة، أما الخطوة الثانية فهي أن هذا التَّوافق والانسجام المطَّرد بين ملايين الظَّواهر الطَّبيعيّة من جانبٍ ومهمَّة تيسير حياة الإنسان من جانبٍ آخر يمكن تفسيره بفرضيَّة واحدة فقط؛ هي وجود صانعٍ حكيمٍ قصد إلى توفير عنصر الحياة على الأرض من خلال تشابك هذه الظَّواهر العديدة، والخطوة الثالثة هي أنه في مقابل ذلك لو حاولنا تفسير كلّ هذه التّوافقات في أمثلتها اللّانهائيّة بفرضيّة الصّدفة؛ فسوف نضطرّ إلى افتراض ملايين الملايين من الصّدف، ومع كلّ حالةٍ أو مثالٍ سوف تهبط درجة الاحتمال حتى تصبح صفرًا.

وأشار إلى أنه مع صعود «احتمال» فرضيّة الصّانع وهبوط «احتمال» فرضيّة الصُّدفة يرجّح العقل -بدرجةٍ لا يشوبها الشَّكّ- الاحتمال الأوّل وهو وجود خالق لهذا الكون، ويستبعد كلّيًّا الاحتمال الثّاني وهو الصدفة في خلق الكون، ونصل في النَّهاية «إلى النَّتيجة القاطعة؛ وهي أنَّ للكون صانعًا حكيمًا، بدلالة كلّ ما في هذا الكون من آيات الاتّساق والتّدبير»: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}.

وضرب الإمام الأكبر مثلًا للتدليل على أن الكون لم يخلق بالصدفة وإنما له صانع حكيم، وهذا المثال هو العين الباصرة في الإنسان؛ فإنّنا لو أخذنا طبقةً واحدةً من طبقات العين، وهي الطّبقة الأخيرة؛ لوجدناها تتألّف من ثلاثين مليونًا من الخيوط الرّقيقة، إضافةً إلى ثلاثة ملايين من أجسامٍ صغيرةٍ دقيقةٍ مخروطيّة الشّكل، هذه الخيوط مرتّبةٌ بصورةٍ بالغة الدّقّة لكي تتمّ عمليّة الإبصار في العين. فلو فرضنا -عقلًا- أنّنا رقّمنا هذه الخيوط بأرقامٍ مسلسلةٍ من واحدٍ إلى ثلاثين مليونًا، ثمّ خلطنا هذا التّرتيب وشوّشناه، وأردنا بعد ذلك أن نتصوّر إعادة هذه الخيوط بالتّرتيب اللّازم لعمليّة الإبصار، ولكن عن طريق الصّدفة، فما هي نسبة احتمال أن تأتي الخيوط في ترتيبها الصحيح؟ النتيجة أن طول عدد الاحتمالات هنا سيبلغ عشرات الأمتار من الأصفار، وفي نفس الوقت تتضاءل قيمة الاحتمال إلى أن يصل إلى الصّفر. وهذا في جزءٍ واحدٍ من عضوٍ واحدٍ من أعضاء الإنسان، فكيف بهذا الكون الرّهيب المدهش بدءًا من الذّرّة وانتهاءً بالمجرّة؟!

وأكد الإمام الأكبر أن العقيدة الصَّحيحة تعني الإدراك الجازم المطابق للواقع، الإدراك الذي لا يقبل الشك، وفي أوروبا أوهموا الناس أن الأديان هي مشكلة الحياة المعاصرة، وأنه لا بد من استبعاد الأديان وأن نلقى عليها رداء النسيان حتى تستريح الناس وتسلم، وهذا كلام خطأ لأن الحربين العالميتين اللذَين قاربت ضحاياهما المائة مليون شخص لم يكن الدِّين له فيها ناقة ولا جمل بل كادت حرب حضارة، ولما عقدوا مؤتمرًا في أوروبا ووجدوا أن الناس ما زالوا متمسكين بالأديان، قرروا أن تكون بعيدة عنهم فنقلوها إلينا، وقالوا إن الحل أن نجعل كل دين من الأديان لا يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة، بما يعني التنازل عن جزء من الدين، وهذا الباب لو فتح سيكون الكل ملحد ولن يثبت دين واحد، وأنا قلت في أوروبا قبل ذلك في ألمانيا والبرتغال إنه لا يمكن أن يكون المسيحي مسيحيًّا متدينًا وهو يشك فى أصول دينه، وأنا أيضًا لا يمكن أن أكون مسلمًا متدينًا إذا كان لدي شك في ديني.

وقال إن هذا التشكيك في الأديان يجعلها في مهب الريح، لأن الاعتقاد شعور فلا تبحث عنه ولا ترقى به لمنصة العقل، والحل هنا أن يعتقد كل مؤمن بدين أن دينه هو الحق الذي لا حق سواه، مع ضرورة التسامح واحترام الآخر، وأن يتمسك كل شخص بعقيدته تمسكًا لا تفريط فيه ولا شك، لأن الإيمان الصحيح هو اعتقادٌ يجب أن يرقى إلى رتبة العلم التي هي أعلى مراتب اليقين، وديننا الإسلامي يقول {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ويقول كذلك: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، وتمكين المختلف معي في الدين من يمارس شعائره الدينية، وهذا هو الحل الوحيد لأن الأديان مختلفة ولن تنتهى، مستطردًا: هنا نستطيع الآن أن نقول أننا قد انتهينا من شرح مسألة الإيمان بالله تعالى كعقيدة وإثبات وجود الله والرد على المشككين فى وجود الله.

وتحدث عن العقيدة فقال إن العقيدة في الإسلام ترادف الإيمان، و«العقائد الإسلاميّة» الّتي جاء بها القرآن الكريم وزادتها الأحاديث الصّحيحة من سنّة النّبيّ ﷺ تفصيلًا وشرحًا، هي: الإيمان بالله تعالى، الإيمان بالرّسل، الإيمان باليوم الآخر، أو ما يسمّى بـ: الإلهيَّات، والنُّبوَّات، والسَّمعيَّات. وتتناول الإلهيات كل المسائل المتعلقة بالله سبحانه وتعالى؛ بوجوده وصفاته وأسماءه وأفعاله والقضاء والقدر، أما النبوات فتتناول تعريف النبي والرسول والفرق بينهما، وما هي المعجزة، وما الفرق بين المعجزة والسحر والكرامة، وكل مايتعلق بالنبوة بشكل عام وما يتفرع عنها من مسائل، ثم ننتقل بعد ذلك الى السمعيات ومباحث الآخرة أى ما بعد الموت مثل الحساب والعقاب والصراط والجنة والنار.

ونوه الإمام الأكبر إلى أن دائرة الإلهيات سميت بذلك لأنها تتعلق بالله تعالى، ومن الممكن أن يصل الإنسان بنظره العقليّ إلى إثبات وجود الله، وإثبات ما يليق به من التّوحيد، ومن صفات الكمال والتّنزيه، ولكن لا يمكن لهذا العقل -كائنًا ما كان ذكاؤه وإدراكه وقدرته وطاقته- أن يصل إلى إدراك الذّات الإلهيَّة ومعرفة حقيقتها وكنهها، وكذلك دائرة النبوات تخضع للدليل العقلي ويأتي الدليل النقلي معضدًا للعقلي الذي يعد المنطلق، أمّا السّمعيّات فلها نهجٌ خاصٌّ في إثباتها، واعتقادها، والإيمان بها، فهي أمورٌ غيبيّةٌ تقع وراء المعرفة الإنسانيّة بكلّ وسائلها المعروفة من الحسّ والعقل والفطرة، والدَّليل العقليّ لا يجدي شيئًا في إثبات أيٍّ من هذه الحقائق الغيبيّة، والطّريق الوحيد الّذي يتلقّى منه العقل معلوماتٍ يقينيّةً عن هذه الأمور هو الوحي أو الشّرع.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً