قال فضيلة مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام: "نحن أحوج ما نكون إلى المحافظة على المقاصد الشرعية ومراعاتها وإشاعتها حتى نتمكن من تصحيح صورة الإسلام، ومعالجة المستجدات والنوازل التي تتجدد في حركة الناس وعلى ساحة المجتمع ويقتضيها الواقع".
جاء ذلك في الحوار اليومي الرمضاني في برنامج "مع المفتي" المُذاع على "قناة الناس" الذي يقدِّمه الإعلامي شريف فؤاد، حيث أكد فضيلته على أن المقاصد الشرعية تبحث في المقصود من أوامر الشرع الشريف ونواهيه، وتتلخص في حفظ خمسة أمور: الأديان، والنفوس، والعقول، والأعراض التي تعني الكرامة الإنسانية، والأموال.
وعن أهمية مراعاة المقاصد الشرعية أضاف فضيلته: "وهذه المقاصد ترسم ملامح النظام العام وتمثل حقوق الإنسان، وتكشف عن أهداف الشرع العليا وسمات الحضارة بما يجلب المصالح الحقيقية للخلق عامة؛ لذا أجمعت كل الملل والعقول السليمة على وجوب المحافظة عليها ومراعاتها في كل الإجراءات والتشريعات، وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي رحمه الله بعدما تتبع كل الأوامر والنواهي: "وجدتُ الشرائع إنما وُضعت لمصالح العباد ودرء المفاسد عنهم في العاجل والآجل معًا".
اقرأ أيضا..مفتي الجمهورية: الصلاة لها مرتبة خاصة في الإسلام
وأما عن دور العلماء في تقعيد علم المقاصد الشرعية فقد أثنى فضيلة المفتي على العلماء الذين أولَوا العناية بترسيخ علم المقاصد الشرعية بدءًا من الإمام الشافعي ومرورًا بإمام الحرمين والإمام الغزالي والإمام العز بن عبد السلام وتلميذه الإمام القرافي حتى الإمام الشاطبي.
وأشار مفتي الجمهورية إلى خطأ البعض ممن يقف عند حدود النصوص والأدلة الشرعية ولا يريد أن يغوص مع المعاني التي قصد الشارع إليها، والتي يظهر لنا هدفها، كالمقصد من الصيام كما في قوله عز وجل:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
ولفت فضيلته النظر إلى مناهج دراسة المقاصد الشرعية بقوله: "إن منهج الإمام الشاطبي ومن سبقوه -وهو منهج الجمهور- منهج وسطي يتميز بالجمع بين الأخذ بالظاهر وبالمقاصد، خلافًا لمنهجين آخرين متعارضين، أحدهما: منهج ابن حزم الظاهري الذي يعتمد على ظاهر النصوص، ولا يلتفت للمقاصد، والمنهج الآخر: وهو منهج الإمام الطوفي الحنبلي الذي يرى أن المصلحة مقدمة على النص في كثير من الأحوال".
وشدَّد فضيلة المفتي على خطورة عدم الالتفات لقيمة المقاصد الشرعية الخمسة قائلًا: "أي مجتمع لا يُحافظ فيه على هذه المقاصد الخمسة هو مجتمع على حافة الانهيار إن لم يكن منهارًا بالفعل".
وحذَّر فضيلته من قيام بعض الشباب بالاكتفاء بأخذ العلم من الكتب دون الجلوس إلى العلماء المعتبرين، معللًا ذلك بأن الكتب لها مفاتيح لا توجد إلا عند العلماء الذين أفنوا أعمارهم في تلقي العلم عن شيوخهم. واستشهد المفتي بقول الإمام العالم د. دراز عندما قدَّم لكتاب الموافقات للشاطبي منبهًا للتعامل بحذر مع الكتاب، فقال عن الشاطبي: "يجعل القارئ ربما ينتقل في الفهم من الكلمة إلى جارتها، ثم منها إلى التي تليها، كأنه يمشي على أسنان المشط، لأن تحت كل كلمة معنى يشير إليه وغرضًا يعول في سياقه عليه".
واختتم فضيلته حواره بقوله: "إن من أسباب استهانة بعض غير المسلمين بالإسلام وأهله هو جهل هؤلاء المتطرفين لأهمية المقاصد الشرعيَّة وتنحيتها جانبًا في بيئتهم الفكرية والعملية؛ فإنهم أباحوا لأنفسهم ولأتباعهم احتقار الحق والخلق، والطعن في أعراض الناس عامة كقولهم بنكاح الجهاد وغيره، ونهب الأموال وتدمير الممتلكات، فضلًا عن لمز علماء الأمة وغمزهم والتشويش على مؤسسات الدولة الحصينة، بل ينسبون جواز هذا الإفك إلى الشرع الحنيف، وهم بذلك يعملون لمصلحة أعداء الإسلام وأهله، ويؤكدون اللحظة تلو الأخرى على الصورة المشينة الآثمة التي يُراد لها الترويج وهي التي تزعم إفكًا أن الإسلام «دين همجي دموي»، وما يتبع ذلك من إساءة الآخرين للإسلام والمسلمين".