قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، إنه بعد أن يثبت العقل أن قضية وجود الله تعالى، قضية يقينية وثابتة ثبوتًا قطعيًا، ينتقل إلى معرفة صفات الله تعالى وأسمائه، وأول ما ينبغي أن نعيه هنا هو أن مجال العقل في صفات الله وأسمائه مجال محدود ومحصور.
وأضاف خلال حديثه في برنامج "الإمام الطيب" إذا كان العقل قد انتهى إلى أن الله هو خالق هذا الكون، وفي هذا الكون صفات كمال متعددة تتمثل في العلم والغنى والرحمة والعدل؛ فيجب أن يتصف الله بهذه الكمالات -إجمالًا- وعلى وجه يليق بذاته المقدسة؛ لأنه لا يعقل أن يكون هو مصدر ما نراه من هذه الكمالات وواهبها ومعطيها، وهو خالٍ منها ولا يتصف بها.
ولفت إلى أن العقل يحكم حكمًا ضروريًا بثبوت هذه الصفات لله أولًا، وإلا كنا أمام أنواع من صفات الكمال البشري لا سبب لها ولا موجد، وهو أمر مستحيل التصور حسب قاعدة: "كل حادث لا بد له من محدث"، فإذا سلمنا بأن صفات الكمال والجمال والتفكير والعلم والرحمة وغيرها المنتشرة في هذا الكون لها سبب هو واهبها ومعطيها فيجب التسليم بالقاعدة العقلية الأخرى التي تقرر أنه «يجب أن يكون في العلة قدر ما في المعلول على الأقل"، وبذلك تثبت عقلًا صفات الجمال والجلال لله تعالى.
وأوضح الإمام الأكبر أن مذهب السلف في مسألة صفات الله تعالى هو أن نثبت لله تعالى كل صفة أثبتها لنفسه، وأن ننفي عنه كل صفة نفاها عن نفسه أو نفاها عنه رسول الله ﷺ، أي أن صفات الله تعالى وأسماءه الحسنى توقيفية؛ فلا يجوز إطلاق أي اسم على الله تعالى اعتمادًا على العقل والقياس، إلا إذا كان هذا الاسم قد ورد به الشرع، وتنقسم هذه الصفات إلى صفات سلبية وصفات ثبوتية.
وبين أن الصفات السلبية، هي الصفات التي تنفي عن الله «معنًى» لا يليق بجلاله وكماله، مثل وصفه تعالى بأنه الواحد والأول والآخر، وأنه ليس كمثله شيء، ويقول المتكلمون: إن الصفات السلبية هي، الوحدانية، أي أنه تعالى واحد وحدةً مطلقةً، وتعني نفي التعدد في الذات والصفات والأفعال، وصفة القدم والبقاء، ومعنى القدم أنه سبحانه لا أول لوجوده، وأن وجوده لا يسبقه عدم.
وتابع: معنى البقاء أنه لا نهاية لوجوده؛ فهو أزلي أبدي، لا يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم؛ لأنه تعالى «واجب الوجود»، وصفة المخالفة للحوادث، ومعناها عدم مماثلته سبحانه لشيء من خلقه، فهو ليس جسمًا، ولا يوصف بشيء من صفات الأجسام وأحوالها، فلا يوصف -مثلًا- بالجوع أو العطش، أو النوم أو الغفلة، ولا القيام ولا القعود، وصفة قيامه تعالى بذاته، أي عدم احتياجه إلى غيره كائنًا ما كان هذا الغير.
وأوضح الإمام الأكبر أن الصفات الثبوتية هي الصفات التي تثبت لله معنًى من معاني الكمال، وترجع هذه الصفات إلى صفات سبع، وهي صفة العلم والعقل الصريح يحكم بوجوب صفة العلم للخالق؛ لأن الذي يخلق ويصنع ويدبر لا بد أن يكون عالمًا بخلقه وصنعه وتدبيره، كما أن من صفات الله تعالى الثبوتية أيضًا صفة الإرادة، ومعنى الإرادة تخصيص الممكنات ببعض ما يجوز عليها من وجود وعدم وأحوال مختلفة؛ فصفة الإرادة تؤثر في الممكن بأن تجعله على صفة معينة دون صفة أو صفات أخرى.
وتابع الإمام الأكبر أن من صفات الله عز وجل الثبوتية القدرة، وهي صفة إيجاد وإعدام، ومعنى هذه الصفة أن كل الحوادث مستندة في وجودها إلى تأثير قدرة الله تعالى في خلقها وإيجادها، ومن صفاته الثبوتية أيضًا، السمع والبصر وهما صفتان تدرك بهما المسموعات والمبصرات إدراكًا تاما حقيقيا، لا مجال فيه لتخيل أو توهم، وقد ثبت الكلام لله تعالى بإجماع الأمة، وكلام الله هو أمره ونهيه وإخباره، وهو ليس حروفًا ولا أصواتًا ولا شيئًا من قبيل كلام الخلق والحوادث، وهو كلام قديم وأزلي ليس شيء منه حادثًا أو طارئًا.
وبين أن من صفاته تعالى الثبوتية الحياة، وهي صفة أزلية تصحح الاتصاف بالصفات الأخرى؛ العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام؛ فالذي يعلم ويقدر ويريد ويسمع ويبصر ويتكلم لا بد أن يكون حيا.
وأردف الإمام الأكبر إلى أن أثبت الله في كتابه الكريم لذاته المقدسة صفات وأسماءً حسنى، وأمرنا أن ندعوه بها ونتقرب إليه بتدبرها وحفظها وترديدها، وقد حدد النبي هذه الأسماء في تسعة وتسعين اسمًا، ووعد من يحصيها حفظًا وتدبرًا أن يكون جزاؤه الجنة، يقول النبي ﷺ: "إن لله تسعةً وتسعين اسمًا؛ مئةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة".